هل يمكن لوزارة الداخلية أن تقوم بتمليك الأراضي الجماعية للجماعات السلالية؟
لقد رفع الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية ل 12 أكتوبر 2018 السقف عاليا بالنسبة للمسؤولين على تدبير شؤون أراضي الجماعات السلالية حينما دعا إلى توسيع قاعدة تمليك الأراضي الجماعية الفلاحية لتشمل بالإضافة إلى الأراضي الواقعة داخل دوائر السقي بعض الأراضي البورية و ذلك لفائدة ذوي الحقوق أفراد هذه الجماعات.
فالخطاب الملكي السامي بتأكيده على ضرورة العمل على انبتاق طبقة وسطى في العالم القروي جعل من تمليك هذه الأراضي لأفراد الجماعات السلالية بوابتهم للولوج إلى العقار ذي الطابع الفلاحي و ما يترتب على ذلك من تمكنهم من الإستثمار في الأراضي التي يستغلونها و من الإستفادة من الخدمات و القروض البنكية و المساعدات التي توفرها الدولة في إطار المخطط الأخضر.
و تشكل الدعوة الملكية بتمليك هذه الأراضي لفائدة ذوي الحقوق امتدادا لتعليماته السامية التي تضمنتها الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية المنظمة في الصخيرات في 8 دجنبر 2015. هذه الرسالة التي حملت خلال تلك المناظرة الخلاص لذوي الحقوق أفراد الجماعات السلالية الواقعة داخل دوائر الري و التي يتم تسييرها وفق ظهير 25 يوليوز 1969 : المؤسس للملكية في الأراضي الجماعية داخل دوائر السقي و ذلك بتمكينهم من الحصول بالمجان على رسوم عقارية للأراضي الفلاحية التي يستغلونها .
فما هي الشروط التي قد تمكن وزارة الداخلية بوصفها الوصية على أراضي الجماعات السلالية من بلوغ مبتغى تمليك الأراضي الفلاحية البورية لذوي الحقوق في ظل وضع عام يتميز بوجود نظام قانوي متقادم يعود إلى عهد الحماية (ظهير 27 أبريل 1919 ) و الضغط المتزايد على الأراضي الجماعية و خاصة تلك المستغلة في إطار الأنشطة الفلاحية و الوضعية الهشة لذوي الحقوق و تقادم أنماط الإستغلال و تجاوزها و صغر حجم المساحات المستغلة و تنامي ظاهرة الحيازة الفعلية لهذه الأراضي من طرف مستغليها و وجود مجموعة من المعاملات العقارية غير القانونية التي لا تتماشى و النظام القانوني لهذه الأراضي.
إن نجاح أي مشروع لتمليك الأراضي الجماعية لفائدة ذوي الحقوق يجب أن يأخد بعين الإعتبار الجوانب التالية:
الجانب القانوني:
إن تمليك الأراضي الفلاحية البورية لفائدة أفراد الجماعات السلالية يتطلب المرور إلى السرعة القصوى قصد العمل على إخراج نص قانوني جديد خاص بتدبير الأراضي الجماعية لتعويض الإطار القانوني الحالي المثمثل في ظهير 27 أبريل 1919 الذي أصبح متجاوزا حسب أراء كل المختصين الأكاديميين و الفاعلين في المجال العقاري. و هذا الإصلاح القانوني الذي طال انتظاره يجب أن يتضمن كل الآليات التي تمكن من تعبئة العقار المملوك من طرف الجماعات السلالية من جهة لفائدة الإستثمار و من جهة أخرى لفائدة مالكيه من ذوي الحقوق، و ذلك حتى ينتقل هؤلاء الأفراد من الإستفادة المشروطة من حق الإنتفاع حسب الأعراف التي تختلف من منطقة إلى أخرى إلى الملكية التامة لهذه الأراضي و حرية التصرف فيها دون الحاجة للرجوع إلى أجهزة “الوصاية”.
كما أن هذا الإصلاح القانوني يجب ان يستحضر كل الهفوات التي تجربة لظهير 1969 المنظم للأراضي الجماعية الواقعة داخل دوائر السقي و الذي لم يكتب له أن يمكن ذوي الحقوق من تملك الأراضي التي يستغلونها إلا بعد التدخل الملكي السامي الذي أقر مجانية التحفيظ لفائدة ذوي الحقوق.
الجانب العقاري:
إن ضبط المدبرين لشؤون أملاك الجماعات السلالية لهذا النظام العقاري المعقد يبقى البوابة الكبرى للتمكن من إنجاح الورش الملكي الخاص بتمليك الأراضي الفلاحية الجماعية البورية لفائدة ذوي الحقوق. و لن يتأتى ذلك سوى بتحفيظ كل الأراضي الجماعية الفلاحية و استخراج الرسوم العقارية الخاصة بها لوقف أطماع كل المتربصين بهذه الأراضي ذات القيمة الفلاحية العالية و تحصينها من أنواع الإعتداءات المادية و إعطائها القيمة الحقيقية التي تستحقها وسط الأنظمة العقارية الأخرى.
كما أن عملية تمليك هذه الأراضي لفائدة ذوي الحقوق يحب أن تراعي خلال عمليات التجزئة و التقسيم احترام الشروط الموضوعية في مساحة الأراضي الصالحة للإستثمار الفلاحي و البحث عن بعض الحلول البديلة لتفادي التجزئة المفرطة كما أشار إلى ذلك صاحب الجلالة.
الجانب البشري:
يشكل ضبط و إحصاء ذوي الحقوق أفراد الجماعات السلالية المعادلة الصعبة في ورش تمليك هذه الأراضي الجماعية. لأن تحسين ظروف العيش و الإستقرار بالعالم القروي يبقى الهاجس الأكبر من وراء هذه العملية. لذا فإن الإحصاء الشامل و المضبوط لذوي الحقوق المستغلين الفعليين للأراضي يمثل الآلية المثلى للضرب على أيدي كل المتلاعبين بمصير أبناء الجماعات السلالية. لأن الشرط الأول الذي يجب أن يحكم إستفادة هؤلاء الأفراد من الحق في امتلاك هذه الأراضي يجب أن يكون هو الإستغلال و ذلك لتحقيق غاية استقرارهم و خصوصا الفئات الشابة منهم بالوسط القروي و تحسين مستواهم الإقتصادي و الإجتماعي بما يمكنهم من الحصول على شروط العيش الكريم .