انتصار حدية أو الوحش الذي لايرحم الفشل – Anti-échec

رغم كفرها الإيماني بالفشل ومشتقاته ، ورغم أنها قتلته ورمت به في البحر الرابع ، بعد صمود وحشي قزم الفشل وحشره في الزاوية ، لازال في نفسها أشياء من حتى ، ولازال طاقم ألوانها يخلو من اللون الأبيض !!! … فلا استسلام أو حتى مهادنة مع النكوص والردة ، وهو مبلغ لايناله إلا ذوي الفهوم الحادة والأبصار النافذة ، المتخنة بتوابل الإيمان .. صدق فيقين ثم شغف ، لهذا أقولها بدون تردد إننا بصدد امرأة ربانية ، نالت شرف الاصطفاء فاختارها الله ويسر لها الطريق ، لكي يمتحنها في علاقاتها مع عباده … فهل ستصل للزمن الثالث ياترى ؟ أم ستكتفي بالزمن الأول والثاني ، فمنحة الله ابتلاء ، ومحنته ابتلاء كذلك ، فأنت مطالب أن يكون منسوب لياقتك الايمانية على قدر العطاء الإلهي…

فالمعلوم كما تواضع على ذلك علماء الدين وعلماء علم النفس ، أن الزمن الثالث هو علة وجودك في هاته الحياة ، فأما الزمن الأول فمخصص لنفسك وأسرتك ، وأما الزمن الثاني كما يعرف الجميع فهو لعملك الذي يقيك شر الفاقة ، أما الزمن الثالث فهو لخدمة الآخرين، فالانسان كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه ” إما أخ لك في الإسلام أو نظير لك في الخلق ” لذلك نهنأ كل من اصطفاه الله لخدمة الأخ والخلق ، فذلك باب السعادة ، والسور العظيم لنيل رضى الله ، فيالها من خبيئة بين هاته السيدة وبين الله ، ويالها من منقصة عندما تكتفي بخدمة نفسك ، وتضر بالآخرين ” فأنت حر مالم تضر ” كما قال سيدنا علي …

السيدة انتصار حدية كانت موفقة مرة أخرى ، عندما جاء على لسانها، أن الشغف هو سبب توفيقها بين الأزمنة الثلاث ، فالحب والاستغراق القلبي هو الفاكهة المفضلة عند ضيوف مائدة الرحمن … انتصار تسمي الأشياء دون الإشارة إليها بلا زيغ ولا تشفير ولا دوران … لذلك وضعت الرذاذ على أمواج البحر كي لايجف حلقها اذا صرخت ، وأطلقت خيولها من اسطبلات المروضين لتسرح في الحقول طليقة بلا ساسة ولا فرسان ولا استعراض قوة … يحسبها الغافل متجبرة لكن مهنتها إسعاد الآخرين ، فهي لا تريد إسعاد طفل مهمل ببسمة فقط … بل همها كل همها أن ترى الإنسان كل الإنسان يضحك حتى يبرز ضرس عقله كاملا ،كتابتها متجملة بأحمر الشفاه القرمزي الذي يزيدها بهاء …حروفها عارية جلية لهذا تراها مستعصية على التلاشي والانكسار ، … تحب الكريات الرافعة للصمود … قرينها مثل نسر ملكي يعيش بأنفة في قمته… لذلك كانت ناعمة الملمس ، حتى تغير الألم بالأمل ، والفجيعة الخشنة ، بالحياة السرمدية ، حروفها تعبث بنا بدون رقيب ولا أم مربية ولاكابحة … فقد استعملت سماعة الطبيب لتتجسس على قلوبنا حتى تخدمها بأجمل وجه … مشاعرها متناسلة مثل رؤوس النمل ، ضخمة مثل جثث الماموت ، فهي تكتب وتسبح لخالقها في الوجود …

إنها الأيقونة انتصار حدية ، التي اغتالت الفشل والمستحيل ، وأصبحت مرادفة لصنيع شجرة الأكسيا التي لاتطال ثمارها سوى أعناق الزرافات …

قد يقول أحدكم أن المقالة تحمل الكثير من الإمعان والمبالغة !!! نجيب بيسر ونقول ، أننا نقدس السياق ، فعندما نعزل الواقع عن السياق نكون غير منصفين في إصدار الأحكام … فالسيدة تدور في دائرة معارف لاتنتهي ، عبر الوفاء للأسرة وللعمل وللكتابة والعمل الجمعوي ، لذلك استحقت لقب المثقفة العضوية ، فهي تمارس عضويتها في الأزمنة الثلاث كلها …والشيء الجميل أنها وفية للقيم والأخلاق في الطب والتدريس والأسرة والأدب…

تبدو للجميع أنها قاسية الملامح إلى حد الدهشة ، فهي لاتبتسم الا ناذرا، وإن دعت الضرورة فلن تجود تقاسيم وجهها إلا بنصف ابتسامة ، شخصيتها المتميزة بكاريزما طاغية ، تجعلها تتميز بجمال لايملكه إلا من رضيت عليه السماء بصفة التميز والإبداع والعبقرية …

انتصار حدية أرهقت الزمن وفرقت طموحها السريالي ، لتدق جميع الابواب مهما كان سمكها ، لذلك عشقها النجاح وصاحبها بدون ضجيج ، فلم يبقى لها الا ان تخضع لصيحة الحاجة ، حتى تتحول بكل تفاصيلها لوصفة مضادة للفشل … ننهي مقدمتنا الصوفية هاته ذات الانفاس الروحانية ، لنهمس في أذن الجميع ، إن غايتنا من هاته المقالة أن نزين أنفسنا بإكسير الأمل ، الذي يصدح قائل: سننتصر بانتصار وأمثالها بحدة الإرادة… فيبدو أن التفاهة لن تغرد وحدها في وطننا العزيز .

– أما في هاته الفقرة فنحن مطالبون بتعضيض ماسبق ، بنصوص لكتاب آخرين ، حتى نكون أوفياء للسياق .

* انتصار حدية، طبيبة وفاعلة جمعوية جنح بها الخيال إلى الأدب
(بقلم عز الدين القاضي) وجدة – سليلة أسرة مثقفة، انتصار حدية امرأة شابة متعددة المواهب، وثمرة مسار من المثابرة دون كلل ولا ملل، توج بتحقيق حلم الطفولة في أن تصبح طبيبة، دون أن تنسى شغفها بالقراءة، الذي جنح بها من مدمنة على القراءة إلى كاتبة مشهود لها بالإبداع.

انتصار حدية، هي طبيبة متخصصة في أمراض الكلى وأستاذة في التخصص ذاته بكلية الطب التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، لكنها أيضا كاتبة وروائية، وسيدة مرهفة الاحساس، خصت في قلبها مكانا أثيرا للعمل الإنساني ضمن المجتمع المدني، فهي عضو في جمعية دعم مرضى القصور الكلوي بوجدة، وعضو بفيدرالية تنمية جمعيات مساندة القصور الكلوي بجهة الشرق.

ولعل الطاقة الفياضة لهذه المرأة ملهمة للغاية، فهي تجمع بشكل مثير للإعجاب بين مهنتها كطبيبة وأستاذة وشغفها بعالم الأدب والرواية والتزامها بالعمل الجمعوي في خدمة مرضى القصور الكلوي ودعم مبادرات التبرع بالأعضاء.

بثقة في النفس، تعتقد الدكتورة انتصار، التي رأت النور عام 1981، بأن جهودها لا يمكن إلا أن تؤتي أكلها في النهاية. فمحاولاتها الأدبية الأولى نشرت باللغة الإنجليزية عام 1999.

طبيبة، حلم الطفولة الذي صار حقيقة

في حديثها عن مسارها المهني، أشارت الدكتورة حدية، التي عاشت وترعرعت في الرباط حيث تابعت دراساتها، إلى أنها في سن الثامنة، اكتشفت جمال هذه المهنة من خلال السلسلة الامريكية الشهيرة “الدكتورة كين .. المرأة الطبيبة”.

“لقد كنت منبهرة جدا بعزيمة هذه المرأة، وطريقتها في إنقاذ حياة الناس والتخفيف من آلامهم، لهذا قررت في وقت مبكر من حياتي أن أصبح طبيبة”، تقول انتصار حدية في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، عادت خلاله إلى مسارها الاستثنائي وأحلامها وهواياتها.

بعد حصولها على البكالوريا، اختارت دون تردد دراسة الطب، حيث اجتازت مباراة الطبيب المقيم بالمركز الاستشفائي الجامعي بالرباط، التجربة التي كانت بمثابة نقطة تحول “ساعدتها كثيرا على تعلم مجموعة من الأمور من خلال التواصل مع المرضى ومعالجة الحالات الطارئة .. الإقامة الطبية تعتبر مدرسة حياة، مجتمعا مصغرا يتيح معرفة الناس وتطوير مهارات بناء العلاقات”.

بعد هذه المرحلة الغنية، اختارت التخصص في أمراض الكلى الذي يعتبر تخصصا دقيقا، موضحة أن “هذا التخصص الطبي بنطاق تدخله الواسع لطالما أثار فضولي منذ البداية”.

وإذا كان حلم الطفولة قد تحقق، فقد كان ذلك بفضل كثير من الجهد والمثابرة والعزم من جهتها، وأيضا بفضل الدعم غير المحدود لعدد من الأشخاص.

بكثير من الامتنان لأولئك الذين وقفوا بجانبها حتى النهاية، تقر أنها محظوظة بوجود أبوين متعلمين “سانداني كثيرا، كما وجهاني في الحياة، ووثقا بقدراتي، وفتحا عيني على آفاق الثقافة، بل آفاق الحياة بكل اختصار”.

بالإضافة إلى دور الابوين، اعتبرت أن حظها رافقها حتى بعد زواجها والارتباط بشخص “رائع” و”متفهم” واصل دعمها وتشجيعها على اختياراتها ومشاريعها.

الكتابة، الوجه الآخر

بتشجيع من أبويها، سبحت منذ ربيع عمرها في بحر القراءة والكتابة، حيث اكتشفت الأدباء الكبار الذين بصموا مسيرتها كقارئة نهمة للكتب، سواء بأسلوب كتابتهم أو خيالهم او التزامهم، تأثير زرع فيها الرغبة في الكتابة والحكي والحديث بذات المنوال.

وقالت إن “عددا كبير من الكتاب المشهورين، ومن مختلف الجنسيات (أفرو-أمريكيين وعرب …) كان لهم تأثير علي، خامرني دوما الحلم بأن تحظى كتاباتي بالمتابعة والتقدير، حلم تحقق مع مرور السنوات حينما أبرمت أول عقد للنشر عام 1999 مع كامبريدج يونفيرسيتي بريس”.

وعمل هذا الناشر المرموق على إصدار أولى مجموعاتها القصصية بالإنجليزية، بينما صدرت روايتها الأولى “إذا وهبنا الله الحياة” (Si Dieu nous prête vie) عام 2016 من دار نشر (سان أونوري) وأعيد إصدارها بالدار البيضاء من دار النشر (أوريون)، والتي كانت أصداؤها مشجعة للغاية.

وتلقي هذه الرواية الضوء على تجربة الحب والألم والأمل والمغامرة لمجموعة من الأفراد الذين يتقاسمون حصص غسيل الكلى. إنها راوية تعري ببراعة عن أنواء الحياة المرتبطة بتصفية الدم لمرضى القصور الكلوي، كما تجرد الصعوبات التي تحد من الوصول إلى زراعة الأعضاء.

لقد كان تخصصها في أمراض الكلى بمثابة مصدر إلهام لكتابة باكورة رواياتها، فالطب بالنسبة لانتصار حدية مهنة تواصل وقرب من الناس، ونافذة على المجتمع تلتقي من خلالها بالألم والمعاناة والمرض، بل والموت أحيانا، حيث يكتشف المرء مكامن الضعف البشري، موضحة أن عملها “مبعث كثير من الأفكار كما يثير الكثير من الأسئلة، ويغذي الإبداع الثقافي والأدبي بطبيعة الحال”.

إثر لك، نشرت عملها الأدبي الثاني الموسوم ب “على خيط الأحلام” (Au fil des songes)، وهو ديوان شعري يثير الكثير من الأسئلة الوجودية حول قضايا الحياة والعدالة والحق في الاختلاف (…)، طبع عام 2019، وحاز الجائزة الأولى للفرنكوفونية في إحدى المسابقات الأدبية.

أما في روايتها الأخيرة بعنوان “المجهول”، تحكي انتصار حدية بإسهاب عن ظروف المرأة بالمغرب والإرث والأطفال المتخلى عنهم والكفالة ومواضيع أخرى.

في كتاباتها، تميل الطبيبة الأديبة إلى الرواية الاجتماعية، حيث تحكي وتصف بأسلوبها الخاص المجتمع والمغرب، الذي يعد بلدا فريدا ومتعددا في الآن نفسه، بشكل يجعل القراء على دراية بعدد من الأمور، كما تدعوهم بطريقة مضمرة إلى الحوار والنقاش.

العمل الجمعوي، امتداد للمهنة

من وجهة نظر هذه السيدة الشابة، يعتبر العمل الجمعوي بمثابة امتداد للمهنة فهو “لا يمكن فصله عن المجتمع، خاصة في مجال من قبيل تخصصها حيث تتعامل مع أمراض مزمنة ومكلفة ماديا”.

وشددت على أنه “يتعين تظافر الجهود، وعلى المجتمع المدني أن تكون له كلمة بهدف تحسين الأوضاع، وذلك من خلال المساهمة في المبادرات المحمودة التي تقوم بها الدولة، وقبلها جهود المجتمع العلمي في مجال طب الكلى”.

ويعتبر المرور من مهمة الطبيب والأستاذ إلى الفاعل الاجتماعي خطوة أساسية من أجل مساعدة الأشخاص الذين يعانون من القصور الكلوي، بل، وكما ترى انتصار حدية، “لا يمكن لشخص أن يصبح طبيب أمراض الكلى وأن لا يكون مستعدا لدعم التبرع بالأعضاء، خاصة وأن اختيار زراعة الأعضاء يعتبر العلاج المثالي للقصور الكلوي المزمن في مرحلته النهائية”.

وإن كان الطب في المغرب قد تقدما مهما كما تتحسن الأشياء سنة بعد أخرى، فالطريق ما زال طويلا.

في ردها على سؤال حول الوصفة السحرية للجمع بين مهنتها كطبيبة كلى ومهمتها كأستاذة وتطوعها كفاعلة جمعوية ومسؤوليتها كأم، أجابت بكل بساطة “حينما نقوم بالأشياء بكثير من الشغف، لا يمكن إلا أن ننغمس فيها بكل حب”.

وكنصيحة للنساء، تابعت انه يتعين وضع أهداف واضحة ومحاولة العمل على تحقيقها في حدود الإمكان، وأن يتغلب الإنسان على نفسه وأن لا يبقى حبيس الرؤية الضيقة للحياة. كل فرد يملك في مكنون نفسه قدرات تحتاج فقط إلى التطوير.

بخصوص أهدافها ككاتبة في القادم من الأيام، أسرت أنها لم تتوقف أبدا عن الكتابة ولديها العديد من المسودات التي قد يتم نشرها في الوقت الملائم، مبرزة “بالنسبة لي، الكتابة نشاط حرية وتوازن، لهذا لا أضع أجندة أو تاريخا محددا للنشر”.

كأم، تتمنى انتصار حدية أن يكون أبناؤها مواطنين صالحين، متحملين لمسؤولياتهم، عارفين أن عليهم حقوقا وواجبات تجاه مجتمعهم وبلدهم.

* حوار البوح المباح … حيث تكشف السيدة انتصار حدية عن أشياء ضرورية لفهمها كظاهرة ….

أجرت الحوار: فوزية التدري

*الطب مهنتي والكتابة شغفي…

* في لقاءات عديدة أنسى أنني طبيبة وأنصهر مع القراء في لحظات ماتعة…

إنها ابنة المغرب، لها نصيب كبير من طاقة اسمها الجميل، انتصار حدية وهي طبيبة من مواليد سنة 1981 بآسفي نشأت ودرست بمدينة الرباط، حيث تخرجت من كلية الطب والصيدلة بالرباط تخصص علم وأمراض الكلى.

تشتغل أيضاً استاذة جامعية بكلية الطب بنفس التخصص بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة. هي أيضا فاعلة جمعوية حيث تشغل منصب كاتبة عامة لجمعية دعم مرضى القصور الكلوي بالجهة الشرقيه وفيديراليه دعم جمعيات القصور الكلوي بالجهة الشرقية.

بدأت انتصار حدية مشوارها الأدبي في سن 17 من عمرها، حيث صدر لها أول مجموعة قصصية باللغة الانجليزية مع دار النشر كامبردج يونيفرسيتي بريس. وفي سنة 2016 صدرت لها أول رواية باللغة الفرنسية تحت عنوان “Si Dieu nous prête Vie” عن دار النشر saint Honoré بباريس وتم إصدارها أيضا عن دار النشر Orient بالدارالبيضاء التي تلقتها الأوساط الثقافية داخل المغرب وخارجه بشكل جيد . ثم صدر لها ديوان شعري باللغة الفرنسية أيضا سنة 2017 بعنوان Au Fil des Songes عن نفس دار النشر الفرنسية هذا الديوان الذي حاز على جائزة أدبية فرنسية سنة 2018. لتعود من جديد نحو كتابة الرواية إذ صدرت لها رواية باللغة الفرنسية أيضا بعنوان “L’inconnue” عن دار النشر سانت اونوري سنة 2019 وتم إصدارها بالدارالبيضاء عن دار النشر Orient التي تمت ترجمتها إلى العربية تحت عنوان “الغريبة” وقد لقيت هي الأخرى تجاوبا كبيرا معها من طرف النقاد والقراء ووسائل الإعلام داخل المغرب وخارجه. أما عن آخر إصدار لها فقد كان أيضا عبارة عن رواية باللغة الفرنسية تحت عنوان “Trahison Pieuse ” عن دار النشر Librinova سنة 2021 وهي رواية تتحدث عن المرأة في المجتمع المغربي شأنها شأن الرواية التي سبقتها وقد لقيت هي أيضا تفاعلا مميزا من طرف النقاد والقراء.

تواصلنا معها وسعدنا بالحوار الذي أجريناه معها:

*قبل أن يكتب الطبيب وصفة دواء لمريضه، ينصت لحكاية فيها آلامه وأوجاعه، فهل هذا عامل قوي دفع ولازال يدفع ببعض الأطباء إلى ترجمة تلك الحكاية إلى نص مكتوب على ورق؟

– نعم، توجد علاقة وطيدة بين الواقع المهني المعيش للطبيب وبين ممارسته لفعل الكتابة. فعندما نتحدث عن الطبيب الأديب، فصدق المعاناة التي يحتك بها داخل أسوار المستشفى، تكون في أحيان كثيرة قاعدة حية للإلهام حيث تمكنه من بناء شخصيات على ورق وسرد وقائع من صلب المجتمع وصميم الواقع. هناك نماذج عديدة لأطباء على مر العصور زاوجوا بين فعل الأدب وممارسة الطب، إذ هما عالمان في نظري لا يتعارضان إذ كل واحد منهما ذو هدف نبيل وجوهرهما هو الاهتمام بالإنسان ودواخله وسبر أغوار النفس البشرية وجرد تفاعلها مع المجتمع الذي تنتمي إليه.

* هل الأمر عبارة عن إرث تركه الطبيب الأول: “ابن سينا” الذي كتب عن الطب والشعر وأشياء أخرى..فتم احترام الإرث ولم يتوقف فعل الكتابة ولن يتوقف؟

-يقولون في المشرق الطبيب الكاتب هو أديب بين الأطباء وطبيب بين الأدباء. وهذا صحيح، فالطب علم وممارسة أداتها المعرفة والتجربة وغايتها درء الداء والحفاظ على الحياة وجودتها، أما الأدب – وأخص بالذكر هنا الرواية كجنس أدبي يستهويني- فهو فن ورقي غايته السمو بالنفس البشرية والارتقاء بها للتساؤل حول مجموعة من القضايا وتوسيع آفاق القارئ وإثرائه وجدانيا ومعرفيا. ويذكر أن الشاعر بابلو نيرودا صرح في مرات عديدة بأن إبداع الطبيب صادق جدا لأن المعاناة البشرية التي ينقلها في نصوصه هي معيشة وغير متخيلة إذ يتلقاها ويعالجها يوميا وبشكل مستمر.

*بصفتك طبيبة كاتبة هل تفضلين اقتران لقبك المهني بلقبك الإبداعي دائما أم ترغبين في بعض الأحيان أن يكون اسمك في اللقاءات الثقافية مجردا من صفة الطبيبة فيتم وصفك بالكاتبة انتصار حدية فقط؟

– بكل صدق لا تهمني الألقاب بقدر ما يهمني اللقاء الثقافي في حد ذاته مع القراء. فحينما ألمس صدق تفاعلهم مع كتاباتي وتأثرهم بشخصياتها أسعد وأغتني. على سبيل المثال التقيت العديد من الرجال والنساء،تأثروا جدا بشخصية ليلى المرأة المكافحة القوية رغم المصاعب في رواية L’inconnu التي ترجمت إلى العربية تحت عنوان “الغريبة ” بالإضافة إلى شخصيات روائية عديدة. لا اخفيكم أنني في لقاءات عديدة أنسى أنني طبيبة وأنصهر مع القراء في لحظات ماتعة تدور فيها نقاشات عميقة. بصراحة ما يروقني في هذه اللقاءات هو انتقاد النقاد والقراء لكتاباتي والاستماع لانطباعاتهم حول أحداث عمل روائي أو حول شخصياته. ويحدث أن يحتد النقاش حول كتاباتي لدرجة التعارض والاختلاف الأمر الذي يخلق لدي متعة وحوافز حقيقية للمضي قدما في مجال الكتابة والإبداع.

*كونك امرأة دكتورة وكاتبة هل ترين معي أن عامل الانوثة يضيف لشغفك بالكتابة الكثير أم يعيق قليلا هذا الشغف؟

-لا أفكر عندما أكتب بكوني امرأة، لا أعتقد بأن الأنوثة تعيق شغف الإبداع، بل بالعكس فأنا موقنة بأن المرأة بعاطفتها وأحاسيسها الأنثوية مؤهلة بقوة للإبداع في مجالات عديدة. ما يعيق هذا الشغف في حقيقة الأمر هو حرمانها من حقها في التعليم والدراسة. فالمرأة كلما استفادت من العلم والثقافة، كان بإمكانها الإبداع على مستويات عدة. فقلة نسبة النساء في الحقل الثقافي الوطني عموما وفي عدة مجتمعات هو في حد ذاته مؤشر على إشكالية ولوج الفتيات للدراسة واستفادتهن من هذا الحق الأساسي. وطبعا يترتب عن هذا الوضع ضيق الأفق ومشاكل وآفات مجتمعية عديدة تطرقت لبعضها في أعمالي الروائية.

تبدو لي روايتك الأولى Si Dieu nous prête Vie *مادة خصبة تصلح لأن تشكل مادة سينمائية أو درامية جميلة وقيمة نظرا لقيمتها الإنسانية والتوعوية في وضع مريض القصور الكلوي في دائرة الضوء. فالحديث عن مشاكله وعن معاناته وعن آماله وأحلامه بشكل أدبي/فني لهو أمر مكمل قوي للعمل العلمي بل يتفوق عليه في الانتشار والتعبئة الجماهيرية لأن عشاق الأعمال الفنية كثر فهي تصل إلى قلوب الناس وتؤثر في تفكيرهم. هل سبق لمخرج أن عرض عليك الأمر؟

– أنا أؤمن بأهمية الصورة في نقل حرارة المشاعر وجوهر الرسائل التي يروم عمل مكتوب إيصالها إلى الجهات المعنية. ورؤية روايتي تتحول إلى عمل درامي أو سينمائي أمر سيسعدني لسببين، أولا لأن الرسالة التي أود تبليغها من العمل هي أن ينتبه المجتمع المغربي مواطنين وأطر مسؤولة إلى وضعية مرضى الفشل الكلوي أكثر وإلى أهمية زراعة الأعضاء والتأكيد على أنها بادرة إنسانية عالية القيمة ففيها إنقاذ لأرواح عديدة وفرصة لحياة أفضل لمريض الفشل الكلوي. أما السبب الثاني فيتعلق بمتعتي ككاتبة ترى عملا لها يقرأ ويترجم إلى صور ناطقة تصل إلى العديد من المشاهدين الشيء الذي يحفزني على العطاء أكثر في مجال الكتابة الروائية. لهذا فأنا أرحب بأي عرض جاد يبغي استغلال الرواية كمادة سينمائية أو درامية.

*كتبت باللغة الانجليزية أولى أعمالك الأدبية، ثم انتقلت للكتابة باللغة الفرنسية، هل هناك مجال للكتابة باللغة العربية التي تجيدين التعبير بها يوما ما؟ هل يحدث أن تكتبي بلغة أجنبية وأنت تفكرين بلغتك الأم العربية؟ حدثينا بوضوح عن قيمة امتلاك الكتابة بلغات أجنبية مع الإلمام الجيد باللغة العربية؟

-عندما أكتب بالفرنسية أفكر بالفرنسية. وضع اللغة الفرنسية في المغرب هو وضع خاص. فهي لا تعتبر لغة أجنبية. نتعلمها في الصغر، نراها ونسمعها في كل مكان ممزوجة بلغتنا الدارجة بكثير من الكلمات والعبارات. نتقنها جدا و بالتالي ففي رأيي الكتابة بالفرنسية بالنسبة للكتاب المغاربة لا تعتبر كتابة بلغة اجنبية فهي جزء من ثقافتنا المبنية على الانفتاح بحكم خصوصياتنا الجغرافية و التاريخية. بالنسبة للكتابة باللغة العربية فذلك غير مستبعد وكل شيء يحدث في الوقت المناسب.

*هناك أطباء يكتبون أدبا وأنت واحدة منهم فهل هناك أطباء يقرأون لك؟ أم أن قراءك كلهم من خارج المجال؟

-أنا أعتبر نفسي محظوظة لأنني أكتب وأجد من يقرأ لي من داخل وسطي المهني وخارجه. إذ يقرأ لي زملائي الأطباء داخل المغرب وخارجه ويتفاعلون مع كتاباتي ومنشوراتي ويفخرون بموهبتي الأدبية وهم دائمي الدعم والتشجيع لي على المضي قدما في هذا المجال. ما يسعدني أكثر أنني أحظى باهتمام شريحة مهمة وعريضة من طلبتي داخل كلية الطب، إذ يقرأون لي ويعتبرونني قدوة لهم. يستلهمون من مساري الأدبي العزيمة في دخول باب الإبداع والكتابة إذ يحدث أن يعرضون علي من حين لآخر كتاباتهم لإعطائهم رأيي، الأمر الذي يسرني واعتبره إيجابي جدا.

*علمنا مؤخرا أنه سيصدر لك مؤلف علمي بعيد كل البعد عن كتابة الأدب. حدثينا قليلا عن هذا العمل وعن قيمته داخل الوسط الصحي بالمغرب؟

قريبا سيصدر لي كتاب علمي عن دار النشر السويسرية Peter Lang -التي استقبلته بشكل جيد. المؤلف هو عبارة عن عمل اشتغلت عليه مدة طويلة في السنين الأخيرة حيث كان موضوع رسالة لنيل شهادة الدكتوراه الوطنية، إذ اشتغلت على موضوع المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الصحية في القارة الأفريقية من ناحية الأمراض المزمنة مع تقديم نموذج علاج الفشل الكلوي المزمن لأنه من الأمراض المزمنة المكلفة للمريض والمؤسسات الصحية. هذه الدراسة خصصتها لعشر دول إفريقية تمثل المناطق الخمسة بالقارة الإفريقية وهي عبارة عن بحث قام على أساس أسئلة طرحتها على المرضى والأطباء لقياس جودة المسؤولية الاجتماعية ووضع الأصابع على مكامن الخلل في المؤسسات مع التركيز على طلب اقتراحات الأطباء بخصوص تحسين هذه المسؤولية الاجتماعية حتى ينعم الطبيب بالاشتغال في وضع جيد وينعم المريض بخدمات استشفائية مرضية. أتمنى أن يروق هذا العمل المسؤولين بالقطاع الصحي ببلدنا بعد تقديمه لهم للاطلاع على الدراسة حتى يحدث الهدف المرجو من وراء تأليفه لا سيما وأن مهنة الطب مبنية على أساس تحسين جودة الحياة للمرضى ودفع الداء عنهم.

*في كلمة ختامية لهذا الحوار ما هي نصيحتك للمرأة المغربية؟

-التحلي بالأخلاق الفاضلة، العمل الجاد والمثابرة، بالإضافة إلى الثقة بالنفس، هذه هي العوامل القادرة على دفع أي امرأة وأخص بالذكر المرأة المغربية على المضي في طريق النجاح بسلام.

* أخيرا قال تعالى ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” فاللهم اجعلنا نفقتنا خدمة عبادك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى