تنزيل الخطاب الملكي الخاص ب”الجالية” …ارتباك بوزارة الخارجية وتأخير غير مبرر
يبدو أن وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي ما زالت بعيدة كل البعد عن التنزيل السليم للخطابات الملكية السامية بعد حوالي شهرين من الخطاب التاريخي الذي ألقاه الملك محمد السادس وخصص فيه حيزا مهما للإشادة بمغاربة العالم والدور المحوري الذي تقوم به هذه الفئة من المغتربين في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة في مختلف المناسبات والمحافل الدولية بما يتوافق وقناعاتها الراسخة بأنها جزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي وتاريخه العريق.
الخطاب الملكي السامي جاء ليجدد التأكيد على أيلاء أهمية قصوى لمغاربة العالم ليس من ناحية تجويد الخدمات القنصلية فقط، بل تعداها إلى مقاربة شمولية أخرى تخص الإستفاذة من تجربتها وإقحامها في منظومة العمل والإنتاج، الأمر الذي أحرج نوعا ما وزارة “بوريطة” والمحيطين في فلكها لأنهم في نهاية المطاف أكبر المستفيذين من سياسة “باك صاحبي”، ولنا في الموضوع من الأمثلة ما لا يمكن لعاقل أن ينكره بما فيهم وزير الخارجية نفسه الذي يعلم علم اليقين أن المحسوبية والزبونية هي أنجع إختبار في التعيينات والتوظيف.
وكي نخوض في هذا الباب أكثر لا بأس أن نعطي مثالا صارخا لأبسط المناصب في هذه الوزارة والتي تعتمد فيها عقود العمل وليس التوظيف، الا وهي وظيفة عون محلي في القنصليات أو السفارات المغربية بالخارج ، هذا المنصب البسيط الذي لا يتعدى راتبه 1200 أورو شهريا يخضع لاتصالات مكثفة من طرف المسؤولين ولا يقتصر على أبناء الشعب الحاملين للشواهد الجامعية والمقيمين بديار المهجر، بل ينهج طريقا آخر عبارة عن توصيات او تعليمات بضرورة توظيف “فلان” أو ” فلانة” لأنه من أقارب أو عائلة السفير “الفلاني” أو المسؤول ” الفلاني” لدرجة ان الأمر أصبح مألوفا لدى رؤساء المراكز او حتى مديرية الشؤون القنصلية، ومن قال عكس ذلك نتحداه بأسماء الأعوان وصفات أقاربهم الذين لا يكلفوا أنفسهم سوى مكالمة هاتفية تنتهي أطوارها بجملة “وخ أسيدي ، مرحبا أسيدي ، هو الأول أسيدي” ، في حين أن القنصليات مكتظة بطلبات التوظيف رغم الحجب المتعمد عن إعلانات الترشيح المفترض أن تكون في إطار الشفافية وتكافؤ الفرص بين الجميع.
التقارير التي أنجزتها “هبة بريس” على ضوء هذه الخروقات التي تعتمدها وزارة الخارجية في توظيف الأعوان المحليين كشفت نسبة 100/100 يتم توظيفهم بطريقة مشبوهة وغالبيتهم لم ينهي المرحلة الإبتدائية في مستواه الدراسي في حين أن الحاصلين على الشواهد الجامعية لا مكان لهم في الإستفاذة من هذه المناصب البسيطة رغم حاجتهم الملحة إليها وأهليتهم الكاملة لممارستها باعتبارهم مواطنون مغاربة لهم من الحقوق ما عليهم من الواجبات.
وعودة إلى الزبونية والمحسوبية في التوظيف كان لزاما علينا في “هبة بريس” أن نذكر الرأي العام الوطني والسيد “بوريطة” بالفضيحة التي تفجرت قبل يومين والمتعلقة بإختلاسات مالية كبيرة بطلها الرئيسي معلم ملحق بالبعثة إستفاذ من التقاعد النسبي وقرر الإقامة في برشلونة لأن القنصل العام آنذاك والسفير الحالي بدولة الأرجنتين السيد “فارس ياسر” وعده بالتوظيف في القنصلية العامة ل”برشلونة” وهو ما تم فعلا لتكون النتيجة صادمة في النهاية ومعبرة عن الفساد المستشري والمحسوبية الضاربة أطنابها في القنصليات، فهل تمت مساءلة السيد السفير الحالي في دولة الأرجنتين عن تزكيته لملف أصلا يعتبر صاحبه متقاعد من التلعيم وتصرف له من خزينة الدولة ما لا يقل عن 6000 درهم شهريا؟.
إن وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي كانت وما تزال مرتعا للشبهات في كثير من المواقف لعل آخرها المراسلة التي تلقتها من مغاربة العالم بعدما تم تداول إسم شخص اقترح لتولي شؤون الجالية في الخارج داخل إطار “المحسوبية والزبونية”، حيث كانت الترتيبات قد إكتملت للإعلان عنه لولا يقظة الكفاءات والأطر في المهجر والتي لم تتوانى في الإحتجاج والتعبير عن سخطها بمراسلة موجهة إلى الخارجية، وهنا يجب أن نطرح السؤال على السيد “بوريطة” الذي يقال أنه قطع دابر الفساد وما يزال يكرر في كل إجتماعاته في الوزارة جملته الشهيرة “زيرو طوليرونس مع الفساد”، أليس هذا هو الفساد في حد ذاته؟ وهل أصبح تهميش كفاءات الخارج من أبناء الجالية هو السبيل الوحيد لحل مشاكلها التي تتخبط فيها باستمرار في غياب رؤية واضحة مبنية على أسس ” أهل مكة أدرى بشعابها” ؟.
إن النسيج المغربي المهاجر يزخر بكفاءات كبيرة في كل المجالات سواء السياسية أو الرياضية او الثقافية والذليل على ذلك أن دول الإستقبال دون إستثناء تستفيذ من تجاربهم وتضعهم في مكانهم المناسب لأنها بكل بساطة تعتمد مبدأ الكفاءة وليس الإنتقائية والتوصيات، ولعل صاحب الجلالة كان جد واضح في هذا الموضوع تحديدا وانتظاراته تفوق بكثير تصورات وزارة الخارجية التي ما تزال عاجزة عن القطع مع الماضي واعتماد سياسة جديدة تتناسب وموقع المملكة في العالم.