العام الجديد وتهمة الفرح..
مصطفى لغتيري
هكذا نجد أنفسنا عند نهاية كل سنة وبداية سنة جديد متهمين بارتكاب جنحة الفرح، وكأننا قد ضبطنا في حالة تلبس مدججين بأسلحتنا الثقيلة والخفيفة، التي ليست سوى قطعة من حلوى صنعت على عجل، تختلس لنفسها مكانا في متجر يحاصرها عنوة، وبالونات مزركشة بألوان باهتة، وشموع تتراقص شعلاتها في خجل، تعبر عن فرح مرتبك يتهادى في دواخلنا، ويخشى أن يطفو على السطح، حتى لا نتهم بالجرم الأعظم، ألا وهو تقليد باقي الأمم مسحييها ووثنييها، خاصة في اقتراف جريرة استقبال سنة شمسية جديدة، وقلوبنا منفتحة بأمل متزايد بأن تكون سنتنا هذه خيرا من سابقاتها.
في نهاية كل سنة نجد أنفسنا مضطرين لتبرير محاولة الفرح، لأولئك الذين اختاروا أن ينصبوا أنفسهم أوصياء عنا دون أن يوكلهم أحد لفعل ذلك، في غفلة منا امتطوا صهوة عنجهيتهم، وامتشقوا سيوف حقدهم، وطفقوا يملون علينا ما يحل لنا وما لا يحل، ويحددون لنا ما يحق لنا القيام به وما لا يحق، وما درجة الفرح التي يتعين علينا أن نشعر بها، دون أن يفوتهم تحديد الطريقة المثلى التي يتعين علينا التعبير بها عن هذا الفرح، والوقت المناسب لفعل ذلك.
هكذا يجعلوننا بالرغم عنا نحيا رهائن في “غيتو” منعزل عن باقي العالم، لا يحق لنا أن ننتمي إلى ما يجمع الإنسانية من مناسبات، حتى وإن كانت هذه المناسبة رمزية تتميز باحتفال رمزي، نتذوق فيها قطعة من حلوى، لا تقدم ولا تؤخر، هي في نهاية المطاف رمز للحلاوة التي نتمنى أن تكون عليها سنتنا القادمة.
في كل مناسبة مهيأة للفرح يشهرون علينا نفس الكلام المكرور ، من قبيل البدعة والولاء والبراء، ودار الاسلام ودار الحرب وهلم كلمات عفا عنها الزمان وأكل الدهر عنها وشرب، ولم تعد تفيد سوى في أنها تعبر عن درجة الحقد التي تملأ قلوب من يحملونها.
أيها السادة، كفوا رجاء عن ترديد هذه المبررات الحمقاء، فهي لا تقنع أحدا، واعلموا أن منطق البدعة الذي تحملونه في عقولكم وتتعصب له قلوبكم لم يعد يساير منطق العصر، وانظروا فقط إلى أنفسكم، لتكون لكم عبرة، فلباسكم بدعة ومسكنكم بدعة وسياراتكم بدعة وهواتفكم الذكية التي ترهبوننا بها بدعة، وكل ما استجد في الحياة يدخل فيها هذا الحكم الذي تفرعون به رؤوسنا ليلا ونهارا.
أما أن يكون الاحتفال برأس السنة مسيحيا، مما يبرر لكم منعه عنا، فلنسلم بذلك جدلا، فاعلموا على سبيل المثال لا الحصر أن عيد الشغل وعيد الأم وعيد المرأة وهلم أعياد، ترون فيها أعيادا للمسيحيين ونرى فيها أعيادا للأنسانية جمعاء، توحد شعورها وقلوبها تجاه قضايا إنسانية ملحة، وتشرع بابا للسعادة والفرح ومستقبلا أفضل للبشرية جمعاء. فهل نكف عن الاحتفال بها كذلك؟
أيها الناس، حين نحتفل ببداية سنة جديدة فنحن نحتفل ببداية سنة شمسية جديدة ولا علاقة للمسيح بذلك، فلا يكفي أن يكون اسمها ميلادية لكي تكون مسيحية، فهي سنة شمسية، احتفل بها الناس قبل ظهور المسيح نفسه، فكما أن السنة الهجرية هي سنة قمرية بالنسبة لباقي العالم، ولا تجعل منها تسميتها بالهجرية مسلمة خالصة، فكذلك السنة الميلادية، فهي سنة شمسية للعالم أجمع حتى وان سماها المسيحيون ميلادية، ورغم ذلك وحتى لو احتفل بعض المسلمين بولادة المسيح، فما العيب في ذلك؟ أليس عيسى نبيا من الأنبياء الممجدين إسلاميا، والقرآن الكريم قد احتفى به في أكثر من آية وسورة، بل ولا يستقيم إيمان المؤمن إلا بعد إيمانه بجميع الأنبياء وضمنهم عيسى عليه السلام.
لكل ذلك أرجوكم أن تكفوا عنا ألسنتكم ونواياكم وتلجموا حقدكم، ولا تفسدوا فرحتنا بسنة جديدة، نتمناها سنة خير وإخاء ومحبة للجميع، بعيدا عن الحقد والكراهية، وتمييز البشر حسب دينهم ولونهم وعرقهم ولغتهم، فالاختلاف رحمة وغنى ومصدر قوة للإنسانية جمعاء.