هل يؤثر فيسبوك على السلوك السياسي للمواطنين؟ المقاطعة نموذجاً

احديدو إسماعيل

باحث في التواصل الرقمي السياسي

شكل تأثير التكنولوجيات الحديثة للاتصال و التواصل علي الحياة الاجتماعية للأمم موضوع بحث مكثف خلال السنوات الأخيرة. ومن أبرزالمجالات التي حظيت باهتمام الباحثين والممارسين على حد سواء المجال السياسي. إذ بالرجوع للتاريخ القريب يجمع المتخصصون على أنما سمي بالربيع العربي نهاية سنة 2010 كان محطة فارقة في استعمال التكنولوجيا من أجل الحشد و التعبئة. وقبل هذا شهدت الحملةالانتخابية للمرشح باراك أباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008 أول توظيف مكثف و فعال لشبكات التواصل الاجتماعي فيتطبيق تقنيات الماركوتينغ التجاري من أجل الفوز بمقعد الرئيس. لكن يبقى التساؤل قائما حول مدى هذا التأثير إن لم نقل هل هناك تأثيرأصلا وهذا هو موضوع هذا المقال.

نستخلص مما قيل حول الموضوع أن هناك ثلاث أراء متباينة. الرأي الأول يعتبر أن التكنولوجيات الحديثة للتواصل و على رأسها شبكاتالتواصل الاجتماعي أثرت سلبا على السلوك السياسي للمواطنين و جعلتهم يبتعدون عن الحياة الاجتماعية الواقعية و يعزفون عن المشاركةفي الحياة السياسية بمفهومها التقليدي الذي يتجلى في الانتخابات و العمل السياسي في إطار الأحزاب و النقابات. ويضيف أصحاب هذهالرأي أن المستفيد الأكبر من هذه الفضاءات الجديدة للتواصل هم الفاعلون الذين ينشطون أصلا في الواقع, فهي تعتبر في نضرهم سلاحاإضافيا في خدمة الأقوياء. النتيجة هي تعميق الفوارق بين هؤلاء و بقية زوار و مبحري الفضاء الافتراضي.

الرأي الثاني يرى أن شبكات التواصل الاجتماعي, و على رأسها في بلادنا فيسبوك, تويتر و يوتوب, أتاحت لمرتادي الشبكة العنكبوتيةإمكانيات هائلة من اجل التعبير و الفعل السياسيين, أهمها المعلومات و مجموعات من “الأصدقاء” أو ما يصطلح عليه “الرأسمالالاجتماعي”. إذ أن فرص الولوج و مصادفة الإخبار والمواقف المعبر عنها من قبل الآخرين على هذه الوسائط من شانه حسب هذه النظريةأن يزكي درجة الاهتمام بالشأن السياسي مما يؤدي إلى تشكل مواقف جديدة و وعي بأهمية و ضرورة الفعل السياسي. كما أن فرصالنقاش و التداول و كذا التفاعل في مواضيع تهم الشأن العام التي تتيحها هذه الشبكات الافتراضية تنمي الوعي بأهمية و ضرورة الفعل والمشاركة السياسيين.

الرأي الثالث يدعو إلى تجاوز نقاش وجود تأثير من عدمه سواء السلبي منه أو الايجابي و الانكباب على تحليل الأنماط الجديدة للتعبير والفعل على شبكات التواصل الاجتماعي. فقد تكون بالفعل هذه الوسائط الجديدة عمقت عزوف العديد من المنخرطين عن الانخراط و الإسهامفي العمل السياسي عبر المؤسسات التقليدية للوساطة من أحزاب و نقابات، لكن لا يمكن أيضا نكران أنها فتحت أفاق واسعة و جديدةللتعبير و الفعل بل و حتى التأثير على القرارات و السياسات العامة. نحن إذن إزاء أنماط جديدة للمشاركة السياسية أكثر جاذبية و فعاليةلاعتمادها بالخصوص على الصورة و السخرية الهادفة.

انسجاما مع هذا الطرح الأخير, نرى أن شبكة فيسبوك لا تشكل فقط وسيطا إضافيا إلى جانب الصحافة و الراديو و التلفاز. لقد أضحتتخلق الأحداث وتجعل الوسائط الأخرى تتفاعل معها, مما يزيد من حجم و مدى تأثيرها, علاوة على أن هذه الوسائط متواجدة هي نفسهاعلى هذه الشبكة الاجتماعية. و لتزكية هذا التأثير, سنتناول كمثال حملة المقاطعة لعلامات تجارية معينة و التي انطلقت و لا زالت جارية علىشبكة فيسبوك.

قبل الخوض في التفاصيل تجب الإشارة أن أخر الدراسات خلصت إلى أن أزيد من 23 مليون شخص يرتبطون بالشبكة العنكبوتية, أزيدمن نصفهم يرتبطون بها بطريقة يومية, كما بينت المعطيات أن شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة “فيسبوك”، تعد أول استخدام للإنترنتعند المغاربة. هذه الأرقام ستشهد لا محالة تصاعدا مستمرا بفضل الانتقال المتزايد نحو الانترنيت النقال. نحن إذن إزاء تحولات عميقة فيأنماط استهلاك المعلومة و أساليب التواصل لذا المغاربة كما تؤشر عليه بوضوح حملة المقاطعة المشار إليها أعلاه.

نقطة بداية هذه الحملة كانت نشر صفحات على فيسبوك نداءات تحث منخر طيها على العزوف عن شراء و استهلاك ثلاث علامات تجارية.هذا النداء تلقى تجاوبا و قبولا واسعين ولم يتأخر انعكاسه السلبي على مبيعات هذه الشركات.

وبغض النظر عن الخلفيات السياسيةالمحتملة للمبادرين لإعلان هذه الحملة, و كذا المشروعية الأكيدة لحملة المقاطعة من لدن المستهلكين, سنكتفي في هذه المقالة بتبيان إلى أيحد ساهمت شبكة فيسبوك في التأثير على السلوك الاستهلاكي للعديد من زوار شبكة الانترنيت, بل حتى على سلوكهم السياسي نظرالتداعيات هذه الحملة على النقاش العام.

إن من أهم خاصيات شبكة فيسبوك إمكانية إنتاج و نشر مضامين جديدة من طرف أي كان. لكن قوة هذه الشبكة في نظرنا تكمن فيإمكانية تقاسم هذه المنشورات مع ”الأصدقاء” بسهولة و بشكل أني, مما يتيح لها انتشارا واسعا و سريعا. و الأهم من هذا و ذاك هواكتساب هذه المنشورات لمزيد من المصداقية نضرا لأنها مقترحة من أشخاص ينتمون لشبكة معارفنا, و تكون في الغالب مصحوبة بعناوين وتعاليق تزكيها, مما يضاعف قدرتها على الإقناع و التأثير على مواقف و سلوكيات المستهدفين.

بالرجوع إلى مثال المقاطعة المشار إليه أعلاه, نستخلص أن شبكة فيسبوك نجحت بالفعل في التوعية بإشكالية الغلاء و جعلها محط تفكير منلدن الشركات و الدولة على حد سواء.

والأدهى من هذا هو التوعية بأهمية و فعالية المقاطعة كسلاح بين أيدي المواطنين, سلاح لن يقتصربالتأكيد استعماله في مواجهة جشع بعض الشركات بل سيمتد إلى سياقات أخرى تهم بشكل مباشر أو حتى غير مباشر المعيشة اليوميةللمواطنين.

إن نجاح حملة المقاطعة في التأثير على مواقف و سلوكيات العديد من المواطنين لا يرجع فقط إلى وظائف النشر و التقاسم التي يتيحهافيسبوك مما جعل المعلومة تصل في سرعة قياسية إلى الجميع, بل بالخصوص بفضل قوة الإقناع التي طبعت المضامين المنشورة. فقد حرصالناشرون لهذه المضامين على استعمال لغة بسيطة و ملخصة في نداءات متتالية موجهة مباشرة إلى الفئات المتضررة من الغلاء. كما أن هذهالمنشورات تستعين بلغة الأرقام والبيانات لإعطاء مزيد من المصداقية للرسائل المراد توجيهها للمستهدفين. دون نسيان أن هذه الصفحات لاتتوانى في تبيان و نشر و في بعض الأحيان تضخيم الهفوات و الأخطاء التي سقطت فيها الشركات المستهدفة في تدبير أزمتها.

إضافة إلى هذا, تعتمد هذه الصفحات في صياغة المضامين و بشكل كبير على الصورة سواء كانت ثابتة او متحركة. وكما هو معلوم يتيحالجيل الجديدة للويب أمام الجميع تطبيقات و برمجيات تساعد على فبركة الصور و تعديلها و نفس الشيء بالنسبة للفيديوهات. بفضل هذهالخاصيات المتاحة على شبكات التواصل الاجتماعي لم يعد فن وكذا الكفاءات المرتبطة بالصورة حكرا على المتخصصين, مما وسع منهامش الخلق و الإبداع لذا منخر طي هذه الشبكات الشيء الذي زاد من جاذبية و فعالية المنشورات.

وفي إطار دائما خصائص المضامين الرائجة بقوة على فيسبوك في العلاقة مع حملة المقاطعة يلاحظ التركيز على السخرية و حس الدعابة مناجل تمرير الرسائل للمستهدفين. إن هذه الميزة في نظرنا جعلت المتلقين أكثر قابلية لفهم و استيعاب هذه الرسائل, مما انعكس على تشكلمواقف جديدة لديهم, علاوة على ما لها من تأثير على مستوى عودة و وفاء هؤلاء لهذه الصفحات.

و في الختام, يمكن القول إن شبكة فيسبوك لم تشكل فقط حاملا أو وسيطا لحملة المقاطعة بإتاحة إمكانية المبادرة بالدعوة إليها, بل كان لهاالدور الكبير في سرعة و كثافة انتشارها, والأكثر من هذا نجحت هذه الشبكة في إقناع و حشد العديد من الأشخاص من اجل المشاركة فيالمقاطعة, مما يؤشر على تحول عميق في نمط الاحتجاج السلمي.

ولعل نجاح هذه الحملة الالكترونية للمقاطعة هو الذي جعل المعنيين بها, سواء الشركات أو الفاعلين الحكوميين, يتفاعلون أخيرا معها وينخرطون في البحث عن الحلول لتجاوز تداعياتها الكبيرة. القضية في نظرنا, بفضل فضاء النقاش الذي أتاحته شبكة فيسبوك, تجاوزتأثمان منتجات معينة لتساءل منظومة اقتصاد السوق ببلادنا و كذا علاقة المال بالسياسة. والاهم من كل هذا هو مساهمة شبكات التواصلالاجتماعي في التوعية بأهمية و فعالية المقاطعة كسلاح بين أيدي المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى