الأنظمة العربية ومبدأ فصل السلط

لا جدال ولا مشاج أن مبدأ ( فصل السلط) هو أسمى وأرقى ما جاء به منظرو الديمقراطية بدء من مونتيسكيو .

وقد كان للظرف التاريخي الذي ألف فيه كتاب ( روح القوانين ) لسنة 1748 أهمية كبيرة تتجلى في نشره دون ذكر إسم مؤلفه، حتى يتجنب المتابعة والرقابة التي كانت ضد هدا النوع من التحرر .

هنا نطرح السؤال التالي: لماذا يعد هدا المبدأ هو الركيزة الأساسية في تصنيف الدول وفق أنظمتها (مستبدة – أو ديمقراطية ) ؟

بالعودة إلى المرحلة التي عاشتها أوربا وفرنسا تحديدا، من سيطرة للكنيسة وللطبقة الأرستقراطية ,في عهد ملكية مطلقة مستبدة تستأثر بكافة السلط ، وحيث الثروة يقتسمها الإثنان ,وحيث الشعب يعيش الضنك والفقر المدقع .كل ذلك عجل بقيام ثورة وموت الملايين وانتهت بإعدام الملك .

هنا سيبرز مفكرين من أمثــــال : هوبـــز وجـــــون لـــــوك وجـــون جــــاك روســـو صاحب نظرية (العقد الإجتماعي CONTRAT SOCIAL) ثم مونتيسكيــــو وكلهم ينتمون لطبقة بورجوازية كانت تنمو على أنقاض نظام إقطاعي لفظ أنفاسه .لذلك نظروا لفكر متجدد يتجاوز تعفن الأنظمة المستبدة وفرنسا بالتحديد .

ورأى مونتيسكيو أن الداء يكمن في تجمع السلط , وأن الفصل بينها يمنع الإستبداد ويضمن الحريات ,وسيادة القانون , وشرعية الدولة .
وإذا كان جون لوك له الفضل في تقسيم السلط ,إلا انه لم يعط أهمية للسلطة القضائية. وجاء مونتيسكيو ليحدد مجال كل سلطة على الشكل التالي :

– سلطة تشريعية ( البرلمان ) مهمتها سن القوانين والتشريعات التي تنظم حياة المجتمع ويخضع لها الجميع .
– سلطة تنفيدية ( الحكومة بأجهزتها ) مهمتها وضع برامج وفق القوانين وتشريعات البلد .
– سلطة قضائية فوق الجميع وهي التي تسهر على احترام القوانين , وتضبط كل التجاوزات .
وحدد شرط أساسي لتوزيع هده السلط بتوفر كل واحدة على صفة الضبط اي ضبط مجال تخصصها . وصفة المنع أي منع باقي السلط على تجاوز مجالاتها . وكل هدا من أجل الحد من إستبداد الفرد الحاكم وطغيانه ,وجمعه بين قوانين يشرعها لهواه, وينفدها لمصلحته, وقضاء مسلط تحت إمرته .
وكما يقال ( السلطة المطلقة مفسدة مطلقة )
صحيح أنه بفضل نظرية ( العقد الإجتماعي ) لجون لوك صار للشعب حقوق إبرام عقد بينه وبين من يختارهم للحكم .
ولكن مع مونتيسكيو الخضوع لا يكون للحاكم بل لمجموعة من السلط . وحتى من يحكم يخضع بدوره لها .

إذن فمجال الطغيان والفساد يقل,ويظل الناس سواسية أمام قوانين تنظم حياتهم . بهده النظرية وهدا النهج انتقلت هده المجتمعات من الفقر والتخلف والإستبداد إلى مجال أرحب تحرسه ديمقراطية …
من حقنا نحن أيضا أن نتساءل :هل الدول العربية ديمقراطية ؟
وما طبيعة أنظمتها؟

أسئلة تكتسب مشروعيتها في ظل الواقع العربي حيث يسود التخلف ,وتنتشر الأمية , وتستفرد فيه نخب بالهيمنة على ثروات الشعوب ,وكل هدا يشكل حطب ثورات ستأتي على الأخضر واليابس .

فالشعوب العربية بعضها يحكمه عسكر انقلابيون أتوا عاى ظهر دبابات ,وبعضها تحكمه عشائر سهل لهم المستعمر السيطرة على الحكم باسم الدين , وأخرى وضع لها قوانين طائفية مثل ( لبنان ).

ومادام هؤلاء الحكام هم من يشرع قوانين ودساتر على مقاسهم ,وهم من ينفذ ,وهم من يتولون القضاء ويصدرون الأحكام ضد من يخالفهم .فقد دفع ذلك الإستبداد الشعوب إلى القيام بثورات وحراك وصدامات إنتهت بمأسي ,واضطرت معها هده الأنظمة رغبة منها في امتصاص هدا الغضب إلى التلويح بإ.صلاحات وطرح قوانين لتجاوز الأزمة .ولكن تبين أنها مرة أخرى مخيبة لأمال وتطلعات تلك الشعوب ولا تلبي رغبتها في العيش في جو ديمقراطية جقيقية …
ينتهي بنا الحديث إلى طرح السؤال الجوهري وهو :
هل حكام المنطقة العربية مستعدين للديمقراطية ؟
أي هل هم مستعدين لتقاسم السلطة ؟
وهم يعلمون أن أهم خطوة في الديمقراطية هي فصل السلط ,أي التنازل عن سلطهم أما الجمع بينها والتغني بالديمقراطية (ديمقراطية فلان والحاكم الفلاني وووو) فالواقع يكذب ادعاءاتهم .والدليل كم الفساد المنتشر في دولهم وشيوع الظلم والمشانق المنتصبة والأحكام الجائرة في حق كل من يخالفهم الرأي .وكثرة السجون والعاطلين

وتمركز الثروة عند الحاكم وحفنة من الحاشية تحميهم أجهزة قمع متنوعة من جيش واستخبارات .كما يوظفون نخب سياسية كواجهة ,مهمتها التطبيل للحاكم وشيوخ وعلماء دين تبرر أحقيته والولاء له طما في ريع .

ففصل السلط كما هو حدده (مونتيسكيو) في روح القوانين هو الأساس الذي أخدت به أعرق الديمقراطيات .

المؤسف أن الأنظمة الحاكمة تروج عبر إعلامها ونخبها من المرتزقة فكرة غاية في الخبث والمكر مفادها : أن الشعوب العربية لم تصل بعد لمرحلة النضج ,لشيوع الأمية ,والتخلف .وأنها لا تفهم حدود حقوقها وواجباتها , وان الديمقراطية تصلح فقط للغرب ولمن يمتلكون ثقافة ووعي عالي .

وتناسى هؤلاء أنهم السبب في اتساع ارتفاع نسبة الأمية ,والتخلف ,وفي تدهور التعليم وكل الأفات .

ما يكذب هذا الطرح .هو تجربة مصر في 25 يونيو, وانتصار الديمقراطية بانتخاب أول رئيس شرعي ( الدكتور مرسي ) وهو رد على نضج الشعب وقدرته على اختيار من يمثله .

والتجربة الأخرى .هي تجربة الجزائر في التسعينات ونجاح (جبهة الإنقاذ) .

نجاح هده التجارب أقلق وأغضب غرب استعماري يمارس الوصاية , رأى أن حريته في نهب ثروات هده الشعوب بات مهددا .

فدعم أذنابه من الأنظمة المستبدة المكونة من جنرالات الجيش التي ساءها أيضا أن تنجح هده التجارب , فنهجت أسلوبها الرخيص بالإنقلابات والإعتقالات وسفك الدماء , وإعادة الأمور إلى وضعها السابق .

فتم إجهاض تجربة الجزائر وكلف ذلك قتل 200 الف جزاىري بدم بارد أثناء العشرية السوداء .

وفي مصر تم قتل المئات من شهداء رابعة , وقتل أول رئيس شرعي , وأعدموا الكثير من أتباعه . ولا زالت الإعتقالات مستمرة .

ولكن لا زالت هده الشعوب تحلم . ولازال حكامها ينتظرون الأسوأ.
قال تعال : ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا )سورة الأنعام أية 34

بومهاوتي الحسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى