رفع دعوى ضد ندى حاسي..من أعطى الحق لبعض الجمعيات للترافع بإسم المغاربة؟
كثرت في الآونة الأخيرة بعض الجمعيات و المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان و عن مصالح المواطنين و عن المال العام و عن المستضعفين و المقهورين وهلم جرا من العبارات الفضفاضة التي تدغدغ المشاعر، مستغلة بعض الثغرات القانونية تارة و بعض المواضيع المثيرة للجدل تارة أخرى، للركوب على الموجة و البروز للعلن قصد غايات يعلمها جيدا أصحابها و بعيدة كل البعد عن الهدف الأسمى الذي تحمله وثائق تأسيسها القانونية.
جمعيات و منظمات تناسلت كالفطر بسبب ما أضحت تدره على أصحابها من مغانم معنوية و قبلها مادية، حيث و في كل حدث يخلق ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي و يحظى بنسب مشاهدة عالية تجد تلك الجمعيات تتسابق للبحث عن مكان في واجهة الحدث.
المقال هنا نسوقه من قضية اليوتوبرز الحديثة العهد بالشهرة ندى حاسي، التي استأثرت بواجهة المقاطع الأكثر مشاهدة خلال الأسابيع الأخيرة بالشبكة العنكبوتية رفقة نزار و الملولي، هذا الثلاثي الذي نشر بشكل منفصل عشرات الفيديوهات مؤخرا تختلف مضامينها لكنها تتوحد في هدف واحد هو “أرباح الأدسنس”.
لن نخوض في تفاصيل محتوى ندى و رفاقها، ولا في جودته و لا القيمة المضافة التي سيقدمها للمجتمع، فمادامت مقاطعهم تحظى بنسب مشاهدة قياسية فما علينا سوى أن نذعن لمقولة “الأذواق تختلف وتحترم” و “لكل حدث متتبعيه”، رغم أن الأمر في الواقع لا يعدو أن يكون “تفاهة” مغلفة بطابع الشعبية و الشعبوية في الحين ذاته، و كما سبق و قلنا بعض الفئات عرفت من أين و كيف تؤكل كتف “دولارات الأدسنس” فسبحت في ذات التيار الذي يحظى بالسواد الأعظم من المشاهدات.
الأمر الذي لا بد من إثارة النقاش بخصوصه، ونحن نتحدث عن قضية ندى و نزار و هشام، هو أن إحدى الجمعيات التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان و الحريات ببلدنا قامت برفع شكاية قضائية ضد المدعوة “ندى حاسي” بسبب ما اعتبرته ذات الجمعية في إحدى بلاغاتها “استحمارا للمغاربة”.
الغريب في الأمر أن الجمعية و قبل الخوض في ماهية و تفاصيل الشكاية و الهدف الحقيقي منها، فهي تتناقض مع تسميتها، حيث أنها تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات كمسمى و في ذات الوقت ترفع شكاية بسبب “حرية التعبير” والذي من المفروض أن تدافع عنه.
لا بد من التذكير أننا هنا لا ندافع على ندى حاسي و من معها و لا على أمثالهم، و موقفنا كان واضحا منذ البداية بتجنب الخوض في هذا الموضوع منذ تفجره على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، و لكن يجب التذكير بأن عددا من الجمعيات و بالأخص الحقوقية منها وفي مقدمتها تلك التي لا مكان لها في خارطة العمل الجمعوي و الحقوقي الميداني تجد من مثل هاته الأحداث مطية للظهور للعلن و قضاء مآرب خاصة.
التساؤل الذي يجب أن يطرح، من فوض لمثل هاته الجمعيات التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان و الحريات الترافع بإسم المغاربة؟ و من خولهم الحق في الحديث بإسم المغاربة، أوليس المغاربة هم من يشاهدون بالملايين فيديوهات نزار و ندى و هشام؟ ثم أليس المغاربة هم من صنعوا شهرة هذا الثلاثي بتتبعهم لمقاطعهم و لايفاتهم شبه اليومية بمنصات التواصل الاجتماعي حتى و إن اختلفنا معهم؟
لماذا اختارت هاته الجمعيات “التي لم يسمع بها من قبل” موضوع “ندى ومن معها” لرفع شكاية للقضاء و غابت حين تعلق الأمر بمواضيع تهم الشعب بشكل ملموس، قضية أساتذة التعاقد كمثال الذين تعرضوا لسوء معاملة من بعض المحسوبين على عناصر السلطة، لماذا لم تكلف هاته الجمعيات التي تدعي دفاعها عن الحقوق و الحريات نفسها للترافع و الدفاع عن حقوق هاته الفئة العريضة من أبناء المغاربة؟
لماذا لم تترافع هاته الجمعيات “المناسباتية” حين تعلق الأمر بآلاف العمال الذين طردوا من عملهم خلال الجائحة و توقفت موارد رزقهم؟ أليسوا مواطنين بدورهم؟ لماذا لم نسمع بهاته الجمعيات حين فرض على عدد من المواطنين المغاربة المبيت في العراء بعد هدم براريكهم؟ لماذا لا نسمع تلك الجمعيات تترافع دفاعا عن كرامة المواطنين المقهورين و رغبة في تحسين سبل عيشهم؟ لماذا لا تتسابق بعض من هاته الجمعيات الانتهازية للدفاع عن طلبات مواطنين عزل يعيشون في أعالي الجبال و في المغرب المهمش يموتون بردا و يعانون جوعا و يفتقدون للماء الشروب و للمدراس و المستوصفات و شروط العيش الكريم؟ أم أن هذا الأمر لن يعود بالنفع عليهم مادامت عدسات و أضواء الكاميرات غير موجودة هناك بنفس الحدة التي تسلط على قضايا من قبيل “ندى و رفاقها”؟
تقاداو المواضيع لي نترافعو فيهم؟ بقات غير ندى حاسي باش نرفعو عليها شكاية؟ على تلك النماذج من الجمعيات أن تستحيي، على الأقل مادامت مواقفها مبحوحة و غائبة في القضايا التي تهم المغاربة، أما أن تختفي دهرا و تظهر فجأة، فعذرا لكن لا فرق بينها و بين من يبحث عن “دولارات الأدسنس”، الفرق فقط في الكيفية و السبيل، مع كل الاحترام للجمعيات التي تحترم نفسها و تشتغل بقناعات راسخة و تحركها مبادئ ثابتة نابعة من عمق القضايا الواقعية و الراهنة للمغاربة وليس من شيء آخر.
و حتى نختم، مادامت ندى و أمثالها يجدون هالة من مشاهدي محتواهم فسيظل واقع الحال على ما هو عليه، التفاهة يصنعها المشاهد، و على تلك الجمعيات أن تنكب على توعية المواطنين عوض الترافع بإسمهم في قضايا واهية خصوصا حين يتعلق الأمر بحرية التعبير، باراكا من المزايدات و التفاهات بإسم “حقوق الإنسان”…