الباعة الجائلون بسطات…حتى الأموات لم يسلموا من هجمتهم

تابعت هبة بريس عن قرب حجم المعاناة التي عانت منها سيارة اسعاف وهي تنقل أحد موتى المسلمين من مسجد الخي بسطات فور الانتهاء من صلاتي الجمعة والجنازة عليه…حيث وجد سائقها نفسه محاصرا من كل جهة بعربات الخضروات والشاحنات والسيارات وهي محملة بالخضر والباعة، ونهيق الدواب وروثهم يعطي المكان نكهة خاصة…من جهة أخرى، مشاهد مقززة لمصلين وهم يركعون ويسجدون والروائح النثنة تحيط بهم من كل جانب ونهيق الحمير يعلو فوق صوت خطبة الإمام.

هجمة هؤلاء الباعة الجائلون بدوابهم بمختلف أزقة المدينة وشوارعها وأحيائها تثير الاستغراب، وتسائل السلطات، هل الأمر يتعلق باستسلام مع رفع الراية البيضاء في وجه هؤلاء؟ أم أن الأمر يتعلق بغياب سياسة حكيمة وتدبير معقلن لتدبير هذا القطاع الذي يتطاول على جمالية المدينة ويعيق حرية التنقل ويهدد الأمن الروحي للمواطنين.

المشاهد ذاتها تتكرر كل جمعة بمختلف مساجد سطات غربا وشرقا وجنوبا وشمالا، أينما ولّى المصلون وجوههم إلا ووجدوا أنفسهم محاصرين بعربات وسيارات وشاحنات مهترئة محملة بأطنان من الفواكه والخضراوات منها من لم يلتزم صاحبها حتى بأداء واجبات الصنك والتعشيرة.
قد يفسر البعض تناولنا لهذا الموضوع بأنه تحامل على فئة الباعة المتجولين وحرمانها من فرص لتحصيل قوتها اليومي، لكن واقع الحال يوحي بأن هذه الفئة عاثت فسادا في الأرض واتخذت من سياسة الهدنة الغير المعلنة من قبل السلطات المحلية مطية لها للعبث بالفضاءات البيئية وانتهاك حرمات المساجد وتدنيس ساحاتها بروث دوابها.

فحين تنتهك حرمات بيوت الله، وحين يجد المسلمون من المصلين صعوبة بالغة في تشييع جنائزهم بفعل هذا الزخم الكبير والفوضى العارمة لباعة متجولين وهم يحاصرون مداخل ومخارج المساجد، همهم الوحيد هو التخلص من بضاعتهم ولو على حساب كرامة الآخرين، فتلك صور مقززة تستوجب التوقف لمناقشتها وتمحصها والبحث عن حلول لها.

فإلى أي حد يمكن اعتبار تجاهل هذه الظاهرة من طرف السلطات المحلية بمثابة خلق فرص للشغل لهؤلاء الباعة؟
رسالة قوية إلى كافة مكونات المجلس البلدي المنتخب حديثا، أن يضع برنامجا محكما للقضاء على ظاهرة الباعة الجائلين والكلاب الضالة بتنسيق من السلطات، حفاظا على الفضاء البيئي، علما أن هؤلاء الباعة لا يكلفون أنفسهم حتى عناء جمع نفاياتهم ومخلفاتهم مخلفاتهم من القمامة، متناسين بأن الإنسان الذي يترك القمامة وراءه يعكس طريقة نشأته البيئية.

فإلى متى ياترى ستظل مدينة سطات عنوانا لأوساخ وأزبال الباعة المتجولين؟ وهل وحده المجلس البلدي هو المسؤول عن هذه الوضعية الكارثية لاستغلال الملك العمومي؟ أم يتقاسمها مع الباعة المتجولين و باقي المتدخلين و المواطنين؟

انتهت الانتخابات، وتشكل المجلس البلدي بسطات، وببن ثنايا ذلك كله، كثُر الحديث عن مصير المدينة ومستقبلها، وهل التركيبة الحالية قادرة على اخراج المدينة من دوامة التسيير العشوائي وانتشار مظاهرة البداوة وضعف الخدمات وغياب فرص شغل قارة للشباب العاطلين عن العمل؟

إرث ثقيل ورثه المجلس البلدي الذي انتخب خلال اليومين الماضيين، فهل ستتم ترجمة الوعود إلى أفعال حقيقية يلامسها المواطن فور خروجه من منزله؟ أم أن ” أيام المشمش العشر الزاهية والوعود المعسولة” ستنتهي وينتهي معها حلم الغد الأفضل الذي طالما تغنت به الأحزاب إبان حملاتها الانتخابية؟

نتمنى صادقين أن يعاد النظر في السياسات التدبيرية وأن يطفو على السطح منطق المصلحة العامة على منطق المصالح الشخصية الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى