هبة بريس في حوار خاص مع خبير اقتصادي يحذر من تداعيات التضخم

تفاعلا مع مطالب شريحة واسعة من المجتمع المغربي حول تداعيات ارتفاع الاسعار وآثارها على القدرة الشرائية ومصير الطبقة المتوسطة التي تعتبر صمام الأمان في خلق التوازنات والحفاظ على السلم الاجتماعي، ولمعرفة السيناريوهات المحتملة في علاقتها مع شبح التضخم التي تحاول الحكومة الجالية جاهدة لوقف زحفه، أسئلة وأخرى، حاولت هبة بريس مقاربتها في حوار حصري مع الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الدكتور محمد حيسون الحاصل على دكتوراه الدولة في العلوم الإقتصادية، وأستاذ جامعي بجامعة الحسن الأول سطات، ومستشار سابق بمجلس جهة الدار البيضاء سطات، حول موضوع التضخم الذي يشهده المغرب والعالم حاليا.

أولا وقبل البداية، ماهو مفهوم التضخم الاقتصادي؟

التضخم الاقتصادي أو المالي يعني أساساً ارتفاع المستوى العام للأسعار بشكل مفرط ومستمر –أي غير مؤقت– (يتعدى عتبة 2% كما جاء في القانون الاساسي لبنك المغرب ولمثيله الأوربي وغيرهما) يؤدي الي إضعاف القوة الشرائية لجل المواطنين.
هذا المصطلح بات من أكثر المصطلحات الاقتصادية تداولاً في الآونة الأخيرة مع ما يشده المغرب والعالم من ارتفاع غير مسبوق للأسعار منذ عقود. وفعلاً وحتى وقت قريب، كان يسود شعور بأن العالم استطاع التغلب نهائيا −أو يكاد− على هذا المرض الخبيث الذي ينال من الجسم الاقتصادي والمجتمعي للبلد.
وهكذا، فمثلا في العشرين سنة الأخيرة لم يتجاوز معدل التضخم في المغرب عتبة 2% الا نادراً (خلال سنوات 2002 و 2006 و 2008).
اليوم، بلغ معدل التضخم السنوي في المغرب 8.3٪ في سبتمبر 2022 مقارنة بنفس الشهر من عام 2021 ويمس بخاصة أسعار المواد الغذائية (بنسبة 14.7٪ أكثر بكثير من المنتجات غير الغذائية (4.4٪) وهو ما يشكل خطورة ليس فقط على المستوى الاقتصادي ولكن أيضاً على المستوى الاجتماعي (كالزيادات المهولة في حالات الطلاق وتفكك الأسر…) والسياسي، الخ.

ثانيا في نظركم ماهي أسباب التضخم الحالي؟

التضخم ينتج عن خلل كبير ومستمر في أحد التوازنات الكبرى وهو التوازن بين العرض الكلي والطلب الكلي؛ إما بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج أو تضخيم وسائل الأداء بشكل يفوق حاجيات الاقتصاد الحقيقي (إصدار ضخم للنقود)، أو انخفاض المعروض في الأسواق مقارنة بالطلب (كحالة الجفاف)، أو ارتفاع أسعار الواردات وخاصة الإستراتيجية (كالبترول والغاز)… وقد يجتمع أكثر من سبب في آن معاً كما هو الحال اليوم في المغرب وكثير من دول العالم.
وهكذا، يمكن أن نلخص الحالة المغربية في مجموعة من الأسباب منها ما هو داخلي و منها ما هو خارجي، ومنها :
_ الجفاف الاستثنائي والقاسي الذي ضرب ولايزال المغرب السنة الماضية وهذه السنة؛
_ الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، حيث ارتفعت أسعار الواردات من المنتجات الأساسية والمواد الخام والمحروقات على وجه الخصوص، ما خلف موجة من “التضخم المستورد”…
_ تداعيات جائحة كوفيد-19 وخاصة تعطّل سلاسل التوريد العالمية (بعد إغلاقات كوفيد في الصين مثلاً) والارتباك المتواصل في سلاسل الإنتاج والتوزيع فضلا عن ارتفاع أسعار العديد من الخدمات (كالنقل) سواء على المستوى الوطني أو الدولي…
_ كارتيل توزيع المحروقات وما يستفيد منه من ريع بفعل وزنه الاقتصادي والسياسي (كما أكدت ذلك العديد من التقارير الرسمية وغير الرسمية ومنها تقرير اللجنة البرلمانية وتقرير مجلس المنافسة…)

ثالثا: ما هي أهم الإجراءات لمحاربة التضخم؟

بادئ ذي بدء، لا يمكن الادعاء أن الأمور بهذه البساطة أو أن هناك وصفة سحرية لمعالجة إشكالية التضخم.
أولاً، يجب توفر إرادة سياسية حقيقية وقوية لدى السلطات العمومية (الحكومة من جهة وبنك المغرب من جهة أخرى) للقيام بما يلزم.
فعلا قام بنك المغرب –كما هو معلوم –، وعلى غرار ما قامت به بنوك مركزية أخرى عبر العالم (كالبنك الفيدرالي الأمريكي و البنك المركزي والأوروبي) برفع سعر الفائدة الرئيس بما قدره 50 نقطة أساس إلى 2 بالمائة بهدف الحد من وتيرة ارتفاع طلب القروض وبالتالي المساهمة في كبح جماح التضخم ولكن المشكل هنا أن هذه الزيادة في السعر الأساس يمكن أن تضيق الخناق على الإستثمار وبالتالي النمو ككل.
أما الحكومة، فقد قامت بمجموعة من الإجراءات في هذا الباب، من بينها الزيادة في مخصصات صندوق المقاصة(ليصل إلى 32 مليار) عبر فتح اعتمادات إضافية لدعم أسعار غاز البوتان، واستيراد الحبوب… كما قامت بدعم مهنيي النقل
بدعم استثنائي بأكثر من 2 مليار درهم برسم سنة 2022، بهدف الحفاظ على استقرار تكاليف النقل والتنقل… وتعهدت الحكومة كذلك بإصلاح نظام الضريبة على الدخل للرفع من الدخل الصافي للملزم، إلخ.
كل هذه الإجراءات وغيرها لم تستطع لحد الآن الحد من كوارث التضخم الفاحش الذي نعيشه، وعليه لابد من إجراءات أخرى أكثر جرأة، منها على سبيل المثال لا الحصر :
* العمل على إيجاد منافسة حقيقية وقوية و إدراج آليات لتحديد هوامش الربح المقبولة فيما يخص المواد الإستراتيجية والأساسية وتشديد مراقبة سلاسل التوزيع ومحاربة الريع والإحتكار والمضاربات غير المشروعة بما يخدم الصالح العام وقيمة الاستقرار السياسي والإجتماعي الذي ينعم بها المغرب. للتذكير، فرنسا ودول أوروبية أخرى رفضت طويلاً تطبيق مقتضيات منظمة التجارة العالمية على بعض القطاعات (الزراعة والإنتاج السنيمائي…) معتبرة إياها مجالات سيادية تتعلق بالأمن القومي. بتعبير آخر، الليبرالية لاتعني الفوضى ولا أن يأكل القوي الضعيف.
* تفعيل دور مجلس المنافسة مراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة (طبقا للفصل 166 من الدستور) والعمل على إعطاءه دوراً أكبراً وفعالاً في جزر هذه الممارسات خاصة إذا تعلق الأمر بمواد استراتيجية كالبترول والغاز والمواد الإستهلاكية…
* توفير الدعم المستهدف للفئات الأكثر ضعفا من السكان ولكن دون إفقار الطبقات المتوسطة،
الممارسة الجيدة والناجعة في الانفاق العمومي،
مقاومة ضغوط المؤسسات المالية الدولية وخاصة فيما يتعلق بتسريع تعويم الدرهم…
* إعادة تشغيل مؤسسة “لاسمير” نظرا لما لها من قدرات تكريرية وتخزينية هائلة ونظرا بالتالي لما تمثله من أهمية في ضمان الأمن الطاقي للمغرب.

رابعا ككلمة ختامية، ماهي توقعاتكم حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب؟
إن المغرب اليوم معرض بشدة لمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة تتمثل أساسا في التضخم الركودي (وهي ظاهرة تجمع بين ارتفاع عام ومتواصل للأسعار وارتفاع حاد في البطالة) وفي شبح سنة أخرى من الجفاف الحاد (لا سمح الله)، ما يستدعي تظافر كل الجهود و من جهة الحكومةـ، التواصل الفعال والإرادة والإقدام.

مقالات ذات صلة

‫11 تعليقات

  1. الطبقة الفقيرة والمتوسطة اكثر تضررا في ارتفاع الاسعار الذي شهدها العالم والمغرب خصوصا ..

  2. على الحكومة أن تجد حلا استعجالي لهذا الزحف الخطير الذي يشهده المغرب من تضخم في جميع المواد والمنتجات..

  3. إرتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات تسبب في تراجع كبير للقدرة الشرائية للمواطنين..

  4. التضخم من اصعب الامور ان تسقط فيه الدولة فهو الموت البطيء للاقتصاد وانعدام التوازن المالي والاجتماعي..

  5. ومادا عن الزيارة الأخيرة للبنك الدولي واملاءاته عفوا أوامره في ضرب مستقبل الشباب بغرض التعاقد على جميع الأصعدة ويرفع اليد عن الصحة والتعليم وووووو
    هاد شي صعيب عليكم ماتقدروش تقربو ليه باراك من النفاق وكترت الكلام الفارغ قولو الناس كيف دايرة القاضية وباراكا من التمتيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى