انفتاح الأحزاب على الشباب …بين الحقيقة والاوهام

شكل إعادة انتخاب ” امحمد لعنصر” أمينا عاما لحزب الحركة الشعبية المغربي لولاية تاسعة أهم حدث حزبي بعد دستور 2011، الوضع أثار جدلا كبيرا ليس بين النخب بشكل الكلاسيكي، لكن الامر تعلق بتدوينات فايسبوكية لمختلف شرائح المجتمع، وعلى الرغم ان السواد الاعظم اعتبر ذلك تراجعا عن روح الاصلاح الحزبي في البلاد، واشارة قوية على أن الشباب المغربي لازال بعيد عن ” القيادة والزعامة” في ظل سيطرة الشيوخ على المشهد الحزبي بالبلاد.

“هبة بريس” ستحاول تسليط الضوء على ظاهرة إستمرار سيطرة ” الشيوخ” على المشهد الحزبي، وما يقابلها من حراك شبابي حالم بتقلد المسؤوليات واعادة ضخ الدماء في المشهد الحزبي المصاب بالشلل، الى جانب التطرق الى الاشكاليات الكبرى التي لازالت تعرض فئة الشباب لتسلم مشعل الاصلاح والمساهمة في خلق مشهد حزبي ” عادل” غير مقيد، يدفع بخلق التنمية وإنماء الديمقراطية في تقلد المهام في جل مؤسسات الدولة.

معيقات الإصلاح السياسي والإقتصادي بالمغرب

مهما تعاقب الحكومات وتوالي زعامة ” الشيوخ” على الأحزاب السياسية بالمغرب، وتلميع واجهة ” الاصلاح” لن يتمكن كل هذا من حل مشاكل التنمية والرفع من قيمة الإقتصاد الوطني وتحقيق التكافل الإجتماعي إلا إذا توفرت إرادة فاعلة لكل القوى الحية في البلاد، بتسليم ” القيادة” للاطر الشابة المؤهلة القادرة رؤى بعيدة المدى واستراتيجية محكمة وهادفة وبناءة للمشهد السياسي المغربي بشكل عام.

فليس المهم فيمن وصل من الشباب لقيادة الاحزاب “اليسار الوسط واليمين ” في نظري ولكن الأهم هو ما مدى صلاحيات الحزب الحاكم وما مدى تدخله في التسيير السياسي ..وأقصد بتدخله هنا ..أي ما حجم التدخل المشرعن له من طرف القانون والدستور .. علمنا سبقا أن القانون فوق الجميع ..وأن على الحاكم والمحكوم أن ينصاع له.. لأنه يصاغ من طرفهما على السواء عن طريق الإعداد من طرف الحكومة الدولة والمصادقة على بنوذه من طرف البرلمان بغرفتيه النواب والمستشارين ..وما يتم بالتوافق عليه لا مجال للطعن فيه .

لكن الخلل هنا في مدى اتباع القانون والعمل به والحرص على تطبيقه كما هو من طرف أجهزة القرار وأقصد بهاته الأجهزة التشكيلة الوزارية وعلى رأسها وزارة الداخلية التي تشرف على مراقبة جودة التسيير لمختلف القطاعات وتمد بالرخص وتسهر على توفير الأمن والأمان اللازمين لتطبيق القرار الحكومي .

لكن الخلل يأتي مما لا يتوقع منه الخلل ..ففي الوقت الذي ينص القانون على أن وزارة الداخلية يجب أن تكون مستقلة عن مؤسسات الدولة وغير تابعة لها من جهة الأمر والنهي نرى عكس ذلك يجري على أرض الواقع ..فوزارة الداخلية هي الدولة في نفس الوقت، فهاته الوزارة الوصية تتأثر بالجهاز ” المراقب المتحكم” وتخضع لتوصياته التي قد لا تتماشى مع واقع القانون بل يمكن ان تنزاح عنه في اوقات معينة لظروف ومتغيرات في المشهد الحزبي بالبلاد.

وفي الجانب الاقتصادي يحدد هذا الخلل في استمرار ” الريع ” من ضمنه الرخص التي تعطى من غير وجه حق لسياسين وبرلمانيين وعسكريين لا لشيء إلا لأنهم من ذوي الإمتيازات الخاصة ..ومن هاته الرخص ..رخص الصيد في أعالي البحار ..ورخص الإستيراد والتصدير التي تعطى حصرا لبعض المؤسسات الربحية وتحرم أخرى منها مما يخل بنظام تكافئ الفرص والمنافسة الشريفة ..ويخل بتوازنات نظام السوق ..ورخص المقالع الرملية ومقالع الحجارة..وتفويت أراضي العقار والصفقات العمومية لشركات بعينها دون أخرى بدون مزايدات علنية أو منافسة أو فرص متكافئة.. ورخص مأذونيات النقل العمومي بما في ذلك النقل الحضري والنقل الطرقي ..وتلك الرخص يجب أن تخضع لمساطر قانونية ودفتر تحملات والمراقبة والتتبع لأصحابها ويجب أن تخضع لمبدأ العرض والطلب للرفع من الإقتصاد الوطني وخلق التنافسية الحرة بين مختلف المستفيدين ..وهذا هو وجه الحق وتلك هي عناصر الشفافية ومبادئ الديموقراطية ..والتي تروم تحقيق الصالح العام وترمي إلى تحقيق التكافل والتضامن الإجتماعي وفق عدالة اجتماعية سامية يلتزم بها الكل ويتعهد على حفضها الكل ..لكن نجد خلاف ذلك بالمغرب ..حيث تمنح هاته الرخص لذوي النفود وأصحاب الياقات وهم أغنى الناس عنها ..فيكتريها هؤلاء للضعفاء من أبناء هذا الوطن مقابل مبالغ مالية طائلة تعود بالنفع على الطبقة العليا وتزيد من ثرائها الفاحش على حساب الطبقة العاملة الفقيرة التي تكدح من أجل الحصول على لقمتها ..وهذا هو منشأ الصراع الطبقي الإجتماعي في المغرب.

وفي سياق مماثل تبقى “كوابح الإرتقاء الإجتماعي” حاجزا أمام تحقيق العدالة الإجتماعية وضمان سير جودة المؤسسات السياسية التي تسهر على تحقيق القانون بعد تراكم بؤر الفساد السياسي وتزايد التملص من المسؤولية والهروب الى الامام، وخلق الخلافات الفارغة ثارة بين الاحزاب نفسها وثارة بين هذه الاخيرة وأجهزة الدولة .

شباب اليوم ومعه فئات المجتمع ، تنتظر تفعيل الحقوق ( الحق في المساواة والكرامة وتكافئ الفرص وارتباط المسؤولية بالمحاسبة) وتنتظر من الفاعلين الحزبيين تدبير الشأن المحلي وفق أسس حكيمة تخلق التنمية وتبتعد عن الصراعات الفارغة .

الصورة اليوم في نظر الشباب المغربي حول المنظومة السياسية هي أن ساهمت في الإخلال بتوازن جميع المنظومات بما في ذلك المنظومة الإقتصادية والإجتماعية، فاصبحت كابحة لمحرك قاطرتها الدافعة و مجال لتفريخ الفساد .

و يرى الشباب الان ، أن كل فساد في حق المنظومة السياسية إن لم تتم معالجته في الحين سيدرك المنضومات الأخر ويأثر فيها وعليها ..وكلما إستمر التهاون في العلاج كان المرض أسرع في الإنتشار وأقوى في التعمق حتى يصل ذلك إلى هيكل النظام العام بمجمله .

ويشمل وجه الفساد أنماط كثيرة بعضها يرتبط بالاحزاب ، فلا يعقل بعد دستور 2011 ، ان تبقى الاحزاب المغربية تجدد انتخاب ” شيوخها ” وتحرم شبابها من اخد المسؤوليات وبناء مغرب الغد قوي ومتماسك بشبابه ، فما وقع بعدد من الاحزاب خلال هذه السنة فقط لخير دليل على عمق أزمة الاصلاح الحزبي بالبلاد ، إعادة انتخاب بنعبد الله على رأس الحزب الشيوعي ، بالرغم من إعفاءه من مسؤوليته الوزارية من طرف الملك بسبب ملف منارة الحسيمة المتوسط وبالرغم من جبهة رفاقه التي طالبته بعدم الترشح من جديد ، سناريو الاطاحة ببنكيران من أمانة حزب العدالة والتنمية وما اعقبها من معاقبة ” حميد شباط” في حزب الاستقلال، وأخيرا اعادة انتخاب ” لعنصر ” لولاية تاسعة على رأس حزب الحركة الشعبية .

أما بخصوص الجانب الاقتصادي ، فلا زال الشباب بعيد كل البعد عن دخول هذا المجال الحيوي ، بسبب احتكار ” الشيوخ في الاقتصاد” لامتلاكهم رؤوس أموال لم تعرف ” مصادرها” واستمرار تحكمهم في السوق الوطنية واحتكارهم الإنتاج والتوزيع والتصدير لسلع بعينها والتحكم في سعرها ورفعه بما يضاعف نسبة قيمته الربح.. بما لا يقبل دخول مستثمرين جدد ومثال ذلك مجموعات الشركات الكبرى مجهولة ” مالكيها” تحتكر رخص استيراد مواد أساسية الى جانب شركات للأدوية تصنع وتستورد وتبيع بضعف ثمنها ..وهذا قد خل بنظام السوق والمنافسة الحرة .

– الإعفاء الضريبي لغير مستحقيه .

تتبع الجميع ما وقع لعدد من الشباب المقاول، بشمال أكادير بمنطقة ” إيمي ودار ” بجماعة تامري، بعد مرور سنة لازالت مشاريعهم ” متوقفة” بسبب التلكأ في منح التراخيص لهم من طرف الجماعة وبعض المؤسسات، وبالقرب منهم مشاريع لدوي النفود استفادو من كل شيء، بل هناك تلاعب لتلك المشاريع ومالكيها بتواطؤ مع مؤسسات، مشاريع انجزت بطابع ” سياحي” وتم الالتفاف عليها لبيعها للخواص وتحقيق الملايير من الارباح والاستفادة تحت يافطة تشجيع من الدولة لهؤلاء للنهوض بالقطاع السياحي، هناك كذلك الالاف من مقاولات الشباب تعرضت للافلاس في مهدها بسبب غياب مصاحبة الدولة لمشاريعهم ، مقابل ذلك لازالت مؤسسات إقتصادية تحصل على إعفاءات ضريبية بدون وجه حق مما يكلف خزينة الدولة مبالغ هامة وهذا يرقع من جيوب المواطنين .

الشباب المغربي حرم من تفويت أراضي الدولة، ( الخوصصة) هناك لوائح تم نشرها تكشف من استفاد من تلك الاراضي بأثمنة تفضيلية ” مسؤولين في الاحزاب وأرباب شركات كبرى واعيان ومستثمرون أجانب ” .

في سياق اخر تتبع الرأي العام كيف للشركات للعقار لها نفوذ قوي، استفادت من تعويضات خيالية للدولة خصوص في ” السكن الاقتصادي والاجتماعي”، مقابل ذلك ما أنجزته من تجزءات دور سكنية، اكتشف قاطنيها أنها مليئة بالعيوب والاختلالات، الى جانب ان جل المستفيدين يعترفون انهم سلموا ” النوار” لتلك الشركات من اجل الاستفادة من السكن .

– جمعيات للشباب محرومة من الدعم

بعد إنغلاق الافق أمام الشباب المغربي للانخراط في الاحزاب بسبب ” الشيوخ ” فضل الكثيرون التوجه للعمل الجمعوي، باعتباره فضاء أرحب لهؤلاء لتقديم شيء لبلدهم يحقق التنمية المنشودة، لكن لازال هؤلاء الشباب يواجهون غياب دعم جمعياتهم للقيام بواجبها تجاه الوطن، في حين ان البعض من هاته الجمعيات يتلقى الدعم من الحكومة مباشرة ولا يقوم بالمهام المخصصة له في ظل غياب الرقابة والتتبع من طرف الوزارة الوصية .كما يتم جمع تبرعات لها في حملات يروجها اﻹعلام الرسمي دون أن تخضع وادارتها ﻷي مراجعة أو تدقيق للتأكد من ضمان صرفها على الأنشطة المخصصة لها ..والواقع أن تلك العائدات الغير مراقبة من طرف الأجهزة المعنية تعد بمثابة ريع بالنسبة للقائمين عليها لا يقابله أي عمل يبذل في سبيل تحصيلها .

هناك كذلك دعم تقدمه وزارة الداخلية للأحزاب السياسية من أجل القيام بواجبها تجاه الشباب لاستقطابه وتكوينه، لا تخضع في الغالب للمحاسبة ، وخير دليل على هذا أنه مند الانتخابات الماضية لم تقدم جل الاحزاب طريقة صرفها لاموال الدولة ، ولازال المجلس الاعلى للحسابات يراسل زعماء الاحزاب بهذا الخصوص دون حصوله ، ولعلى هذا التلكأ سببه وقوع احزاب في إختلاسات او اختلالات محتملة بخصوص طرق صرف المال العام.

هناك كذلك رواتب تصرف شهريا لموظفين أشباح ثم تعيينهم من طرف الوزارات والمجالس البلدية والقروية دون قيامهم بأي عمل ودون حاجتهم لتلك الاموال، مقابل ذلك نجد الالاف من الشباب الحامل للشواهد العليا ( معطل) والبعض الاخر منه هاجر الى دول اخرى، في حين أنا كل اطار كونته الدولة كلفته خزينتها حوالي 200 مليون سنتيم، ومع احتساب عدد الادمغة المهاجرة بسبب ” العطالة” سنكتشف الملايير من الدراهم صرفت ولم ينتفع الوطن بها.

– مواقف الشباب تجاه الأحزاب السياسية

يشعر الكثير من المغاربة الشباب أن الأحزاب السياسية بعيدة كل البعد عنهم وليس لها مصلحة حقيقية في تمثيل المغاربة، حيث أن المستطلعة آرائهم من طرف مؤسسات دولية أبدوا وصفهم السلبي للأحزاب السياسي وبناء على الأجوبة المحصل عليها، يلاحظ بشكل جلي أن
الأحزاب تعاني من أزمة الثقة.

ومن خلال استطلاعات للرأي قامت بها مؤسسات دولية، اشتكى كل المستجوبون أن مفهوم “السياسية” عند الشباب يختفي مباشرة بعد الانتخابات وأن الاحزاب لا تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها للمواطنين.

وبينما يعترف الكثير بمعرفتهم بأسماء الاحزاب السياسية الكبرى، خصوصا ” حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب الاحرار و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الأصالة والمعاصرة، إلا أن معرفتهم باستراتيجيات هذه الأحزاب وبرامجها تبقى سطحية. كما أن الشباب المغربي ينتقد الأحزاب لفشلها في فهم ما يقلق الشباب، زد على ذلك أنهم يعتبرون أن الأحزاب مغرورة وتعجز عن التواصل مع الناس إلا وقت احتياجها لأصواتهم، وأن الشباب المغربي بات منشغل بثلاث قضايا مترابطة وهي: إصلاح نظام التعليم و معالجة البطالة و الحد من الفساد وضمن هذا السياق، تنتظر الأحزاب السياسية مهمة صعبة تتمثل في إعادة بناء الثقة لدى الناخبين و توجيه رسالة ذات مصداقية لجمهور من الناخبين أصبح في حالة نسبية من الإحباط. فعلى الرغم من كونهم يشيدون بإقرار الدستور الجديد، يرى الشباب المغاربة أن الأحزاب السياسية لعبت دورا محدودا في هذه العملية ويعربون عن إحباطهم من النخب.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. عن اي شباب تتحدثون وأي أحزاب يقصدون انها ملك لاصحابها فهي بمثابة الاقطاعة القروية لها سيد يتولاها حثى الموت أو المرض نفس الوجوه ونفس البروفيلات .ام الشباب الذين اصبحوا شياب من قساوة الدهر والزمن فلهم ان يتعلموا السباحة ربما تفيدهم في العبور إلى شاطئ النجاة يوما ما.اما هؤلاء الذين نراهم يؤثتون ديكورات التجمعات الحزبية فإما مغفلون أو بالأحرى يجمعون في نصيبهم من الكعكة

  2. الاحزابالمغربية لاتثق في الانفتاح لا على الشباب وعلى جماهير الشعب المقصي.الانفتاح قد يعني التنظيم والتاطير والتكوين.فهل احزابنا قادرة ومستعدة لهدع الامور ؟احزابنا مكتظة باشباه المناضلين المتربصين بالفرص والكراسي والهموز مهما كانت بسيطة.القيادات الحزبية علاقتها بالقواعد تطابق سياسة المخزن الحكارواكثر.احزابنا تحتاج الجماهير المفقرة زمن الاستحقاقات لا غير اما خارج هذه اللعبة لا مكان لابناء الشهب في هده الاحزاب (الضيعات) الخاصة.اللعبة محبوكة وتسببت في ضياع رصيد المغاربة في التنظيم والوعي السياسي المتجدر.انها الخيانمة ربما او المؤامرة .هدا اراه ينطبق على احزاب (اليسار) واليمين معروف بانتهازيته من الاصل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى