close button

قرية الخزفيين بآسفي.. حين يتحول الطين إلى لغة تعبير وهوية حضارية

هبة بريس – محمد الهروالي

في حي البيار المطل على المحيط الأطلسي، ووسط زقاقٍ تُجاور فيه رائحة الطين رائحة البحر، تقع قرية الخزفيين بآسفي، معقل الصناعة التي منحت المدينة شهرتها العالمية. إنها أكثر من مجرد حي صناعي، إنها ذاكرة جماعية تنبض بالحياة، وسيناريو يومي تكتبه الأيدي الخبيرة في مواجهة العصرنة والإهمال.

– الطين، العرق، والنار: دورة الحياة في القرية

منذ الساعات الأولى للصباح، تبدأ حركة لا تهدأ داخل ورشات القرية. الطين يُنقل من الأحواض، يُعجن، يُشكّل فوق دواليب يدوية، وتُولَد من بين أنامل الحرفيين تحف خزفية تنبض بروح أصيلة.

الحرفي رشيد جاري، الذي مارس المهنة لأكثر من 45 سنة، يُعد من أقدم صناع الخزف في القرية، ويقول بصوت يغلبه الحنين: “من قبل، كنا نخدمو بالركابي وبالفرن التقليدي، واليوم كاين آلات كتسهل الخدمة، ولكن الحرفة خاصها صبر ومهارة وعين فنية، ماشي غير آلة.”

في كل ورشة، تختلف اللمسات، لكن تتشابه القصة: طين يتحول إلى طاجين، إلى مزهرية، إلى تحفة فنية تتنقل عبر العالم.

قرية الخزفيين بآسفي.. حين يتحول الطين إلى لغة تعبير وهوية حضارية

– بين الحداثة والهوية.. الآلة تخدم الصانع

رغم تشبث القرية بطابعها التقليدي، فإن عدداً من الورشات بدأت تعتمد على آلات العجن والشيّ الكهربائي، مما وفّر الوقت والجهد. لكن الصانع لا يزال يحتفظ بدوره الأساسي في الزخرفة والتزويق، إذ تبقى اللمسة اليدوية هي التي تمنح القطعة شخصيتها الفريدة.

الحرفي الشاب “ياسين”، الذي ورث الورشة عن والده، يوضح: “استعملنا الآلات باش نواكبو الطلب، ولكن الزبون الأجنبي ولا المغربي كيبغي الحاجة لي فيها روح، ماشي حاجة مصنوعة بالسربيس.”

قرية الخزفيين بآسفي.. حين يتحول الطين إلى لغة تعبير وهوية حضارية

– أعباء التصدير، وغياب التصنيع الداخلي.. عبء مضاعف على الحرفيين

ورغم القيمة الفنية والإقبال الدولي على خزف آسفي، فإن سلسلة التصدير تُواجه عراقيل حقيقية تجعل من الاستمرارية تحدياً يومياً.

أولها اعتماد التصدير حسب الوزن بالكيلوغرام عوض الوحدة أو القيمة الفنية، وهو ما لا يراعي طبيعة المنتجات الخزفية حيث كونها مصنوعة من الطين فذلك يجعل الوزن ثقيلا و بالتالي أعباء مادية اضافية .

كما أن غياب تصنيع عدد من المواد الأساسية داخلياً، مثل السيراميك الصناعي وبعض الطلاءات الخاصة، يجعل الحرفيين رهائن للاستيراد وارتفاع التكلفة، ما يُقلص هامش الربح ويُضعف القدرة التنافسية.

يُضاف إلى ذلك غياب الدعم الفعلي من طرف الوزارة الوصية، حيث يُضطر الحرفيون إلى دفع تكاليف التغطية الصحية بشكل فردي، دون أي معاش يضمن لهم كرامة التقاعد.

هذا الوضع يخلق نوعاً من اللاستقرار الاجتماعي والمستقبلي، ويُعزز عزوف الأجيال الجديدة عن دخول الميدان، في ظل غياب أي أفق واضح أو ضمانات مهنية.

كما يُعلق أحد الحرفيين الشباب: “اللي بغا يدخل لهاذ الحرفة اليوم خاصو يكون مغامر، ما كاين لا تقاعد، لا تغطية، لا تكوين، لا تسويق… المستقبل باين مجهول.”

قرية الخزفيين بآسفي.. حين يتحول الطين إلى لغة تعبير وهوية حضارية

– مركز إنتاج وتكوين غير مُعلَن

القرية ليست فقط مركز إنتاج، بل أيضاً مدرسة مفتوحة. يتعلم فيها الصغار على يد الكبار، وينقل الحرفيون أسرار المهنة جيلاً بعد جيل، في غياب أي معهد رسمي للتكوين.

يقول رئيس تعاونية الخزف بالقرية: “طالبنا بإنشاء مركز للتكوين المهني في فنون الخزف، لكن الوعود كثيرة والدعم قليل. هذا تراث ماشي غير مهنة.”

بين الجمال والإهمال.. القرية تُنادي

ورغم القيمة الثقافية والاقتصادية لقرية الخزفيين، إلا أن واقعها يكشف عن هشاشة في البنية التحتية، نقص في التسويق، وتهميش مؤسساتي واضح.
بعض الورشات تُكابد لتغطية مصاريف الطين والطلاء، وأخرى أُغلقت بسبب غياب الدعم أو رحيل الحرفيين.

يقول أحد الشيوخ بأسفي:”ما بقاش اللي غادي يحمل المشعل… الحرفة كتضيع شوية بشوية.”

– إرثٌ يقاوم النسيان

قرية الخزفيين ليست مجرد مكان، بل رمز لهوية آسفي وذاكرة المغرب الحرفية. وفي كل قطعة خزف تخرج منها، قصة أمل، وشهادة على أن الطين حين يُلامس الإبداع، يُصبح فناً يخلد الأمم.

مقالات ذات صلة

‫13 تعليقات

  1. قرية الخزفيين هي القلب النابض ديال آسفي الطين هنا ماشي غير مادة راه حكاية وتراث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى