
احتفالات “فاتح ماي “تكشف الأزمة العميقة في المشهد النقابي المغربي
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
تحت وقع الشعارات المرفوعة، احتفلت الشغيلة المغربية اليوم الخميس بعيدها الأممي، فاتح ماي، غير أن الشعارات، على تنوعها، لم تُخفِ حالة التآكل التي تنخر الجسم النقابي من الداخل، ففي الوقت الذي تُحمَّل فيه الحكومة المسؤولية عن الأوضاع المتدهورة للطبقة العاملة، تبرز ضرورة مساءلة البيت النقابي ذاته، الذي لم يعد قادراً على مواكبة هموم الشغيلة ولا على التعبير الحقيقي عن انتظاراتها.
– منع تاريخي واعتراف متأخر
لم يكن الحق النقابي مكفولاً للمغاربة في فترات الاستعمار، حيث اقتصر الانتماء النقابي على الأوروبيين، بل تم تجريم هذا الحق بموجب ظهير 24 يونيو 1938، غير أن صمود العمال المغاربة وارتفاع وتيرة انخراطهم أفضى إلى الاعتراف بهم كفاعلين نقابيين بموجب ظهير 12 شتنبر 1955، قبل أن يتم تقنين العمل النقابي عبر ظهير 16 يوليوز 1957، الذي ما يزال الإطار التشريعي الأساسي إلى اليوم.
– ثلاث علل مزمنة تنخر العمل النقابي
رغم التاريخ الطويل للنضال العمالي، يعيش العمل النقابي بالمغرب اليوم حالة من التشرذم والانحسار، تغذّيها ثلاث إشكالات مركزية:
– غياب الديمقراطية الداخلية: ما زالت العديد من المركزيات النقابية تعاني من استبداد الزعامات “الخالدة”، حيث تُقصى الكفاءات الشابة وتُحتكر القرارات في يد قلة قليلة، هذه المركزيات، التي ترفع شعارات النضال، تحوّلت إلى أدوات لخدمة مصالح شخصية، ما أدى إلى فقدان ثقة شريحة واسعة من الأطر النقابية، ودفعها نحو الانسحاب الجماعي، كما حدث في حالات بارزة من الاتحاد المغربي للشغل نحو المنظمة الديمقراطية للشغل في مدن كالناظور ومكناس وتنغير وغيرها في أقاليم عدة.
– الحزبية المفرطة: العمل النقابي لم يُعْنَ بهموم الشغيلة بقدر ما ارتبط بمصالح الأحزاب السياسية، فتحوّلت النقابات إلى أدوات انتخابية تُسوّق لخطابات حزبية بدل أن تكون صوتًا صادقًا للعمال. هذا التداخل السلبي بين السياسي والنقابي عمّق من أزمة المصداقية، ووسّع الهوّة بين النقابات والطبقة العاملة.
– الحصار والتضييق الرسمي:
لا يزال العمل النقابي الجاد عرضة للتضييق والقمع، حيث تُمنع الأنشطة النقابية في الوحدات الصناعية، ويُلاحَق المناضلون النقابيون، في مناخ لا يُشجع على بناء حركة اجتماعية موحدة وقوية، بل هناك من يرى أن الحكومات المتعاقبة تسعى لإبقاء النقابات منقسمة ومتصارعة لإضعاف قدرتها التفاوضية.
– بين تشظي الداخل وضغوط الخارج
لا يمكن إنكار أن المسؤولية في تدهور الوضع النقابي مشتركة، فالدولة بممارساتها التقييدية تتحمل جزءًا من العبء، لكن الجزء الأكبر يقع على النقابات نفسها، التي انشغلت بالتجاذبات الحزبية والصراعات الداخلية، وابتعدت عن هموم العمال اليومية، فبدل الدفاع عن حقوق الأجراء وتحسين أوضاعهم، انشغلت بعض القيادات النقابية بالمساومات والانتهازية.
– رئيس حكومة سابق يكشف عمق أزمة التمثيلية النقابية
في مشهد يختلط فيه الحنين إلى التجربة السابقة بنقد المرحلة الراهنة، خرج عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة الأسبق، عن صمته ليكشف جانبًا آخر من أزمة النقابات في المغرب، من زاوية سياسية هذه المرة، وذلك خلال مشاركته في مهرجان خطابي نظمته نقابة الاتحاد الوطني للشغل بمناسبة فاتح ماي، وجه ابن كيران انتقادات لاذعة للحكومة الحالية، بسبب ما اعتبره إقصاءً ممنهجًا لنقابة يُفترض أن تكون ضمن الأطراف المشاركة في الحوار الاجتماعي.
ابن كيران رأى في استبعاد هذه النقابة، رغم توفرها على تمثيلية مهمة في القطاع الخاص، مؤشرًا على “منطق التحكم” الذي يُقصي الأصوات المخالفة، محذرًا من أن هذا النهج قد يؤدي إلى فراغ في التمثيلية، ويفتح الباب أمام تنسيقيات عشوائية تتجاوز النقابات الرسمية. بل لم يتردد في التشكيك في “الوزن الحقيقي” للنقابات التي تتصدر مشهد الحوار اليوم، مستشهداً بتناقضاتها التي تتجلى، حسب قوله، في توقيعها على الاتفاقيات ثم الانقلاب عليها عبر الإضرابات في اليوم الموالي.
كلام رئيس الحكومة الأسبق أعاد إلى الواجهة سؤال المشروعية التمثيلية داخل المشهد النقابي، خاصة بعد صعود التنسيقيات القطاعية التي تُنظم احتجاجات واسعة بعيداً عن الأجسام النقابية الكلاسيكية. وهو ما يعكس، حسب كثير من المتتبعين، فشل النقابات في احتضان هموم القواعد العمالية وبلورة مواقف تعبّر عنهم.
ورغم أن خطاب ابن كيران لم يخلُ من انتقادات سياسية صريحة، خاصة لخصومه في الساحة الحزبية مثل ادريس لشكر ونزار بركة، فإن البعد النقابي ظل حاضرًا بقوة، باعتباره جزءًا من معركة أعمق تتعلق بمستقبل العمل الاجتماعي والديمقراطي بالمغرب.
تدخل ابن كيران يُعيد النقاش حول أزمة النقابات من خانة التحليل السوسيولوجي والنقابي إلى خانة التأمل السياسي، مؤكدًا أن أزمة التمثيلية لا تنبع فقط من داخل التنظيمات النقابية، بل تمتد إلى اختيارات السلطة وأجندات الأحزاب.
– ما العمل ؟؟؟
الطريق نحو نقابة قوية ومؤثرة يمر أولًا عبر تطهير البيت الداخلي، بترسيخ ديمقراطية حقيقية داخل الهياكل النقابية، وفصلها عن التبعية الحزبية، وتوفير الحماية القانونية والميدانية للنقابيين. كما يقتضي الوعي الجماعي بضرورة تجاوز منطق الزعامة الشخصية والانخراط في مشروع نقابي وطني جامع، يضع مصلحة الشغيلة فوق كل اعتبار.
في عيدهم الأممي، يحق للعمال المغاربة أن يحتفلوا، ولكن يحق لهم أكثر أن يحلموا بنقابة حقيقية، تناضل من أجلهم، لا باسمهم فقط.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X
العمل النقابي محتاج نفس جديد وشباب ملتزم.
فاتح ماي ولى مجرد مناسبة رمزية بلا فعالية حقيقية.
العدالة الاجتماعية كتبقى الشعار اللي ما تحققش.
خاص النقابات تخرج من لغة الخشب وتواجه الواقع.
فاتح ماي كيذكّرنا بحجم المعاناة اللي مازالت مستمرة.
العمال باغين نتائج ملموسة ماشي غير خطب وتجمعات.
النقابات ولات كتكرر نفس الشعارات بلا حلول حقيقية.
المطالب كتتكرر كل عام بلا استجابة من الحكومة.
الاحتجاجات فقدات البريق ديالها وسط صمت المسؤولين.
الشارع فقد الأمل فالمركزيات النقابية القديمة.
النقابات خاصها تعيد النظر في أساليب النضال ديالها.
المشهد النقابي كيعيش أزمة ثقة كبيرة بينه وبين الشغيلة.
الاحتفالات ولات مسرحية بلا تأثير فعلي على الوضع الاجتماعي.