ما الذي يحدث ببلادي؟
الكاتب – د. سدي علي ماء العينين
في وقت تتجه فيه حماس للبحث عن الخروج من الحرب بإتمام صفقة تبادل الأسرى ، و اصرار نتنياهو على مواصلة دك كل ما يتحرك في غزة ، ووقوف العالم متفرجا من غطرسة صهيونية فاقت كل التوقعات ،وفي وقت تجدد فيه المملكة المغربية تنديدها بالحرب على غزة و كانت السباقة الى اعلان رفضها القاطع عودة نتنياهو الى الفتك بالابرياء ، وفي وقت خرجت مسيرات عبر العالم تعبر عن دعواتها المنتظم الدولي التدخل لإنقاذ ما تبقى من أهالي غزة المحاصرين ، كان الامر في بلادنا يأخد منحا اصبح يطرح اكثر من سؤال عن خلفياته و دواعيه و الغاية منه ، ونقصد هنا الأشكال التي اخدتها المسيرات في التعبير عن وقوفها الى جانب أهالي غزة .
وكأننا امام تحركات جهات تريد من ملف غزة ان يكون محاولة يائسة للعودة الى الواجهة بعد أفول إشعاعها وتراجع شعبيتها.
كانت اولى علامات هذا التوجه إصرار بعض الجهات الخلط بين علاقة المغرب برعاياه من اليهود الذين لم يكونوا قط محط إقحام في الصراع العربي الاسرائيلي ، ذلك ان المغرب عبر مؤسسة امير المؤمنين يعلن نفسه ومنذ قرون انه سلطان وملك كل المغاربة التوحيديين من يهود ونصارى و مسيحيين .
ويحدث ان تستقبل بلادنا مغاربة يتحملون مسؤوليات في الكيان الاسرائيلي ، لكن لم يسجل على المغرب قط ان استقبل نتنياهو الذي أصبحت صوره وهو يصافح زعيم حزب العدالة و التنمية التركي أمرا مألوفا لا يحرك شيئا في إمتداداته بالمغرب .
وفي المقابل يتم التهجم عمدا على مستشار الملك المغربي و الوطني لا لشيئ سوى لانه يهودي الديانة .
ويحدث ان يحتضن المغرب محافل دولية ليس هو من ينظمها و تصبح مشاركة الوفود الاسرائيليه فيها تحصيل حاصل مادامت اسرائيل عضو بالامم المتحدة و تجالسها كل الدول بما فيها الجارة الشقيقة ،المبادرات المغربية إتجاه الشعب الفلسطيني ليست مجرد بلاغات و بيانات ولا مجرد عمليات رمزية ، فالمغرب الدولة الوحيدة التي انشأت غير ما مرة مستشفا ميدانيا بقطاع غزة في ظل القصف ، والمغرب نفسه هو الوحيد الذي نجحت مساعيه في خلق ممرات لإيصال المساعدات الى أهالي غزة ،واصحابنا يعلمون جيدا حجم الامتعاض الذي تعبر عنه جهات كثيرة من اسرائيل إزاء المبادرات المغربية التي تراها تعاكس إرادة التقارب المأمول فيه .
و اصحابنا منزعجون من ترحيب السلطات المغربية بمسيراتهم “التضامنية” لأن ذلك يقطع عليهم الطريق للعب دور الضحية ، و رغم ذلك يبحثون لهم عن كل أشكال الاستفزاز و الابتزاز لخلق المواجهات المفتعلة.
غير ما مرة قلنا إن المغرب لا يطبع ، واكدنا ان التطبيع مفهوم مشرقي لا يستقيم مع وضع بلادنا ، فالمغرب له مواطنون بجنسية مزدوجة يفوقون المليون بدولة اسرائيل ، و هذا استثناء لن تجده عند اي دولة لها علاقات مع الكيان الاسرائيلي ، والمغرب رغم الاتفاق الثلاثي بينه وبين اسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية فإنه عكس عديد من الدول العربية لم يفتح له سفارة لإسرائيل على أراضيه، وهو أمر جد حاسم في رسم طبيعة العلاقة بين البلدين .
وبأستثناء الأردن فلن تجد دولة عربية او اسلامية لها وجود يومي و جذري و حاسم في القدس حفاظا على هويتها الإسلامية و على صمود اهلها ، والأمر لا يتعلق فقط بلجنة القدس التي يتوارثها الملوك العلويون منذ إحداثها ، والمغرب له فيها حصد الأسد في المساهمات و الاعتمادات ،ولكن ايضا لقرار المغرب إنشاء دار المغاربة على أرض القدس دعما للمقدسيين و تأكيدا لمبدأ ان القدس لكل المسلمين.
والإعلام الرسمي المغربي يسمي الاشياء بمسمياتهافي حديثه عن اسرائيل كدولة محتلة ،وعن موقف المغرب الواضح والداعم لحل الدولتين و اعلان دولة فلسطين عاصمتها القدس الشرقية في حدود 1967.
كل هذا لا يكفي جهات لازالت تبني قناعاتها على ان المغرب يدعم الكيان الاسرائيلي في حربه ضد غزة ، وينظمونةمظاهرات بناء على معطيات وهمية للهجوم على الميناء الحيوي للبلاد ومحاولة تعطيله وكان أمريكا ترسل معدات شديدة الحساسية على سفن تجارية تستغرق رحلاتها أسابيع و شهور ؟!!!!و هم صنعته قناة الجزيرة للتغطية على الصواريخ والقنابل الارتجاجية ترسل كل يوم من قاعدة العديد القطرية إلى إسرائيل وصدقه عمدا من يعيشون بيننا ويدعون حمل لواء القضية الفلسطينية.
يوم بدأ الحديث عن ترحيل الغزاويين الى دول الجوار ،قفزوا ليعلنوا ان هناك مخططا لنقلهم الى المغرب و هذا الأخير رحب ووافق !!!!!!
و اليوم وقد دكت غزة عن آخرها ، جاؤوا باكذوبة ان الميناء الأطلسي المغربي تعبر منه سفن محملة بالسلاح لإسرائيل مع ان لا احد قال للناس السذج الذين جاؤوا ليقتحموا ميناء تجاريا انه ليس بمعبر و لا هو بمرسى ،وبعيد جغرافيا عن أمريكا و اسرائيل !!!!
وهؤلاء لم نسمع لهم صوتا حين قامت جهات موالية للجيران تنشر الاكاذيب بان الجنود المغاربة يشاركون الى جانب اسرائيل في حربها على غزة !!!
لن اخوض في كلام المزايدات و استفسر أين كان هؤلاء و اسرائيل على أرض المغرب و هي توقع الاتفاق الثلاثي و بتوقيع من الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، فلا مظاهرات ظهرت و لا أصوات سمعت ،ولا حناجر إحتجت ، الكل وضع رأسه في الرمل و بنهاية الحفل خرجوا ليقولوا كلاما لا يتقبله عاقل و لا يصدر الا من جاهل !!!
مشكلة هؤلاء أنهم يرون بلادهم بعيون تقارير خارجية تدس السم في عقولهم وهي توهمهم ان الملك مريض ، وان هناك أجنحة داخل القصر تتصارع على الحكم ،و ان إسرائيل ستعلن هجرة جماعية الى المغرب لتعلن مملكتها هنا ،وان البنك الدولي الذي يغدق على المغرب بالقروض يريد ان يحول المملكة إلى القاعدة الخلفية للماسونية ،و ان فلاحتنا ليست مشكلتها الجفاف ولكن هناك مختبرات اسرائيلية تقتل منتجاتنا و تغرق اراضينا الفلاحية بالسموم ،
تقاريرهم التي تعد على نار هادئة في مختبرات إيران و سوريا و الجزائر ، و تتلقى دعما ـمن تحتهاـ من قطر ، وتجد لها عملاء في المغرب ياكلون اكلنا و ينامون جنبنا و لكن قلوبهم تسافر الى عوالم المآمرة و النهاية التي أوشكت ،و الانهيار الذي تمنعه أمريكا واسرائيل ان يحصل !!!!
إذا ظهر الملك بصحة جيدة قالوا انه يعالج تحت اشراف اطباء اسرائيليين ، و اذا انعم الله علينا بالمطر قالوا إن الإمارات هي من تمطر السحب ، و اذا عمت الخضر و الفواكه الاسواق قالوا انها ملوثة و لم تقبل بها أوروبا وجيئ بها الى اسواق بلادنا !!!!
نعم اخنوش السوسي استعان بفقيه سوسي وتحول الى بطل مسلسل المداح وعمل السحر للملك !!!
ويخرجون في بلد القمع و الاعتقالات ليصرحوا في البوديكاستات على اليوتوب ،انهم ضد نظام الوراثة و ان الملكية مفسدة ،و ان الديمقراطية بمفهومها كشورى هي الحل ، ولا احد جاحدهم كيف لشيخهم ان يظل في مشيخته حتى مات رحمة الله عليه ، وكيف لم نسمع ان من يخلفه جاء في مؤتمر بالانتخاب و التصويت ؟
إن الموضوع ليس موضوع فلسطين ولا غزة ولا تطبيع ، نحن امام تحول في فكر جماعات الإخوان بالمغرب سواء العدل و الإحسان التي لا يخفى على أحد انها في حوار غير منقطع مع دوائر الدولة ،ويبدو ان حدثا ما وقع خلف الأبواب المغلقة افرز هذا السلوك الذي يعود بالجماعة الى سابق عهدها في مواجهتها مع الحسن الثاني ، و ان العدالة التنمية احس أن الماسكين بمقود الحكومة يزدادون رسوخا في المجتمع ،واذا كانت أحزاب تنبطح للوصول الى الحكم ،فهو يشاكس و يساوم و يزايد و يناور لتفتح له ابواب تلك الغرف ليدخل في تسويات و ترتيبات.
اما القضية الغزاوية فمفترى عليها ،فهاهم إخوانهم من بني جلدتهم و حاملي جنسيتهم لا يتظاهرون ولا يحتجون ، و هاهو عرابهم عندما اشتد عليه الخناق من خصومه يجالس نتنياهو في نفس الحين و اللحظة التي تقصف فيه الطائرات غزة ، وهاهم سكان الاقصى من عرب 1948 يعيشون في سلام مع اليهود ،و يتصادمون مع الجيش الإسرائيلي من جمعة الى جمعة .
وهاهم الحوثيون يقصفون صباح مساء ولا نسمع اصوات هؤلاء ينددون بالامريكان…
و كأن حال اصحابنا كحال جيراننا إن اعترفت فرنسا بمغربية الصحراء سحبوا سفيرهم ،وإن اعترفت أمريكا بمغربية الصحراء وضعوا رؤوسهم في الرمل !!!!
ما حدث في طنجة هو منعطف خطير ، خطورته تكمن في أن من يقول بانه وطني و ان منهاجه هو العملية السلمية و النضال من الداخل ، هاهو يدفع بمواطنين عن جهل وحماسة ليمسوا بقطاع حيوي حقق به المغرب مكاسب عالمية و اصبح مستهدفا تحت دريعة أكذوبة سفينة السلاح …
إذا ارادت العدل و الإحسان ان تحتفظ بصورتها الراقية التي رسمناها عنها وعن رجالاتها وعن مواقفها فهي مطالبة ان تخرج لتعتذر عن هذا المنزلق الذي سيبقى وصمة عار على جبينها ،لانها تلاعبت بمشاعر المتظاهرين ورمت بهم في لعبة ظاهرها فلسطين وباطنها حسابات أقل ما يمكن ان يقال عنها انها خسيسة .اللهم اذا تبرأت من الأمر و نسبته للمجهول!!!
اما العدالة و التنمية فأصل الحكاية و منتهاها صناديق الاقتراع و في ذلك فليتنافس المتنافسون.
فهل تعتبرون ؟.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsAppتابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegramتابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X