التَّهاني ب”الكوبي الكولي”.. رسائل العيد في زمن العولمة

محمد منفلوطي_هبة بريس

في زمن العولمة، حتى إن صلة الرحم باتت عن بعد، وأحيانا يُخطئ صاحبها البوصلة ويُوزع بطائق التهاني بالمناسبات على قائمة أرقام الهواتف دون تحديد الوجهة بالضبط، حتى إن رسائله هاته تطال أحيانا حتى أرقام هواتف الموتى ممن رحلوا وظلت أسماؤهم مسجلة بذاكرة هاتفه…

إنها التهاني والتبريكات في زمن العولمة والتكنولوجيا التي أسيء فهمها واستعمالها من قبل كثيرين ممن لم يسمحوا لأناملهم أن تُدون ولو عبارات صادقة نابعة من القلب موجهة بشكل دقيق لأصحابها حتى لا تخطئ الوجهة…وحتى لايسقط صاحبها في المحظور ويتفاجئ بعبارة الرد ” شكون معايا أخويا”..

عيدكم مبارك سعيد، وتقبل الله منا ومنكم شهر رمضان، صياما وقياما وقراءة القرآن، وهلّ علينا وعليكم شهر شوال باليمن والبركات والأمن والاستقرار لبلدنا الغالي، بلد المساجد والمصليات وتلاوة القرآن الكريم عند الفجر والمغرب وردا مفروضا…

ونحن نعيش على نفحات عيد الفطر السعيد، هاهم جموع المصلين من المسلمين يشدون الرحال لأداء صلاة العيد مبتهجين ومهللين ومسبحين بحمد الله، شاكرين لأنعمه على ما منحهم من نعمة الصوم والقيام وتلاوة القرآن في جو رباني يسود التلاحم والتضامن والتآخي والعناق صدرا على الصدر..

هنا وهناك، اكتست معظم مصليات المملكة ومساجدها حلة جميلة ربانية بلون البياض الناصع نقاء القلوب، فيها استوت الصفوف والمناكب وسُدت الفرج، وخَشعت الأصوات للرحمن فلاتسمع إلا خطبة الإمام وتكبيراته الثلاث.

فبعد أن هلَّ هلال عيد الفطر السعيد، وبعد أن أنهى المؤمنون والمسلمون بمشارق الأرض ومغاربها صيامهم لشهر رمضان المعظم بالتمام والكمال قياما وقعودا، هاهو الشوق يحملهم لمعانقة تربة المصليات وهواء محيطها العليل، فيما تجندت السلطات الأمنية والسلطات المحلية لتسهيل حركة المرور وتأهيل الفضاءات وتأمين المسالك والممرات، ضمانا لأمن وسلامة المصلين.

أكفُّ عباد الرحمن للسماء تُرفع دعاء وابتهالا للمولى عز وجل لعله يرحمنا ويغيثنا ويسقينا غيثا نافعا، ويُنعم على بلادنا بالأمن والأمان والاستقرار، وأن يُجنب الأمة الاسلامة شر الفتن ما ظهر منها ومابطن..

** من كل مدينة مغربية حكاية وطقوس

عيد الفطر وكما تم احياؤه بكافة تراب المملكة، نسوق لكم نموذجا من نفحاته الربانية هنا من مدينة سطات عاصمة الشاوية لا يختلف المشهد الرباني عن باقي المدن الأخرى، حيث تجند القائمون على الشأن الديني ومعهم السلطات الأمنية والمحلية خلال الساعات الأولى من صباح يوم العيد، شمروا على سواعد الجد لتوفير مُصليين اثنتين لاستقبال ضيوف الرحمن، إحداهما بالمدخل الغربي للمدينة، وأخرى بأحد أطرافها الشرقية بقلب غابة بمحاداة حي مبروكة، حيث تم تأهيلها بالوسائل اللوجستيكية استعدادا لأداء صلاة العيد، ناهيك عن فتح 15 مسجد لأداء صلاة العيد للذين لم يتمكنوا من التنقل إلى المصليات.

قبل الساعة السابعة بتوقيت غرينيتش، بدأت وفود المصلين تتقاطر من كل حذب وصوب، واجتمعت الصفوف وتوحدت على قلب رجل واحد تسبيحا وتهليلا وحمدا وشكرا للمولى عز وجل، فيما عرفت معظم الطرقات والساحات المحيطة بها اكتظاظا غير مسبوق للسيارات والدراجات النارية عملت من خلاله عناصر شرطة المرور على تسهيل حركة السير، فيما شوهد العديد من الشباب من حاملي الجيليات البرتقالية بدل “الصفراء المحظورة”، للقيام بعملية تسلم واجبات التوقف، ومن الناس من اعتبر الأمر صدقة أداها بدون تأفف، فيما استغرب البعض عودة هؤلاء للانتشار بالشوارع والأزقة من جديد لاقتناص الفرص.

حناجر المصلين المهللة والمكبرة، ملأت المكان ذكرا وتسبيحا وحمدا وشكرا، لينطلق صوت رباني من وسط الحشود قائلا: ” حضرت الصلاة يا عباد الله”، “قد حضرت الصلاة يا عباد الله”، عبارات كانت كافية للقيام ورص الصفوف واستقبال القبلة لمناجاة رب العزة، وبعد رفع سبع تكبيرات شرع الإمام في تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، وقلوب العباد ترتجف مستحضرة في الوقت هول المشهد الذي يجسد ليوم الحشر والوقوف أمام رب العزة حين تبلغ القلوب الحناجر وترى الولدان شيبا…

وبعد، ركعتين مع التسليم، صعد الإمام يخطب في الناس، ويذكرهم بفضائل شهر رمضان وكرمه وجوده، داعيا إياهم للاستمرار على نفس النهج لأن ذلك من علامات قبول العمل، ليختم خطبته هاته بالدعاء لأمير المؤمنين الملك محمد السادس حفظه الله، ولعامة الناس والأمة الاسلامية.

انفض الجمع، وتبادل المصلون التهاني والتبريكات والعناق في زمن التقارب، بعد أن عاشوا أياما عصيبة زمن كورونا حينها ابتعدت الأجساد عن بعضها واكتفى المرء بالسلام والتصافح عن بعد…

إنها مناسبات دينية موسمية، امتثالا لأوامر ربنا الرحيم ورسوله الكريم، تأتي لتلين القلوب، وتصالح المرء مع ربه، وتذيب الخلافات وتنهي المشاحنات…فيها تكثر التهاني والتبريكات من خلال المكالمات والتدوينات والميساجات غالبا ما يطبعها منطق” الكوبي كولي”، وكأن المرء لا يستطع أن يأخذ من وقته ولو لحظة يحرر فيها تهنئة صادقة نابعة من القلب، موجهة توجيها صحيحا، حتى لا يسقط المرء في المحظور المحفوف بالاحراج بمنطق ” شكون معايا أخويا…واش أصاحبي معرفتش حتى لمن راسل الميساج”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى