مؤتمر الPPS يرفع شعار “البديل الديموقراطي” وسط مخاوف من تقويض الشعار

يدخل حزب التقدم والإشتراكية، مؤتمره الحادي عشر باحثا عن قيادة جديدة لحمل المشعل أمام متغيرات جديدة في سياق دولي يتسم بارتفاع أسهم اليمين المحافظ عالميا، وفي سياق وطني يحمل بين طياته حالة من المخاض الاجتماعي والسياسي والثقافي بالمعنى الأنتربولوجي للكلمة، الذي يصفه المحللون والأكاديميون بالمرحلة الانتقالية…

غياب لأمين عام جديد ذو شخصية كارزمية

كما يدخل رفاق الحزب الشيوعي السابق مؤتمرهم أيام 11و12 و13 بمركب بوزنيقة ، والمعنون بشعار “البديل الديمقراطي التقدمي” محملين بعلامات استفهام حول المشروع الفكري والسياسي للحزب في خضم متغيرات عديدة، حيث جرت تحت الجسر مياه كثيرة، وتغيرت مواقع كثيرة في الخريطة السياسية بالمغرب منذ دستور 2011، على رأسها موقع الفاعل السياسي داخل هذه التغيرات ومحاولة تقديم إجابات حول أسئلة الرفاق، خاصة ما يتعلق بالأمين العام الذي سيقود سفينة الحزب خلال الأربع سنوات القادمة، أمام عائق تحديد معالم هذا الأمين العام وما يرتبط بالشخصية الكاريزمية القادرة على تجميع المشتت ويخلق اللحمة القوية بين الرفاق؟

وأمام غياب مرشح واضح للأمانة العامة للحزب، إلى حدود كتابة هذه الأسطر، هل سيضطر الحزب “تمديد” ولاية الأمين العام الحالي نبيل بنعبد الله، للعهدة الرابعة، وهو ما سيقوض الشعار الذي رفعه مؤتمر الحزب ويجعله شعارا فضفاضا ومفرغا من محتواه الأساسي، خاصة أن نبيل بنعبد الله يصر في خرجاته الإعلامية منذ مدة على أنه لن يترشح للأمانة العامة.

أمام هذا المأزق السياسي والتنظيمي، يجد أعضاء حزب الكتاب انطلاقا من اللجنة المركزية إلى آخر فرع محلي للحزب، أمام أزمة إنتاج النخب وتجديدها، ويعيد طرح السؤال القديم الجديد المتعلق بالقيادات البيبساوية الغاضبة والمتواجدة خارج أرض الوطن، خصوصا “محمد كرين” سفير المملكة بلبنان، وسعد السعدي أول الرافضين منذ سنة 2012 لسياسة بنعبد الله وطريقة تدبيره لشؤون الحزب، الذي غادره قبل انتهاء أشغال المؤتمر سنة 2013، بعد الأزمة التي كادت تعصف بالحزب أثناء مشاركته في الحكومة الأولى لحزب العدالة والتنمية، وطُرح خلالها مسألة المرجعية الفكرية والايديولوجية للحزب.

عودة النقاش الإيديولوجي

واليوم، وبعد مرور ثلاث ولايات في ظل دستور 2011، قادها نبيل بنعبد الله كأمين عام، حيث تلاطمت خلالها أمواج كثيرة، يجد الحزب نفسه مدعوا لإعادة النقاش حول المسألة الإيديولوجيةبعد تنامي الأصوات الفكرية والسياسية الليبرالية خصوصا، التي تدعم فكرة موت الإيديولوجيا، وتعويضها بفكرة مجتمع الإستهلاك، الذي إنتقده بشدة الفيلسوف والمفكر الأمريكي الألماني هربرت ماركوز في كتابه “الإنسان دو البعد الواحد” وغيره من مفكري مدرسة فرانكفورت للنظرية النقدية . وصعود أشكال سياسية جديدة بدون غطاء سياسي أو إيديولوجي يتم نعتها غالبا بالشعبوية كتجربة “إيمانويل ماكرون” في فرنسا و”قيس سعيد” في تونس.

حيث حرص حزب التقدم والإشتراكية على تضمين مشروع وثيقته السياسية، التي أصدر قبل شهرين من انعقاد مؤتمره الحادي عشر، حيزا مهما من النقاش حول الايديولوجيا الإشتراكية الماركسية، منبع كل اليسار عالميا، من أجل تجميع اليسار في المغرب.

وبالرغم من النَفَس الإيجابي الدي تضمنته الوثيقة السياسية، بخصوص عودة الفكرة اليساري عالميا، وما تطرحه هذه الفكرة من علامات استفهام، بعد الشتات الذي أصاب اليسار إثر سقوط جدار برلين، في 9 نونبر 1989، وتعدد تعريفات اليسار، وتمسك كل تجربة يسارية على حدة بتعريفها لليسار، ومن ثم التمسك بفكرة المشروعية والأحقية في تمثيل الايديولوجيا الماركسية الأم، وبالرغم من كل هذا وغيره، أكدت وثيقة رفاق بنعبد الله أن “السنوات الأخيرة عرفا إنتعاشا نسبيا لليسار العالمي، فكريا وسياسيا بعد سنوات من الخفوت في ظل الإعلان التضليلي عن “نهاية الأيديولوجيا”.

تفاؤل يساري باليساري

وتناولت الوثيقة السياسية للحزب التي تم تداولها إعلاميا وخصصت لها قيادة الحزب حيزا كبيرا من الاهتمام وتسليط الضوء عليها، إذ تضمنت تفاؤلا مغريا للفكر اليساري وطنيا ودوليا واعتبرت أن : ” السنوات الأخيرة عرفت إنتعاشا نسبيا لليسار على المستوى العالمي، فكريا وسياسيا، بعد سنوات من التراجع والخفوت، بعد انهيار التجربة الواقعية الاشتراكية وسيادة العولمة الرأسمالية، لدرجة أن منظري الرأسمالية رؤوا لفكرة واهية تدعي نهاية التاريخ والانتصار النهائي للرأسمالية، وأصيبت قوى اليسار بصدمة، بل بزلزال فكري وإيديولوجي، أضعف مؤقتا ثقتها بنفسها وقدراتها على النهوض والتفكير والفعل السياسي.

فإنكمشت على ذاتها لسنوات، باحثة عن سبل الخروج من أزمتها الإيديولوجية والسياسية، وعن سبل فهم وتجاوز أسباب إنهيار منظومة لطالما جسدت سندا لكل اليسار في العالم، وأملا لكل الشعوب المقهورة والطبقات المستضعفة”، مشيرة إلى أن “منطق الديالكتيك والصراع الطبقي كمحرك للتاريخ، والذي ظل مستمرا رغم الإعلان التضليلي عن “نهاية الإيديولوجيا” من طرف منظري الرأسمالية، كان لابد أن يفرز نهضة لليسار على المستوى الفكري وعلى مستوى الممارسة السياسية. وهكذا بزغت في مناطق مختلفة من العالم حركات يسارية جديدة عززت القوى اليسارية القائمة. كما ظهرت أشكال جديدة من مقاومة الراسمالية والإمبريالية تمثلت أساسية في ائتلافات تضم قوى يسارية وحركات اجتماعية بتلوينات متعددة، وذلك من أجل تقديم البديل عن النيولبرالية والعولمة الرأسمالية.

وزادت :”تقدم هذه الحركات والائتلافات والتحالفات الناجحة درسا مفاده أن الوحدة في الطريق الأنجع إلى تحقيق التغيير نحو الأفضل”،

عودة أفكار اليسار :

بهدا العنوان المغري دبجت الوثيقة السياسية للحزب المغربي الشيوعي السابق، أفكارها، وربما تناست صعود الأصوليات البرغماية -الاسلام السياسي- والتي أظهر التاريخ أنها أكثر واقعية، وأقل طوباوية في عاملها مع الواقع.

وتجدر الاشارة هنا، إلى أن فكرة الطوباوية هي “التهمة” التي واجهت الايديوليوجيات وشرعنة لفكرة “موت الايديولوجيا”.

تقول الوثيقة السياسية:” في كل العالم، شكلت جائحة كورونا مناسبة لعودة الفكرة اليسارية إلى الواجهة، وتأکید نجاعتها، أمام عجز بين للمقاربات الليبرالية عن مواجهة تداعيات الجائحة على الاقتصاد والمجتمع، هكذا برز دور الدولة أساسا، وحضر القطاع العمومي بقوة، وعلى الخصوص المستشفى العمومي والمدرسة العمومية، وتصاعد الاقتناع بضرورة تأميم القطاعات الإستراتيجية، كما تم اللجوء إلى تقديم دعم الدولة المباشر للفئات الأكثر تضررا”.

و تابعت، “كل ذلك يعبر عن انتصار لأفكار ومقاربات اليسار، سيكون له ما بعده، خاصة أن الرأسمالية تعيش أزمة بنيوية تغلبت عليها في الماضي باللجوء لأفكار يسارية، من قبيل توجيه الاقتصاد وتخطيطه، والرفع من الأجور وتعميم الحماية الإجتماعية والإعتماد على الخدمات العمومية. غير أن هذه العودة القوية لأفكار اليسار، يتعين استثمارها من قبل القوى التقدمية في كافة بلدان العالم، وفي نفس الوقت فإن هذه المرحلة مناسبة من أجل استنهاض المبادرات المشتركة وإحياء العمل المشترك بين مختلف هذه القوى اليسارية، في إطار مبدأ التعاون والتضامن، وذلك دفاعا عن القيم المشتركة”.

دون استحضار جيد وتعميق للنقاش حول فكرة “مرونة الليبرالية” في التعامل مع الأزمات، وخير دليل على دلك أن الولايات المتحدة الامريكية أو “العام سام” بلغة اليسار، لم تجد أدنى حرج في التدخل لانقاد اقتصاد “الليبرالي” من الإنهيار خصوصا في أزمة سنة 2008.

غضب الرفاق على إقصائهم من طرف بنعبد الله

حيث تم تداول قبل أيام أخبارا تفيد بأن الأمين العام بنعبد الله يسعى إلى تكميم أفواه الغاضبين والمنشقين قبل موعد المؤتمر، الذين شجبوا ما قام به الأمين العام نبيل بن عبد الله، الذي عمل على منعهم من تنظيم ندزة صحفية بمقر نادي الصحافة بمدينة الرباط، ولم يصدر أي بلاغ أو بيان توضيحي من طرفه لنفي الخبر، واضطر المنشقون إلى الاكتفاء بتقديم تصريحات صحفية لعدد من المنابر الإعلامية التي حجت لتغطية الحدث، وأكد المنشقون عن التقدم والاشتراكية، أن الأمين العام هو من منع هذه الندوة مخافة أن يكشف من يخالفونه الرأي التخبطات والاختلالات التي يعرفها الحزب.

وفي مدينة فاس أصدر أعضاء حزب التقدم والإشتراكية بمقاطعة فاس المدينة بيانا يستنكرون عبره الإقصاء و التهميش الذي تعرضو له من طرف الكاتب الإقليمي للحزب، حيث عبروا عن تفاجأهم من عدم إخبارهم أو التواصل معهم بخصوص إطلاق عملية تجديد الانخراطات في الحزب ، واحتكار المعلومة من طرف الكاتب الإقليمي وتقاسمها فقط مع بعض الأشخاص الغرباء على الحزب بهدف السيطرة على الهياكل التنظيمية المحلية والإقليمية.

الولاية الرابعة لنبيل بنعبد الله

وكعادة الرفاق في الحزب الشيوعي فإن الأمين العام لا يرشح نفسه، من باب “التواضع النضالي”، وعادة ما يتم ترشيحه في الدقائق الأخيرة من انتهاء عملية الترشيح، حيث يتقدم رئيس الجلسة بالمؤتمر الوطني ويرشح الأمين العام، الذي يقبل ذلك نزولا عند طلب ورغبة المؤتمرين، وهو ما حدث في أكثر من مؤتمر، تم خلالها تجديد ولاية بنعبد الله،

وفي آخر خرجاته الإعلامية قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، إنه لم ولن يضع ترشيحه لقيادة الحزب لولاية جديدة، وذلك خلال المؤتمر الوطني الـ11 المزمع تنظيمه أيام الـ11و12و13 نونبر الجاري ببوزنيقة، والذي ما تزال الترتيبات والتحضيرات له جارية على قدم وساق، مؤكدا أن موقفه من الترشح كان واضحا منذ البداية حيث أخبر “رفاقه” منذ سنوات بنيته عدم الترشح لشغل منصب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكي من أجل التجديد وإعطاء نفس جديد، غير أن هناك رأي عام داخلي حزبي متشبث باستمراري”. يقول بنعبد الله.

كما أعرب “شيخ الرفاق” عن أمله، خلال ذات الخرجة الإعلامية، في أن يتم فرز إسم يخلق حوله إجماع لقيادة الحزب خلال السنوات المقبلة ومستعد لتكريس وقته وجهده لتوحيد الصف، مضيفا “أنا كما عاهدت نفسي والرأي العام الوطني، لن أقوم بوضع ترشيحي”، مشددا على أن المؤتمر سيد نفسه.

وأوضح، أن الحزب يتوفر بين صفوفه العديد من الأسماء التي يمكنها أن تقود السفينة، مشيرا إلى أن المشكل يكمن في كيفية خلق توافق وأقصى ما يمكن من الرغبات والآراء والطاقات الحزبية حول هذا “الرفيق” بعد انتدابه في مسؤولية الأمانة العامة للحزب.

ويبقى السؤال مطروحا هل من الديمقراطية في شيء أن يتولى أمين عام أربع ولايات متتالية؟ وهو الذي يرفع شعار مؤتمر “البديل الديمقراطي التقدمي” ؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى