حَكَمَ كورونا نهائيا بالطلاق البائن بين الريع والفن
محمد الشمسي
كتب أحدهم رسالة -أو كتبها له غيره- ، يشكو فيها معاناة من سماهم ب”الفنانين” في ظل الجائحة، وطالب أن يكون لهم في صندوق مكافحة الوباء حظ ونصيب.
إن كان على حق المعسرين منهم في الاستفادة من الصندوق فذاك حق مشروع للسائل والمحروم، لكن إن كانت “دريهمات دعم الصندوق” قليلة بالنسبة إلى بعضهم ولا تساوي حتى قيمة”تعليقة” في عرس أو حفل، فنقول له “هاد الشي اللي عطا الله”.
ولأن المناسبة شرط، فإنه من النقوش البارزة التي نقشها كورونا في القلوب والعقول معا، أنه آن الأوان لأن يتحمل كل ذي اختيار تبعات اختياره، فمن اختار أن يكون “فنانا” فله ذلك، شريطة أن يكون “سيدي ومولاي”، وليس أن يقعد على عتبة وزارة الثقافة وعلى أبواب المؤسسات العمومية، يضع “بطاقة فنان” أمامه، ويمد اليد متسولا وباكيا شاكيا، مستغيثا أنه هو الفن وأن الفن هو، وأن من لا يمنحه من مال الشعب هو عدو للفن.
لن نسأل السؤال المحرج ماذا قدم و يقدم هؤلاء”الفنانين” للشعب؟، وهل من تأثير لهم في حياة الناس؟، وهل جلهم حتى لا أقول كلهم هم الأسوة الحسنة للناشئة ولعموم الناس؟، هل يحترمون “فنهم” فلا يقدمون للناس إلا أروع الكلمات بعذب الألحان و حسن الأداء، أو يشخصون أفضل الروايات بأسمى القيم في أبهى الحلل الفنية؟، وهل أغنوا الساحة الفنية أم أغنوا حساباتهم البنكية؟، أم…أم…؟، فالواقع يجيبنا على هذا السؤال بمرارة وقساوة، بأن “فنانينا” ضيعوا “رسائل الفن” وباتوا يحملون “الأظرفة الصفراء الباهتة فارغة”، يَسْبحون في بركة الرداءة، إلا من رحم الله وما أقلهم ، لكن دعونا لا “نجرح الخواطر”.
هل الشعب هو الذي يستفيد من “فنانيه”أم “الفنانون” هم من يعيشون عالة على شعبهم؟، إلى متى سيظل الشعب ينفق على أفلام سينمائية تترك هموم الشعب الحقيقية ولا يروقها إلا ما يدور فوق سرير غرفة النوم؟، وعلى موسيقيين في وديانهم يهيمون وكأن كل الغناء مرتبط فقط بالمجون والرقص الهستيري والضجيج الموسيقي؟…
لقد أصدر كورونا حكمه النهائي، بوجوب طلاق بائن بين الفن والريع، وليعلم إخوتنا “الفنانين” أنهم جزء منا، وأننا نحبهم ، لكن نحن غير مستعدين لتحمل تبعات نزواتهم، فمن آثر مهنة وشق طريقا، عليه تدبر أمر خياره، ولن نقبل أن ننفق من المال العام على قلته وندرة ما يصلنا منه بعد نهب الناهبين على”لقصاير” وفي”زيد دردك عاود دردرك”، فمن كان اختياره هو أنه “يدردك” فليتحمل مسؤولية”درديكه”، لأن تنمية الثقافة الملقاة على عاتق الدولة تكون بالبرامج والخطط ، وليست بتسليم المال العام “باردا” لفرق مسرحية لا يعرفها أحد، أو لمخرجين يخرجون لأنفسهم أفلاما تعود عليهم بالملايين و”يخرجون” في الشعب عيونهم، أو لمغنين يبيعون تفاهاتهم في مهرجانات تبين أنها لا تسعف مريضا ولا تعلم أميا ولا تزرع ثقافة، ومن يشعر منكم أن “رحلة فنه” لن تضمن له قوت يومه، “يبدل الحرفة”، لا أن يعيش عالة يستعطف المال العام ، فالفن ارتبط دوما بعزة النفس وكرامتها، ولم يكن يوما وسيلة للاستعطاء، دعونا نختبر الحقل الثقافي بلا “فنانين شحاذين”.