زلزالنا الذي لن يقيسه ميزان ريشتر…

نتجرع المصيبة رويدا، ندرك أن الزلازل ماكرة غادرة متوحشة لا تخلف وراءها غير الآهات والأوجاع والمصائب والأحزان، لا تأتي إلا بغتة مرفقة بالموت والدماء والدمار…
ذلك هو الزلزال كظاهرة طبيعية تنتج عن اهتزاز الصفائح الصخرية تنم عن تدافع واصطدام في جوف الأرض…
أما زلزالنا الذي سيظل يطاردنا فهو ان يسكن إخوان لنا وسط ركام من الأوحال الجافة، المسنودة بأعمدة واهية، مسقفة بقش مطلي بطين، على الجبال غير الراسية، في عزلة عن العالم، حتى إذا زلزلت الأرض تهاوى المتهاوي وبات ركاما فوق الرؤوس، وصعب الوصول الى الجثامين لانتشالها ودفنها..
زلزال الله كشف عورتنا بأن مغربا ومغاربة هناك، في رقعة من المغرب لعلها خارج خريطة كل تنمية، هناك في عزلة بلا طرقات ولا مدارس ولا مستشفيات، و بلا مساكن تحفظ لهم كرامتهم، حتى زلزلتنا صور الردم التي لا توحي أن تحتها مواطن في القرن 21، و ينتمي لدولة تطمح لريادة قارية…
فرطنا فيهم حين تركناهم هناك في منحدر الجبال يحفرونه ليتخذوا منه أوكارا ينشؤون فيها أسرا، وتفرجنا على أكواخهم وجعلناها زينة تجلب السياح وتروق العين وتخلصنا من كآبة زحمة المدن ونحن نتفرج عليها من فوق الجبل في كل عطلة، ولم نقو على دعمهم في تسوية المرتفع وتطويع الجبل، وبناء قبر حياة يليق بكرامتهم، حتى يسكنوا سكنا لائقا، ولم نشق لهم طريقا، ولم نوفر لهم شيئا…
على مقياس ريشتر كانت الهزة عنيفة، لكن الأعنف هو ما كشفته الهزة، وهذا لا يقوى ميزان ريشتر على قياسه، أناس طيبون مسالمون مؤمنون مخلصون صادقون في العيش، يواجهون غزوة الحر وغزوة القر، وقساوة الجغرافية، وشدة الزمن، ولا عهد لهم بوحش في عنف وجبروت الزلزال الذي أخذهم على حين غرة ففتك بهم فتكا…
هو زلزالنا الذي لن ننساه، ليس لأنه أفزعنا في تلك الليلة المشؤومة، وهرعنا لا نطلب من متاع الدنيا غير الإبقاء علينا أحياء، بل لأنه إضافة إلى ذلك أخذ منا إخوة بالآلاف وجدهم لقمة سائغة على الجبل الذي ضرب تحته، ثم أرانا وجهنا على حقيقته في المرآة العاكسة..
عندما تطلع “الدرون” وتلتقط صور الأنقاض لبيوت تلك الدواوير، حري برئيس تلك الجماعة ومستشاريها وعامل الإقليم أو العمالة والوالي وكل رجال الدولة هناك، أن تحمر وجوههم خجلا من الله ومن التاريخ ومن لعنة أرواح الضحايا ومن أوجاع الجرحى، أين كنتم؟ ليس لمنع الزلزال لكن لشق الطرق وإنفاذ قوانين التعمير التي لا تستثني أحدا…كم لدينا من قرية وجماعة لازال أهلها يبنون بيوتا من الطين والعود والقش في منحدر الجبل؟ وما عسى هذا البيت أن يتحمل من درجات ريشتر وقد أرهقته عوامل الزمن وهو المرهق من أساساته؟ وهل كان من ضرورة إبقاء تلك الدواوير على حالها؟ وكيف جرى تزويدهم بالكهرباء وهم يحييون في ما يشبه الغيران؟…
إنها ارتدادات زلزالنا التي سترج قلوبنا وعيوننا ونفوسنا رجا، كلما أبصرنا نيعقوب و مولاي ابراهيم واجوكاك وإمزميز وأغبار وأزكور وغيرها من الدواوير والجماعات…
رحمكم الله أيها الأشراف الأفاضل، سنبقى أسرى أسفنا على خذلانكم…

مقالات ذات صلة

‫17 تعليقات

  1. للأسف…السلطات في واد والمواطنين الضعفاء في واد آخر…قائد آسني باقليم الحوز تطاول على مواطن وشتمه وهدده بالسجن في عز أزمة الزلزال الدي ضرب المنطقة لا لشيء سوى أن المواطن لم تراه طريقة تعامل هذا الندل معه.

  2. انا لله و انا اايه راجعون. لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم. سيحاسب المسؤولون حسابا عسيرا. همهم الوحيد جمع الثروات و المناصب لا يدرون ان كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام. و لا احد منهم تطوع براتبه.

  3. لا يجب الركوب على الموجة الواجب الاول هو على الاقل الدعاء والتضرع الى الله سبحانه وتعالى ان يرفع عنا غضبه ويرحم امواتنا ويشفي جرحانا اما الكلام في هذا ليس هذا وقته

  4. لا حول ولا قوة الا بالله وحسبي الله ونعم الوكيل السيد الكاتب هل هذا وقت هذا التنكر العالم كل والدول المتقدمة تعرف مثل هذه الحلات وهذا النوع من السكن. لكن السؤال هو ماذا قدم السيد الكاتب المقال لسكان المنطقة المنكوبة.

    1
    2
  5. افضل و اصدق ما قرأت منذ حدوث الزلزال.ما أحوجنا لزلزال يعصف هذه المرة بكل المسؤولين القابعين في مكاتبهم المكيفة تاركين اناسا طيببن لقمة سائغة للفقر و المرض و القر و الحر.لا نريد ان يستمر جزءا منسيا في بلادنا كلنا سواسية امام القانون و يجب ان نكون سولسية في خيرات البلاد لنتقاسم حلوها و مرها هذا هو المغرب الذي نأمن به و نريده لأبناءنا و مستعدون للدفاع عن كل شبر منه اما و الحال على هذه الشاكلة فيحق لنا ام نطرح سؤالا عن تامغرابيت ديالنا.

  6. مقال يستحق القراءة ويكشف مآسي الناس الشرفاء الطيبين الطاهرين والذين لا يعتمدون على الدولة في شيء وتهتم بهم فقط أثناء الانتخابات لك الله ياوطن

    2
    1
  7. احلا مقال قراته في حياتي وبالخصوص في هدا الموضوع لك الحق في كل ما تقدمة به من كتابة في هده الفاجعة جزاك الله خير را اوستادي الفادل محمد الشمسي رحمة الله عليهم جميعا

  8. فعلا كل من هو مسؤول عن هؤلاء الدين منهم الكتير يعيشون في وضعيات صعبة ولا يجدون يد المساعدة سيحاسبنا علا دالك امام الله

  9. هناك دول لها شعوب تعيش في الجبال ولاكن لها ماء وكهرباء وطرقات ومنازل وللاسف مغربنا يعتبر من الدول المتقدمة ولازلنا نسمع بي بعض القرا تعيش بلا طرقات ولاماء ولاماوى

  10. هذه هي الحقيقة المرة الله يهدي الجميع وخصوصا المسؤولين و المنتخبين لفك العزلة عن اخواننا في كل مكان وتنمية المغرب بكل مكوناته

  11. شكرا لك لقد اصبت موضع الخلل كارثة طبيعية عرت عوراتنا امام العالم وامام انفسنا اللهم تقبل موتانا وتجاوز عنا

  12. هناك قبائل تسكن قمم الجبال و تراهم مكونين من عدد قليل من الأسر. هل ستبني لهم الدولة مدرسة و مستشفى و خزان للماء ومحطة لتوليد الكهرباء… حتى أغنى الدول لاتستطيع ذلك. المشاريع التنموية باهضة الكلفة ولا تقيمها الدول الا في التجمعات السكنية الكبيرة شيئا ما لاسترجاع التكاليف و لو نسبيا. هم فعلا اختاروا العزلة مجبرين ولكن ما الحل؟ لن يقبلوا بترحيلهم قسرا لأماكن التنمية. العملية جد معقدة. تحليلك هذا خاطئ مائة بالمائة وكما يقال بعد الحادث الكل يصبح عاقلا أو ناصحا. Après l’accident, tout le monde devient sage.

  13. ان لله وإن إليه راجعون… نعم هذا هو المغرب المنسي نسأل الله العظيم ان يفرج همومهم واحزانهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى