حملة لفتيت لتحرير الملك العام .. التوقيت والأهداف
باشرت وزارة الداخلية بمختلف المدن المغربية ، حملة واسعة لتحرير الملك العمومي من الباعة الجائلين ” العربات المجرورة” او من ” الفراشة”، وتم تحرير جل الساحات والشوارع من ” المعرقلين” باستعمال القوة العمومية.
– توقيت الحملة
يرى مراقبون أن الحملة التي دشنتها السلطات المحلية، جاءت في ظروف صعبة جدا يعيشها المواطن المغربي بشكل عام ، غياب فرص الشغل، وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، والزيادات في الاسعار، وهو طبعا إنعكاس على طريقة معيشة المواطن، وعملية بحثه عن أسعار مناسبة بعد لجوءه ل ” السويقة” من أجل شراء مستلزماته المنزلية.
هذه الوضعية دفعت الى انتشار الباعة ” الجائلين” بالاحياء الهامشية، فتوسع النطاق للسيطرة على مناطق حيوية، فلولا المواطنين واختيارهم لتلك الأمكنة، لما كان الباعة الجائلين، زاد من حدة الظاهرة غياب فرص الشغل، او اماكن مجهزة لهؤلاء لممارسة تجارتهم في ظروف جيدة .
اليوم بعد حملة الفتيت ” القوية” ورغم فراغ الشوارع والساحات من هؤلاء، يطرح السؤال العريض أين سيتوجه هؤلاء بعد توقف تجارتهم؟؟؟.
من المتعارف عليه أن هناك فئة من الباعة الجائلين، من دوي السوابق القضائية، بعد إرتكابهم لجرأئم او جنح ، لكن بعد مغادرتهم اسوار السجون، أغلبهم يلتجؤون الى البيع في الشوارع، بل أن حتى مبادرات للدولة مع هؤلاء متعلقة بتسليمهم عربات ذات محرك من أجل مزاولة مهنة التجارة واندماجهم من جديد في المجتمع، ومن هنا نرى ان الدولة تساهم من جهة في دعم هؤلاء لممارسة البيع بالنجوال، في نفس الوقت تحارب الظاهرة.
لذلك تكون حملة الفتيت وتوقيتها، جد صعبة على هؤلاء الفئة خصوصا في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تعيشها البلاد، فقد مرت الحملة ولم يعقبها أي تحرك من أجل معالجة وضعية هؤلاء التجار الجائلين، وهو ما يظهر هنا وهناك حوادث، بسبب سوء الاحوال الاجتماعية.
– أهداف الحملة
من الطبيعي جدا، أن أغلبية المغاربة، يستحسنون هذه الحملات، لأنها تحرر الملك العمومي، لكن من جهة أخرى، هناك من يرى البعد الاجتماعي لهذه الفئة، لأن الظاهرة كانت تمتص البطالة ، وأن الحملات لن تكون الحل في فك هذا الاشكال الاجتماعي، لأن برامج الحكومة غير كافية، كما أن مبادرات المجالس المنتخبة في عز هذه الأزمة الاقتصادية، لم تبرمج أي مبادرات محلية في هذا السياق، من أجل خلق فضاءات تجارية أو امتصاص البطالة عن طريق بطاىق الإنعاش للمعطلين بتلك المدن، او خلق مشاريع لهذه الفئة.
البعض يرى أن حملة وزارة الداخلية لتحرير الملك العمومي، لم تكن في وقتها المناسب ومن المرتقب أن تنعكس سلبا على الوضع الاجتماعي، وستظهر لا محالة توثرات هنا وهناك، لان المسألة مرتبطة بتوفير المعيشة لفئة عريضة من المجتمع.
فكم من مرة شهدت المدن حوادث صادمة، اغلبها مرتبطة بالباعة الجائلين، هناك من يضرم النار في جسده، والبعض يلتجأ الى افعال اجرامية ” الكريساج” او ” السرقة” في حين يفضل البعض في ظل الوضع الاجتماعي المتأزم الى وضع حد لحياته عبر الانتحار التي ارتفعت وثيرته بشكل مخيف خلال فترة جائحة كورونا او بعدها.
وتعليقا على هذا الموضوع، أكد عبد الله الفرياضي، الباحث في السياسات العمومية، أن القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية بشأن تحرير الملك العمومي، يعتبر إجراء جوهريا وضروريا على عدة مستويات، لا سيما من حيث تأثيره الإيجابي على جمالية الفضاءات العمومية، أو من حيث تحقيقه للإنصاف المطلوب من قبل أرباب العمل القانونيين الذين ينعشون الوعاء الضريبي للدولة، في مقابل أصحاب المهن العشوائية غير الخاضعة للتضريب.
غير أنه استدرك أن نجاعة وحكامة أية إجراءات حكومية ميدانية، تظل مشروطة بمدى استحضار الحكومة للوضعية الاقتصادية المأزومة، التي يمر بها المغرب خلال الفترة الراهنة. فالحكومة في ظل وضعية الاحتقان الاجتماعي التي أفرزتها أزمة كورونا، وتوالي سنوات الجفاف، وموجة غلاء الأسعار، يردف الفرياضي، مدعوة إلى التفكير الجدي في إعطاء الأولوية للإجراءات التي تخدم تعزيز السلم الاجتماعي، خصوصا وأنها لم تصاحب هذا الإجراء الإداري بإجراءات اقتصادية ناجعة تحمل في جوهرها بدائل حقيقية لأصحاب المهن غير المقننة، التي يلجأ أصحابها إلى احتلال الملك العمومي.
– مطالب أرباب المقاهي و المطاعم
في أول رد فعل لهم ، على الحملة الوطنية لتحرير الملك العمومي والتي دشنتها وزارة الداخلية، مؤخرا , بعدد من مدن و أقاليم المملكة، والتي وصفت بحملات عشوائية لبعض رجال السلطة المحلية إستهدفت المقاهي و المطاعم ، عقد المكتب الوطني للجمعية الوطنية لأرباب المقاهي و المطاعم بالمغرب اجتماعا طارئا له يوم أمس السبت 22 أكتوبر بمدينة القنيطرة ، لمناقشة الوضع الراهن، عبر هؤلاء في بيان لهم تتوفر ” هبة بريس” على نسخ منه – عبروا _ عن
رفضهم التام للطريقة المبتدلة و الغير الناجعة و المهينة للمستثمرين في القطاع التي تشن بها السلطات المحلية حملتها على المقاهي و المطاعم بعد كل حركة انتقالية لرجال السلطة ، كما اعتبروها على أنها ليست حملات تنظيم الملك العام بل حملات إذلال للمستثمرين المغاربة أمام عدسات الكاميرات و عبر المباشر ، معتبرين أنها تضرب عرض الحائط التوجيهات السامية لجلالة الملك لتشجيع الاستثمار والحفاظ على مناصب الشغل.
كما أكد المكتب الوطني في البيان نفسه على أن هاته الحملات ما هي إلا حركات إلهاء و التغطية عن الارتفاع المهول للأسعار في كل المواد الأساسية ، معتبرين أن تنظيم الملك العام كان دائما و لازال مطلبا وطنيا للجمعية الوطنية لأرباب المقاهي و الماعم بالمغرب ، وقدم فيه المكتب الوطني مقترحات ناجعة تضمن انسيابية المرور و تضمن الحق في الاستغلال الاقتصادي و تضمن موارد مهمة للجماعة .
واستنكر المكتب الوطني بشكل شديد ما وصفه بالهجمة الشرسة التي يقودها بعض رجال السلطة المحلية و بعض رؤساء الجماعات على قطاع منهك لم يتعافى بعد من آثار القرارات الحكومية المتعلقة بالجائحة و في الوقت الذي كان ينتظر فيه المستثمرون تدخلا فوريا لمساعدة و إنقاذ القاطع و إنقاذ العاملين فيه .
كما عبر المكتب الوطني عن استغرابه الشديد لوجود وزارة الصناعة والتجارة و الاقتصاد الأخضر و الرقمي في حالة شرود تام في ما يتعرض له المستثمرون المغاربة من تعسف و إذلال “تنظيمي “و جبائي .
وفي نفس السياق طالب المكتب الوطني بأحد الخيارين إما إحالة قطاع المقاهي و المطاعم على وزارة أخرى أو إحالة السيد الوزير على وزارة أخرى .
ودعا المكتب الوطني الحكومة و الجهات الوصية إلى إيقاف هاته الهجمات العشوائية على القطاع المسيئة للوطن و الإنصات إلى نبض المستثمرين و الانخراط معهم في نقاش هادئ لتنظيم القطاع وتنظيم الاستغلال المؤقت للملك العام و الابتعاد عن الطرق المبتدلة والناسباتية و الغير الناجعة .
كما عبر عن استغرابه من رفض جل الجماعات المحلية تفعيل المذكرتين الوزارتين لوزارة الداخلية -المالية المحلية – و التي دعت فيهما رؤساء الجماعات إلى التعامل مع الجبايات المحلية في فترة كوفيد 19 وفق قرارات السلطات المحلية للحد من انتشار الجائحة من أجل التسوية الجبائية و القانونية لكل المقاهي و المطاعم ، و دعوتهم للحكومة و كل الجهات المسؤولة إلى إقرارقانون منظم للقطاع و قانون منظم للملك العام يحدد مسبقا معايير ممارسة النشاط الاقتصادي و شروط لاستغلال المؤقت للملك العام تضمن انسيابية المرور و الحق في الاستغلال الاقتصادي و القطع مع المزاجية في التعاطي مع هذا الملف .