الثامن من مارس : أزمة كورونا والجفاف يعمقان جراح العاملات الفلاحيات

ع اللطيف بركة : هبة بريس

يشكل الثامن من مارس اليوم العالمي الذي خصصته الأمم المتحدة لمواصلة دعم قضايا النساء والمساواة والحقوق، بعد قرن ونصف على خروج عاملات أميركيات للتظاهر، سنة 1857، احتجاجا على وضعيتهن وعلى عدم المساواة في الأجور وساعات العمل. انتقل الاحتجاج من نيويورك إلى عدد من العواصم الأوروبية تدريجيا خلال سنوات طويلة قبل أن تقرر منظمة الأمم المتحدة سنة 1977 أن يبدأ تخليد هذا التاريخ لترسيخ مطالب المساواة بين النساء والرجال.

– عاملات فلاحيات لا يحتفين بعيدهن الاممي

“مناضلات مجهولات” هكذا يصفهم بعض الحقوقيين، يشتغلن في ظروف صعبة ويتم نقلهن في أوضاع غير إنسانية، يشتغلن لساعات طوال تحت أشعة الشمس الحارقة او في برودة طقس شديدة، من أجل كسب قوتهن بعرق جبينهن، لتأمين مصاريف بيوتهن، فضلا عن دفع تكاليف تربية وتدريس أبنائهن، هذا علاوة على الخدمات الجليلة التي يقدمنها للمجتمع من خلال مساهمتهن في الإنتاج الغذائي.

– حقوق لم تتحقق

من المعلوم أن جل المناطق الفلاحية في المغرب، تعرف بشكل سنوي توافد نساء اغلبهن فتيات من المدن او الحواضر الى الاقاليم التي تعرف النشاط الزراعي او تتواجد بها معامل للتلفيف، قصد العمل، منهن من يستأجرن بيوتا للسكن في الضواحي الواقعة على مقربة من الضيعات الفلاحيات، وبعضهن يقمن مع أسرهن بالبوادي او في بعض المدن القريبة من مقر عملهن ، وبعضهن إن حالفهن الحظ، يوفر لهن أرباب العمل سكنا داخل الضيعات الفلاحية، فيصادف بعضهن سكناً مبنياً بالطين والقش ومغطى بسقف من خرق بلاستيكية، وتنعدم به شبكة الصرف الصحي. لذا فغالبيتهن يفضلن السكن في أحزمة الفقر التي تحيط بالمعامل والضيعات، بالمدن والأرياف.

اغلبهن يتم حرمانهن من الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي ، وبالتالي يتم إقصائهن من التغطية الصحية والتعويضات العائلية حوادث الشغل ولا يمنحهن مشغليهن أي وثيقة تثبت صلتهن بملاك الضيعات الفلاحية.

اغلب الهيئات النقابية تطالب بضرورة تعميم التصريح بالعمل، لكن جل المطالب لازالت معلقة وان اغلبهن بنسبة 80 في المائة لا يصرح بهن الاجراء لدى صندوق الضمان الاجتماعي.

– مشهد يومي لواقع مرير

تعد أقاليم ( تارودانت و اشتوكة ايت باها وبركان ) أهم مناطق المملكة استقطابا للعاملات الفلاحيات لوجود ضيعات ومحطات للتلفيف .

كل صباح باكر تجد ثلة من النساء على شكل مجموعات، وجوههن محجبة بمناديل وينتعلن أحذية مصنوعة من البلاستيك، في انتظار سيارات وشاحنات لنقلهم إلى الضيعات الفلاحية، للعمل منذ ساعات الصباح الأولى حتى غروب الشمس احيانا.

وسائل نقل العاملات الزراعيات ليست آمنة وهي غير نظيفة، لأنها مخصصة في الأصل لنقل المواشي، وقد تكون عبارة عن عربة جرار حيث شروط السلامة الطرقية منعدمة.

أثناء التوقف المتكررة للشاحنات والسيارات وعربات الجرار، تتعرض العاملات الزراعيات للسقوط، وتصبن بجروح وكسور أحيانا، وتلقين مصرعهن أثناء حوادث السير الخطيرة والمميتة أحياناً آخر.

– رجال بالبيوت والمقاهي ونساء بالضيعات

بعد جائحة كورونا وتأثيرها على الوضع الاقتصادي وما تلاها من أزمة الجفاف ، كل ذلك عمق من مظاهر اجتماعية تخللت الاسرة المغربية قبل الازمات ، هو ما أصبح عليه بعض الذكور الذين تعيلهم العاملات الزراعيات، بعد ان يفرضوا عليهن التوجه إلى الضيعات للعمل على الرغم من مرضهن وعجزهن، ويطلبون منهن أن يعطوهم ما جنوه من مال، ومع ذلك يتعرضن للعنف.

أما الذكور فيكتفون بالجلوس في المقاهي للعب الورق والثرثرة والتدخين ومتابعة المباريات الكروية.

أثناء جني المحصول الزراعي الوافر، يفرض رب العمل على العاملات العمل أيام العطل والمناسبات ويحرمهن من العطل الأسبوعية. يصادف يوم العطلة يوم السوق الأسبوعي.

وهناك عاملات كادحات يرفضن الحصول على يوم عطلة أو راحة، ويفضلن العمل بدل الراحة، وفي حالة فرض عليهن رب العمل التوقف عن العمل للراحة، فإنهن يولون وجوههن صوب ضيعة أخرى للعمل بها والحصول على أجرة يوم عمل.

تخضع العاملات لسلطة “الكابران” أو “الكابرانة” التي يعتمد عليها أرباب الضيعات لضمان حسن عمل العاملات الزراعيات. تتجسد مهمتها في مراقبة العاملات وتسجيل غياب الرسميات منهن، وتوقيت حضورهن وتدوين ملاحظات على أدائهن وتوقيت خروجهن. يكون أجر شخصية “الكابران” مرتفعاً بعدة دراهم عن العاملات الزراعيات.

و تبلغ الاجرة الشهرية لأغلب عمال قطاع الصناعة 2500 درهما بعد خصم اقتطاعات التقاعد والتغطية الصحية الشهرية المقدرة شهريا، بينما يبلغ الأجر الصافي الشهري في قطاع الفلاحة 1691 درهما، بعد خصم اشتراكات التقاعد والتغطية الصحية الشهرية المقدرة بـ 122 درهما بالنسبة للمسجلين في الصندوق على قلتهم .

دراسة ميدانية سابقة أنجزتها “جمعية نساء الجنوب” تكشف أن العاملات الزراعيات بسوس يتعرضن لمختلف أصناف العنف اللفظي والجسدي، وكذا التحرش الجنسي الذي ينتهي بالاغتصاب في أماكن العمل.

– معاناة مستمرة ومطالب معلقة

تتلقى العاملات الزراعيات أجرا أقل من أجر العمال الزراعيين ، وتطرد كل عاملة زراعية مباشرة بعد ظهور علامات الحمل عليها، او إعلانها عن ذلك ، وتحرمن من الاستفادة من فترة الأمومة.

العاملات زراعيات يطالبن إلى ضرورة تدخل الدولة لإلغاء التمييز في الأجور ضدهن وإلى الزيادة فيها و تطبيق مدونة الشغل وتفعيلها ، وقيام مفتشية الشغل بعملها على أكمل وجه من خلال المراقبة المستمرة لأرباب الضيعات الفلاحية، و فرض التصريح بالعاملات الزراعيات في صناديق الحماية الاجتماعية وضمان التأمين على حوادث الشغل والتقاعد للعاملات الزراعيات. وفرض عقوبات زجرية صارمة على أرباب الضيعات الذين ينتهكون حقوق العاملات. وللإشارة فإن أغلب المعارك العمالية في المدن والاقاليم ذات النشاط الفلاحي مرتبط ترفع شعارات تطالب بعدم هضم حقوق العاملات الزراعيات.

وكانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” في اخر تقاريرها السنوية، قد طالبت بضمان الحرية النقابية والحماية القانونية والاجتماعية للعاملات، خاصة في القطاع الهش وغير المهيكل كالعاملات الزراعيات وعاملات البيوت، وإلى تجريم كل أشكال التضييق والعنف والتحرش في أماكن العمل، وإلى إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يكرس اعتقال النساء العاملات، وإلى فك الحصار عن مشروع القانون المتعلق بمناهضة كل أشكال العنف ضد النساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى