العربي باطما …صوت الطبقات المهمشة بالمغرب
خرجت الظاهرة الغيوانية من رحم المعاناة إبان نهاية الستينيات حتى حدود نهاية الالفية الثانية، في مجتمع مغربي كان يعيش في ظل واقع اجتماعي وسياسي صعب ومتقلب ، إنعكس على كل الانتاجات الثقافية أنذاك، ومستلهما من غنى ثراث شعبي غني بروافد المجتمع ، أبدعت فيه مجموعات غنائية تضم أشخاص وراء ظهورها، من بينهم عضو فرقة ناس الغيوان، العربي باطما.
بمنظره البسيط الذي يحيل الى ظاهرة ” الهيبيز ” أنذاك ، أبدع العربي باطما الرجل البسيط بشاربه الكث وشعره المنفوش ، الذي أصبح نجما غنائيا ذائع الصيت شارك الشعب معاناته وآماله وكان صدى لها، من خلال غنائه وألحانه وزجله، وأيضا من خلال كتاباته.
– العربي باطما أسطورة الغيوان
ولد العربي بطمة بقرية أولاد بوزيري في منطقة الشاوية سنة 1948، وسط عائلة فقيرة ، لم تساعده الظروف لإتمام دراسته، وبعدها شارك في مظاهرات تلاميذية تسببت في ايداعه السجن، لكن مهما ذلك، فالمستقبل كان يخبئ للعربي أشياء كثيرة.
كأي مغربي أنتقل العربي بطمة من صنعة إلى ثانية، بل جال وصال في حياته، لتكون الحياة هي مدرسته، بعدما تعثر في مشواره الدراسي، فدخل العمل الجمعوي وبعدها التجأ الى الفن من خلال المسرح، ساهم فيه حبه لتراث الشعبي المغربي، فكان يبحث فيه ويقرأ عنه، ويواصل سفره هذا إلى أوقات متأخرة من الليل، وفي أحيان كثيرة ينسى نفسه داخل البيت لأيام.
هاجرت عائلته من القرية بمنطقة الشاوية، بحثا عن فرص عيش جديدة بالدار البيضاء، انخرط العربي في جمعية المنار الذهبية بالحي المحمدي عام 1964، ثم التحق بجمعية “رواد الخشبة” المسرحية، وفيما بعد التحق بفرقة المسرح البلدي، تحت إشراف الراحل الطيب الصديقي.
في هذه الفترة، تعرف على بوجميع وعمر السيد وعلال، الثلاثة من أبناء الجنوب المغربي يعلى وعبد العزيز الطاهيري… هؤلاء جميعا، ومعا، سيكونون النواة المؤسسة لفرقة موسيقية ” ناس الغيوان” ، ستكون بعد ذلك إحدى أهم الفرق المغربية التي ستمثل صوت الطبقة المهمشة في المغرب، كصدى لإحباطاتها ومعاناتها، في ظل واقع سياسي مضطرب آنذاك.
ولعلى بعض مما روي العربي بطمة في سيرته الذاتية، “الرحيل”، أنه كان يوما مصابا بمرض الرمد، فأخذته أمه… لا، لم تأخذه إلى طبيب، أخذته إلى معلم كناوي في كاريان سنطرال ليعالجه بـ”الودع”. غير أنه، حين أخذ الكناوي يعزف “السنتير”، دخل الطفل باطما في نوبة “جدبة”، اندهشت لها والدته.
انكشف لأم العربي، أن طفلها مولوع الواقع بالتراث الشعبي المغربي، فكان يبحث فيه ويقرأ عنه، ويواصل سفره هذا إلى أوقات متأخرة من الليل، وفي أحيان كثيرة ينسى نفسه داخل البيت لأيام حتى اصبح زجال بارع.
– الغيوان و سؤال ” مهمومة” ؟؟
يبدو ان كل محبي الظاهرة الغيوانية سيكتشفون ان اغانيهم خالدة وتجيب على أسئلة الحاضر للمجتمع المغربي، بواقعه الاجتماعي المتدبدب والسياسي المتعثر. الاغنية الشهيرة ” مهمومة هاد الدنيا مهمومة” لازالت خالدة تبعث في الروح كل الاخفاقات والانهزامات التي يتعرض المواطن المغربي في حياته، والتي تدخله في نفق البحث عن أجوبة ممكنة لواقع الحال، كما ان الطبقات الهشة تجد في اغنية ” عايشين معيشة الدبانة في لبطانة” في فهم الفوارق الاجتماعية بالمغرب، وتوسيع الهوة بين الطبقات التي نجدها الان، كما ان أغنية ” سبحان الله صيفنا ولى شتوة” بدورها يرددها المواطن المغربي بحسب المتغيرات المناخية وإن كان القصد من الكلمات الواقع السياسي أنذاك، لكن توظيفها الأن في المناخ يجد أجوبة لها كل مولوع بالظاهرة الغيوانية .