ساعات قبيل العيد..ومنطق “جْرِي عْلَيا نَجْري عْليك”

الكل يسابق الزمن…اكتظاظ وعرقلة سير، ونرفزة، وسرعة مرعبة…الكل يسابق عقارب ساعاته…طرق سيار امتلأت عن آخرها، وطرقات وطنية وجهوية واقليمية هي الأخرى نالت نصيبها، أمنيون ودركيون انتشروا بها يسهرون على تسهيل الحركة بها حفظا للنفس والمال…تركوا لحظاتهم الجميلة رفقة عائلاتهم وأسرهم، وحرموا أنفسهم من نشوة العيد وانشغلوا بخدمتنا والسهر على أمننا…لهم منا ألف شكر وتقدير…

الكل يسابق الزمن وكأن لسان حالهم يردد ” جري عليا نجري عليك”، مراهقون يتسللون بدراجاتهم النارية المرعبة وسط طوابير السيارات المتوقفة عند نقاط المرور… بلا حشمة ولا وقار ولاحياء، شعارهم “تخراج العينين عند تقديم النصح إليهم”، منهم من تفنن في حلاقة رأسه التي تعود لزمن العبيد، ومنهم من اختار لباس الفقر والقهر بسراويل ممزقة توحي بضرورة تقديم الصدقة لصاحبها…

الكل يسابق عقارب الساعة…خروج جماعي نحو المحلات والمتاجر والأسواق…الكل يبحث عن ضالته في وقت واحد…نساء رجال وأطفال…اكتظاظ غير مسبوق في زمن التباعد والتدابير الاحترازية…كثير منهم بلا كمامات…يتعانقون يتصافحون وشبح كورونا فوق رؤوسهم يرقص متربصا…يا للغرابة!

الكل يسارع الخطى، نحو المتاجر والمحلات والأسواق، متأبطا حزما من البصل، في الوقت الذي قد تغنيه بصلة واحدة عن السؤال، مساهما في غلائها دون أن يشعر…وفي المقابل، نساء تتدافعن أمام دكاكين البقالة…مستلزمات الطبخ و ألوان البهارات وعلب ” البرقوق الأسود” وكأن المرء داخل في مجاعة لايكاد يخرج منها…وكأن المحلات التجارية سوف تغلق أبوابها إلى الأبد..وا أسفاه!

مشاهد، اعتدنا جميعا أن نراها تتكرر على رأس كل مناسبة، دون أن نقف وقفة تأمل لنصحح الأخطاء ونأخذ العبر، ونترفع عن هكذا عادات قد تعيق تقدم البلاد وتساهم في الرفع من منسوب الحوادث وانتشار الوباء وغلاء السلع والبضائع وتشجيع المضاربة والاحتكار؟

قبيل العيد بساعات، خرجت جموع المواطنين نحو الشوارع بحثا عن مستلزمات الكبش، هذا الأخير الذي يتابع تحركاتنا بطرف خفي، وكأنه يحاول أن يخفف من روعنا وجشعنا في ادخار المأكولات والمشروبات، وكأن لسان حاله يريد أن يخاطبنا قائلا: ” وأنتما غير بشوية مالي غادي نهرب…”.

قبيل العيد بساعات…حركة غير عادية، وسرعة قصوى نحو نقطة الوصول، الكل ينتظر اللحظة التي ستجمعه مع باقي أفراد أسرته على موائد العيد السعيد لتقاسم التهاني والتبريكات، والتلذذ بما طاب من طعام الشواء والشاي المنعنع على نغمات الدفء العائلي، لكن في المقابل، نجد فئات أخرى محرومة من هذا الدفء، من جنود الخفاء والعلن، كرّسوا حياتهم كلها خدمة للبلاد والعباد بنوع من نكران الذات، انخرطوا جميعا في تقديم مختلف الخدمات منها الطبية والإدارية والأمنية وغيرها، تضطر معها أسرهم وعائلاتهم بدورها إلى تأجيل نشوة الاحتفالات العائلية إلى حين انهاء عملهم.

ونحن في زمن العيد…نرفع القبعة..لأولئك الجنود الشرفاء البواسل حماة الديار المرابطين على الحدود وأصابعهم على الزناد..نرفع القبعة عاليا لمختلف الأجهزة الأمنية من درك وأمن ومخابرات وأفراد الوقاية المدنية، والسلطات المحلية وموظفي المؤسسات السجنية وموظفي المحاكم والمؤسسات الاستشفائية واللائحة طويلة… نرفع القبعة لهم شرفا وتقديرا واحتراما…آثروا عن أنفسهم لحظات جميلة مع أسرهم، واختاروا الاصطفاف في خانة تقديم الخدمات لنا، تجدهم بقلب الإدارات العمومية في عز تقاسم فرحة العيد…

وسطهم تعيش فئة أخرى اختارت خدمتنا وجمع مخلفات نفاياتنا المنزلية…إنهم شرفاء مهنة عمال النظافة الذي يشتغلون يوم العيد وفي أوج نشوة الفرح…يكنسون الشوارع ويجمعون ما خلفته أيادي البشر من بقايا أعلاف ونفايات وخضر يابسة لباعة جائلين ما أن أنهوا بيع بضاعتهم حتى تركوا وراءهم أكواما من الأزبال والنفايات…

لشرفاء المهن في زمن العيد نقول لكم جميعا وبصوت عال…أنتم حماة الوطن أنتم تاج فوق الرؤوس

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. انها الحقيقة المرة التي انها جاهلية،القرن العشرين الذي يعيشها جيل هذا،الزمن اللهم ردنا إليك ردا جميلا وانصر حماة الوطن،جميعهم واحفظهم من كل مكروه اللهم ااامييين

  2. أحسن مقال قرأته اليوم
    تحليل جيد لواقع مر أصبحنا نعيشه، عيد الاضحى المبارك أصبح عند الأغلبية الساحقة من الناس بدون مقاصد دينية، بل على العكس ترى في هذه المناسبة العظيمة كل مضاهر الانحراف سواء داخل المدن أو على الطرقات مع كامل الأسى والأسف
    لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى