التطرف الرقمي في المغرب.. تحديات الأمن الديني في زمن الشبكات
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في عصر تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، برز خطر جديد يهدد تماسك المجتمعات واستقرارها، يتمثل في التطرف الرقمي، وهو استخدام الفضاء الأزرق لنشر أفكار متطرفة تؤجج الكراهية أو التحريض على العنف أو التلاعب بالمفاهيم الدينية.
ويعتبر المغرب، من البلدان التي تولي أهمية خاصة للوسطية والاعتدال في الحقل الديني، لم يكن بمنأى عن هذا التحدي.
– ظاهرة مقلقة بنبرة جديدة
لم يعد التطرف مقتصرًا على المساجد أو اللقاءات المغلقة، بل انتقل إلى الهواتف المحمولة وصفحات التواصل الاجتماعي، حيث يختلط المحتوى الديني السليم بالأفكار المنحرفة، وقد أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في أكثر من مناسبة، أن وزارته لا تتساهل مع هذا النوع من التهديدات، خاصة حينما يتورط فيها قيّمون دينيون، وشدد على أن الوزارة تتدخل بحزم فور اكتشاف أي نزعة متطرفة داخل صفوف أئمة المساجد أو الوعاظ والخطباء.
– التحول الرقمي الديني… سلاح ذو حدين
لمواجهة هذا المد الرقمي المتطرف، عززت وزارة الأوقاف حضورها الرقمي، من خلال إنتاج أكثر من 200 ألف محتوى ديني موثوق على الإنترنت، بالإضافة إلى إطلاق منصات مثل “منصة محمد السادس للحديث الشريف”، وتفعيل قنوات رسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الحضور يسعى إلى تقديم بديل معتدل وموثوق للمحتوى الديني المنتشر في الفضاء الرقمي، لكنه يطرح تساؤلات حول مدى فعاليته في التأثير على فئة الشباب التي غالبًا ما تنجذب إلى الخطاب الحاد والصدامي.
– فوضى الإفتاء والتشويش على المرجعية
إحدى أبرز إشكالات التطرف الرقمي تكمن في ما سماه الوزير التوفيق بـ”فوضى الإفتاء”، حيث يعمد أفراد غير مؤهلين إلى إصدار فتاوى وقراءات دينية مضللة، مستغلين هامش حرية التعبير والمنصات الرقمية، وفي هذا السياق، يؤكد الوزير أن المجلس العلمي الأعلى هو الجهة الوحيدة المخولة رسميًا بإصدار الفتوى في المغرب، داعيًا المواطنين إلى التمييز بين الإفتاء والإرشاد.
– نحو استراتيجية شمولية
إن مواجهة التطرف الرقمي لا يمكن أن تتم فقط من خلال الرقابة أو الحجب، بل تتطلب استراتيجية شمولية تجمع بين التوعية، التربية الدينية السليمة، تعزيز الثقة في المؤسسات الدينية، وتكوين الأئمة والدعاة على التعامل مع المنصات الرقمية، كما يبقى للمجتمع المدني والإعلام دور أساسي في فضح الممارسات المتطرفة وتقديم نماذج معتدلة ومستنيرة.