مسؤولون يناقشون رهانات التعاقد كآلية للشراكة بين الدولة والجهات

ناقش مسؤولون يمثلون المديرية العامة للجماعات الترابية وآخرون عن الجماعات الترابية (الجهات) موضوع “رهانات التعاقد كآلية للشراكة بين الدولة والجهات: الحصيلة والآفاق”، وذلك في إطار الجلسة الأولى للملتقى البرلماني الرابع للجهات، الذي نظمه مجلس المستشارين اليوم الأربعاء تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد الساس.

وتناول المتدخلون مسألة التعاقد بين الدولة والجهات باعتباره يؤسس لمبدأ الحكامة التشاركية وركيزة مهمة للنظام الترابي الجديد، ودعامة أساسية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة.

وفي مداخلة له حول “التخطيط الترابي وآلية التعاقد بين الدولة والجهات”، قال حسن فاتح، العامل مدير التخطيط والتنمية الترابية، إن “التجربة الأولى لتفعيل ورش التعاقد مكّنت من استخلاص خلاصات يمكن أن تشكل أرضية للنقاش البناء، لاستكمال تجديد ورش التعاقد بين الدولة والجهات، إذ لا يمكن أن يتم تنظيم التعاقد بشكل سليم وناجح إلا انطلاقا من تقويم وتجويد طريقة ومنهجية إعداد برامج التنمية الجهوية”، موضحا أنه “تمت مراجعة مقتضيات المرسوم المتعلق بتحديد مسطرة إعداد برامج التنمية الجهوية بهدف إغناء وتحديد بشكل واضح محتوى البرامج بغية تحري الدقة وتحديد المشاريع التي يمكن اقتراح إنجازها في إطار تعاقدي بين الدولة والجهات وباقي المتدخلين، تمهيدا لإعداد العقود بين الدولة والجهات”.

وفي هذا السياق، شدد فاتح على ضرورة الانخراط الفعلي للقطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية المعنية لإنجاز المشاريع العمومية من أجل تفعيل وتعزيز دور التخطيط الاستراتيجي للمشاريع وتوخي الدقة والوضوح أثناء دراسة الحاجيات وتحديد مضمون البرامج التنموية وأهدافها مع القيام باستشارات قبلية والتنسيق وتحقيق الالتقائية وإشراك جميع المتدخلين.

وأكد على أهمية اعتماد توجهات السياسة العامة لإعداد التراب من خلال تفعيل عمل اللجنة المحدثة بمقتضى المرسوم المتعلق بإحداث لجنة وزارية لإعداد التراب الوطني والذي تم إعداده من طرف كل من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة ووزارة الداخلية، إضافة إلى إلزامية إبرام العقود بين الدولة والجهات باعتبارها المرتكز المؤطر الوحيد والشامل لترشيد عملية التعاقد نظرا لتعدد أنواع العقود والاتفاقيات التي أجاز القانون التنظيمي للجهات والقوانين التنظيمية الأخرى بإبرامها.

ونوّه السيد فاتح بما حققه المغرب، بفضل التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بخصوص اعتماد وتنزيل مجموعة من الإصلاحات المؤسساتية التي تهدف تعزيز وتقويم الهندسة المؤسساتية للجهوية لتصبح متكاملة ومنسجمة، مبرزا “إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار بغية ضخ نفس جديد لهذه المراكز لتحسين الجاذبية الترابية والتنافسية داخل الجهات، وإصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، والشروع في تنزيل مقتضياته من خلال تفعيل دور اللجنة الجهوية للتنسيق، خاصة فيما يتعلق بمهمة العمل على تحقيق الانسجام و الالتقائية بين السياسات والبرامج والمشاريع وتصاميم الجهات لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية وباقي برامج التنمية الخاصة بالجماعات الترابية.

من جهته، قال العامل مدير الشبكات العمومية المحلية، مصطفى الهبطي، إن “البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي يبرز أهمية آلية التعاقد والتعاون لتنزيل البرامج على أرض الواقع في إطار يطبعه التآزر وتعاضد الموارد المالية وتضافر الجهود لجميع الأطراف بغية تحقيق الأهداف المنشودة”.

وأوضح الهبطي، في مداخلة له حول “رهانات التعاقد كآلية للشراكة بين الدولة والجهات: تنزيل المخطط الوطني للماء نموذجا”، أن هذا البرنامج، الذي تقدر كلفتة الإجمالية بحوالي 115 مليار درهم، يهدف إلى “تسريع وتيرة الاستثمارات الموجهة إلى تنمية العرض المائي والتحكم في الطلب وتثمينه ومواصلة العمل لتعميم تزويد الوسط القروي بالماء الصالح للشرب، ويتضمن خمسة محاور أساسية تهم تنمية العرض المائي”.

وشدد الهبطي على أن جلالة الملك سبق أن دعا إلى تسريع تنزيل المشاريع التي يتضمنها البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2027- 2020 في كل جهات ومناطق المغرب، وأكد جلالته على أن المغرب أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي مما يستوجب ضرورة أخذ إشكالية الماء بكل أبعادها بجدية لازمة خاصة في مجال اقتصاد الماء وإعادة استعمال المياه العادمة وترشيد استعمال المياه الجوفية والحفاظ على الفرشات المائية”.

وبخصوص المشاريع التعاقدية بين الدولة والجهات، أوضح السيد الهبطي أن وزارة الداخلية ساهمت مع باقي الشركاء خاصة الجماعات الترابية في إبرام عدة اتفاقيات مهمة للشراكة والتعاون والتمويل بين سنتي 2020 و2022 تهم الإجراءات الاستعجالية الرامية لضمان التزود بالماء الصالح للشرب بمختلف مناطق المملكة وتعزيز وتقوية ساكنة العالم القروي للماء الصالح للشرب بتكلفة إجمالية تناهز 14,7 مليار درهم.

وأضاف أنه تم تخصيص مبلغ 940 مليون درهم من خلال برنامج كراء الشاحنات الصهريجية، لتزويد 2,5 مليون من ساكنة العالم القرية بالماء الصالح للشرب ب877 جماعة متواجدة ب 70 عمالة وإقليم، كما تم توقيع اتفاقية برنامج مع جميع المتدخلين لاسيما مع الجهات، يتعلق بإنجاز 129 سدا وبحيرات تلّية خلال سنتي 2022 و2024 بتكلفة مالية تناهز 4 مليار درهم ساهمت فيها الجهات بمليار و800 مليون درهم.

وسجل الهبطي أنه في ظل تناقص الموارد المائية مع توالي سنوات الجفاف، أضحى اللجوء إلى تصفية مياه البحر خيارا لا مفر منه لتوفير حاجيات الساكنة إلى هذه المادة الحيوية، إذ “ساهمت الوزارة بالتنسيق مع باقي الشركاء في إعطاء الانطلاقة لإنجاز محطة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء الكبرى ستمكن من تعبئة 300 مليون متر مكعب سنويا في أفق سنة 203، إلى جانب “الشروع في إنجاز محطتي تحلية مياه البحر لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب بمدن آسفي والجديدة بالشراكة مع المكتب الشريف للفوسفاط، وكذلك بالجهة الشرقية”.

ولمواجهة الإجهاد المائي الحاد وندرة الموارد المائية، يقول السيد الهبطي، “سيتم اللجوء إلى الربط بين الأحواض الذي أصبح ضروريا لتحويل المياه المتوفرة إلى الأحواض التي تعرف خصاصا” موضحا أن الوزارة تساهم في ربط حوض سبو وحوض أبي رقراق لتأمين إمدادات مياه الشرب في محاور الرباط والدار البيضاء وبشكل غير مباشر في مراكش الكبرى إذ ستساهم جهات الرباط سلا القنيطرة والدار البيضاء سطات بشراكة مع الدولة والممولين في تمويل هذا المشروع.

ولتخفيف حدة الضغط على الموارد المائية، يورد السيد الهبطي أنه “يتم إعداد برنامج طموح جد مهم في الفترة 2023 – 2027 بشراكة مع جميع المتدخلين والجهات لإنجاز مشاريع استعمال المياه العادمة المعالجة إذ تقدر التكلفة الأولية للبرنامج بحوالي 7 مليار درهم”، مشيرا إلى أن “المياه العادمة المُعالجة تُستعمل حاليا “بحوالي 25 مليون متر مكعب سنويا لسقي 23 ملعبا للكولف ومجموعة من المساحات الخضراء ولأغراض صناعية، في مدن في محور الرباط الدار البيضاء مراكش تطوان”.

من جهته، أبرز رئيس جهة فاس مكناس، السيد عبد الواحد الأنصاري التراكم المهم بخصوص النقاش حول ورش الجهوية المتقدمة، لاسيما خلاصات وتوصيات المناظرة الوطنية الأولى حول الجهوية المتقدمة والتقرير التركيبي لأشغال المجموعات الموضوعاتية بين-المؤسساتية حول تنزيل الإطار التمكيني المتعلق بتفعيل ممارسات الجهة لاختصاصاتها الذاتية والمشتركة إلى جانب خلاصات باقي الملتقيات البرلمانية الثلاثة السابق.

وقال رئيس الجهة إن التعاقد الترابي يعتبر آلية أساسية تُمكن الدولة والجماعات الترابية بمقتضى القوانين التي تؤطر اختصاصاتها من تفعيل البرامج والمشاريع التنموية بناء على أهداف مشتركة من خلال تعبئة إمكانات ووسائل موحدة لإنجاز البرامج ذات الطابع الاستراتيجي، مبرزا أن أهمية التعاقد الترابي تمكن في اعتماد رؤية موحدة وشمولية ومندمجة للتنمية الترابية تخصص لها الإمكانات والوسائل المادية والبشرية لإنجازها في آجال محددة وفي إطار حكامة مؤسساتية تضمن التتبع الدائم والمستمر لمستوى تنفيذها والتمكن من تقييمها.

وأكد الأنصاري أن التعاقد الترابي يهدف إلى إيجاد حلول لإشكالات عديدة من بينها هيمنة المقاربة القطاعية على السياسات العمومية، وضعف التكامل في الرؤية التنموية ذات البعد الترابي بسبب عدم تنسيق انسجام تدخلات الدولة والجهات والجماعات الترابية الأخرى بالإضافة إلى ضعف اللاتركيز الإداري الذي يُعطّل فاعلية اتخاذ القرار على مستوى الجهة، وغموض العلاقة بين الفاعلين على المستوى الترابي وغياب إطار قانوني أو تنظيمي ينظم العلاقة بين الدولة والجهة، واللجوء “المبالغ فيه وغير المؤطر” لعقد اتفاقيات شراكة وتعاون بين الجهات والقطاعات يطغى عليها الطابع القطاعي، وهو ما تسعى آلية التعاقد إلى تجاوزه.

وأوضح أنه بخصوص تجربة جهة فاس مكناس، باعتبارها “الجهة الأولى التي انكبت على الاشتغال على هذا الورش الهام”، ارتكز محور الإطار العام للتعاقد بين الجهة والدولة على المبادئ التي جاء بها دستور 2011 ومكنت الجهة من إطار واضح للتعاقد الترابي وهي الصدارة، التفريع، التدبير الحر، التضامن بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى، المساعدة التي يقدمها الولاة والعمال لرؤساء الجماعات الترابية خصوصا رؤساء المجالس الجهوية، والتنسيق بين أنشطة المصالح اللاممكرزة والجهود المبذولة بين كل من الدولة والجهة، إلى جانب المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي للجهات.

من جهته، أكد رئيس جهة بني ملال خنيفرة، عادل بركات، في مداخلة مقتضبة، أن “القطاعات الحكومية يجب أن تلتزم مع الجهات التزاما أخلاقيا وسياسيا، لتنزيل الجهوية المتقدمة والجهوية الموسعة على المدى البعيد”، مبرزا أنه يجب منح الجهات الإمكانيات المالية والصلاحيات الواسعة لجنب هدر الزمن.

ودعا إلى “إعادة النظر في مساهمة الجهات إلى جانب القطاعات الحكومية”، التي “لابد لها أن تقدم الموارد المالية للجهات،كما يجب على الوزراء نقل الاختصاصات للجهات، لكي تكون للمدراء الجهويين سلطة اتخاذ القرار بخصوص الشأن الجهوي، لتجنب هدر الوقت وهدر التنمية”.

ويعكس الملتقى البرلماني السنوي للجهات المنظم بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والاقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجلس الجماعات، الأهمية التي يوليها مجلس المستشارين، انطلاقا من مكانته الدستورية وبالنظر إلى تركيبته المتنوعة ووظائفه، لموضوع الجهوية المتقدمة، وانشغاله، في كل واجهات العمل البرلماني، بتطوير منظومة الحكامة الترابية وتوسيع مجال مشاركة المواطنات والمواطنين في مسلسل تدبير الشأن المحلي.

كما ينسجم تنظيم الملتقى وسعي المجلس لفتح المجال أمام ظهور نخب جهوية جديدة قادرة على مجابهة تحديات الجهوية والتجاوب مع انشغالات المواطنين وهواجسهم الأساسية وطموحاتهم المشروعة في مزيد من التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية خاصة في ظل سياق وطني ودولي يفرز باستمرار عددا من الصعوبات والإكراهات ذات تأثير سلبي على المجهود التنموي الذي تقوم به الدولة وسائر المتدخلين.

وبعد أن انكبت الدورات الثلاث السابقة للملتقى على قضايا محورية في مسار تنزيل الجهوية المتقدمة، من قبيل برمجة التنمية الجهوية وبلورة التصاميم الجهوية لإعداد التراب والهيكلة الإدارية لمجالس الجهات ورهان تعزيز أسباب استقطابها للكفاءات وتمويل الجهة والديمقراطية التشاركية والحكامة الجهوية في ارتباط برهانات اللاتمركز، بالإضافة إلى مسألة تدقيق الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة، ارتأى المجلس وشركاؤه أن يجعلوا موضوع التعاقد بين الدولة و الجهات وفيما بين الجهات وفيما بينها وبين باقي الجماعات الترابية من زاوية المأسسة محورا للملتقى البرلماني الرابع للجهات في سياق السعي إلى تجاوز الصيغ الحالية للتعاقد والتي تولد عنها تضخم الاتفاقيات القطاعية وتعدد الشراكات في غياب إطار معياري مرجعي.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. كثرة القرارات والافكار الجديدة والمشاريع ….والمواطن حالتو هي حالتو مكيستافد من والو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى