مرة أخرى .. “أمنيستي” تصطاد في الماء العكر

خرجت منظمة العفو الدولية “أمنيستي” – فرع المغرب ببيان يوم 7 شتنبر 2018 عقب الأحداث التي عرفها السياج الحدودي لمدينة سبتة بعد اقتحامه من قبل مجموعة من المهاجرين من جنوب الصحراء، والتداعيات التي افرزتها إعادة ترحيلهم من قبل السلطات الإسبانية نحو المغرب، غير أن بيان أمنيستي سقط في عدة مغالطات وتناقضات لا يمكنها أن تصمد طويلا أمام الحقائق والإنجازات التي راكمها المغرب في مجال الهجرة والتي تشهد بها المنظمات الدولية النزيهة التي لم تكن يوما أدوات لتمرير أجندات سياسية هدامة للأوطان لصالح جهات معلومة.

ومن عجائب بيان أمنيستي كونه أشبه ما يكون بتردد الصدى لبيانات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي تكرر ذكرها في البيان عدة مرات كمصدر ارتكزت عليه أمنيستي لتدبيج بيانها بكم كبير من الافتراءات والوقائع الافتراضية المشبعة بأحكام القيمة، التي حاول من أخرج فصولها الدرامية جعلها تتطابق حد التناسخ مع فصول القوانين المغربية لإظهار المغرب بصورة نمطية كبلد لا يحترم قوانينه الوطنية والتزاماته الدولية، حيث ركز المخرج بالأساس على “حالات” تتكون من نساء وأطفال واقتحام البيوت في أوقات مخالفة للقانون، هذه النماذج بالذات هي التي شدد المشرع المغربي على ضرورة حمايتها، مع إضافة فصل آخر لكنه تميز بالرداءة المفرطة حد الغثيان باعتماده على شريط فيديو عنونته أمنيستي بكونه عنفا ضد المهاجرين غير الشرعيين المحتجين خلال الوقفة التي نظموها أمام قنصلية إسبانيا بطنجة، في حين أن كل مشاهد يملك الحد الأدنى من البصر أو بأدق القول البصيرة المتجردة من كل نزوعات كيدية سيرى فيه فضا عاديا لتجمع غير مرخص له وفق ما ينص عليه القانون، ويحدث مثله يوميا في أرقى ديمقراطيات العالم بدون تسجيل ولو إصابة واحدة، عكس الصورة التي حاولت أمنيستي رسمها للمغرب عبر بيانها كونه بلدا قد يتعرض فيه المهاجرون للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، هذه الصورة التي لا تجد لها من سند غير استنادها على ادعاءات قرينتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والتي سقطت كعادتها هي الأخرى في تناقض كبير في هذا الملف كما في ملفات أخرى، حيث صرح رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور لجريدة libération بتاريخ 9 شتنبر 2018 بعنوان « Le traffic des êtres humains se porte bien à Nador » بكون الجمعية تلقت إفادات كثيرة على لسان المهاجرين المستقرين بالمخيمات المحيطة بالناظور تؤكد سقوط أغلبهم ضحية الشبكات المنظمة للإتجار بالبشر، في حين نجد نفس الجمعية تستنكر تدخل السلطات المغربية لتجفيف هذه البؤر من الممارسات اللاقانونية واللإنسانية التي قد تجعل من المغرب في حالة التغاضي عنها قاعدة لهاته العصابات المنظمة، حيث أفاد عرض وزير الداخلية وإفادة وزير الخارجية في موضوع الهجرة السرية أمام المجلس الحكومي عن 84 شبكة إجرامية تنشط في مجال التهريب والإتجار بالبشر وإحباط أزيد من 54000 محاولة للهجرة غير الشرعية وحجز أزيد من 1900 آلية تستعمل في مجال تهريب البشر…

ويجدر في هذا النطاق أيضا التذكير بإطلاق المغرب لعمليتين لتسوية الوضعية القانونية والإدارية للمهاجرين غير الشرعيين خلال سنتي 2014 و2017 أسفرت عن تسوية ما يناهز 50000 مواطن أجنبي يمثل المهاجرون القادمون من جنوب الصحراء أكثر من 90٪ منهم، وقد حاول بيان أمنيستي تسفيه هذه الإنجازات عبر القول باعتقال السلطات لبعض المهاجرين القانونيين أيضا ممن كانوا متواجدين بتلك المخيمات، وهنا نتساءل عن الغاية من تواجد هؤلاء في مكان مشبوه قد يجعلهم ضحايا بدورهم للشبكات الإجرامية، علما أن أغلب من تمت تسوية وضعيتهم القانونية مستقرون داخل المدن ومنهم نماذج ناجحة مهنيا واجتماعيا وصلت لحد الاندماج الكامل داخل المجتمع المغربي عبر الزواج، وهنا وجبت الإشارة بأن القانون الجنائي المغربي في فصله 326 يجرم التشرد ويعرض صاحبه للعقوبة.

وبالعودة للحالات التي قالت أمنيستي أنها رحلت لمناطق “نائية” وذكرت منها (مراكش، بني ملال، الرشيدية، القنيطرة، تيزنيت…) والتي أسموها بجنوب المغرب، تجعلنا نتساءل مع كاتب البيان عن مدى إلمامه بخريطة المغرب وحدوده، حيث أن تلك المناطق تقع وسط المغرب بالإضافة لكونها عواصم جهات أو تبعد عنها ببضع كليومترات.

ومن باب المقارنة العادلة وجب التذكير بأن أغلب دول الاتحاد الأوروبي تتعامل مع هكذا حالات بتوقيف المهاجرين غير الشرعيين في مراكز إيواء وتمنعهم حتى من حق التنقل، أما جارتنا الشرقية فيعاني فيها المهاجرون من أخطار كبيرة بحيث يتم رميهم على الحدود مع بلدان تنشط فيها الجماعات الإرهابية أو على الحدود المغربية بالصحراء.

وفي الأخير، نتساءل مع أصحاب البيان ومن معهم ما ظهر منهم وما بطن، أليس من أخلاقيات العمل الحقوقي النزيه أن تنوعوا من مصادر معلوماتكم، ومن بينها التوجه بالسؤال للسلطات الرسمية أو مجرد الإحالة على رأيها في الموضوع؟ كما هو الحال لبيان المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي نفى تسجيل أي انتهاك للحقوق الأساسية للمهاجرين المرحلين، بدل الاقتصار والركون لموقف جمعية حقوقية معروف التيار الإيديولوجي الذي يؤطرها والذي جعلها اليوم تجعل من ملف الهجرة غير الشرعية حصان طروادة للوصول لأهداف أخرى يعلمها كل متتبع لمسارها ولو كان ذلك على حساب الأخلاق والنزاهة التي يفترض أن تكون عنوانا لأي عمل حقوقي جاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى