أَزْمَةٌ صَامِتَة بَيْنَ الرِّبَاط وَبَارِيس … صَحْوَةٌ مَغْرِبِيَّة تَرْفُضُ اَلتَّبَعِيَّة والِابْتِزَاز

شهدت العلاقات الفرنسية المغربية خلال الآونة الأخيرة سلسلة من الأحداث المتسارعة التي فسرها مراقبون ومهتمون بكونها أزمة صامتة غير معلنة بين الرباط وباريس.

واستهلت سلسلة الأحداث هاته، منذ إعلان فرنسا شهر شتنبر 2021 عن تقليص عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني دول المغرب والجزائر وتونس، وتشديد إجراءات الحصول عليها، قبل أن تقرر بعد مرور سنة على رفع القيود بالنسبة للجزائر وتونس في حين ازدادت حدة التعامل بالنسبة للمغاربة.

قضية التأشيرات لم يكن الملف الوحيد وراء توتر العلاقات المغربية الفرنسية، فقد تلتها قضية الإمام” حسن إكويوس”الذي قررت وزارة الداخلية الفرنسية ترحيله من فوق التراب الفرنسي بحجة “تصريحاته المعادية للسامية”، وهو الأمر الذي رفضه المغرب بعدما سحب موافقته القنصلية على استقبال الإمام والتي سبق وأن وافق عليها.

الرسائل التي حملتها زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون للجزائر بعد الخطاب الملكي شهر غشت الماضي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، والذي دعا فيه الشركاء التقليدين والجدد لمزيد من الوضوح بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، هي الأخرى كان لها وقع سلبي على تأزم العلاقات المغربية الفرنسية، إضافة للتقارب الجزائري التونسي برعاية فرنسية حسب بعض المختصين.

فهل فعلاً توجد أزمة صامتة بين المغرب وفرنسا، وأين تتجلى بوادرها؟ وما الدوافع الممكنة وراء خلق” فرنسا لتقارب جزائري تونسي على حساب المغرب ؟ وهل تغلغل المغرب بمجموعة من الدول الأفريقية يعدُ سببا في ذلك ؟ وهل تخشى فرنسا من التقارب المغربي الأمريكي وقرب اندماجها بالنموذج ”أنجلو-سكسوني”؟ وهل من الممكن عودة الدفئ للعلاقات المغربية الفرنسية وكيف يمكن ذلك ؟

“هبة بريس” تواصلت مع الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية الدكتور عبد الحق الصنايبي، قصد تسليط الضوء على هذا الملف السياسي الشائك من جميع جوانبه، والإجابة على الأسئلة السالف ذكرها.

واقع أزمة

أكد الخبير عبد الحق الصنايبي بأنه لا يمكن الإنكار وجود “أزمة صامتة” كما يطلق عليها البعض بين المغرب وفرنسا، تجلت في مجموعة من التعبيرات التي اعتبرتها فرنسا ممارسة سيادية للدولة خاصة مسألة التضييق على منح التأشيرات لمجموعة من المغاربة المؤهلين ماديا ومهنيا لنيل هذه التأشيرة. وكما هو الحال مع باقي الدول المغاربية فإن ورقة التأشيرات تدخل ضمن الأدوات والطرق التي تستعملها فرنسا للتعبير عن عدم رضاها اتجاه المواقف السياسية لدول المنطقة…خاصة، يضيف الصنايبي، وأن المغرب أصبح حاليا يحلق خارج الفضاء الحيوي لفرنسا بطريقة سيادية، وأصبح يجيد ممارسة ما يسمى ب “دبلوماسية المحاور” عن طريق تنويع الشركاء السياسيين والاقتصاديين.

قضية الإمام إيكويسن:

واستغرب الدكتور عبد الحق الصنايبي، من كون أن الإمام “إيكويسن” ولد في فرنسا وكبر في فرنسا وتربى في فرنسا وتلقن التربية الفرنسية وبالتالي لم يثبت عنه طيلة نصف قرن من الزمن أي حيدة أو عن التوجه الرسمي لفرنسا.

وزاد المتحدث بالتأكيد على أنه استمع لمجموعة من فيديوهاته التي كان يدعو فيها لضرورة الانضباط للقوانين الفرنسية. أما من الناحية القانونية، يقول الصنايبي، كان على فرنسا أن تنضبط لاتفاقية سنة 1992 لحقوق المهاجرين وذويهم وهي الاتفاقية التي لم توقع عليها فرنسا أصلا.

في نفس السياق، يضيف الدكتور عبد الحق الصنايبي بأن نفس الإمام اشتهر بمواجهاته الفكرية ومقارعاته العقدية مع التنظيمات الارهابية وكانت فرنسا توفر له مساحات مهمة للحديث وترويج خطابه من داخل المساجد في فرنسا. كما أن نفس الشيخ ساهم في بلورة خطاب كان يرنو إلى التسامح ونبذ الكراهية والتطرف وفجأة يتغير الموقف الفرنسي لاعتبارات يرى ضيفنا أنها بعيدة عن التبريرات الدينية، وإلا فإن ما قاله إيكوسين يتفق عليه مجمل الشيوخ الذين ينشطون في فرنسا…متسائلا الصنايبي:”فهل ستقوم باريس بطرد آلاف المسلمين؟؟؟”.

الصنايبي أكد أيضا أن من بين خلفيات الأزمة بين الرباط وباريس، تخوف هذه الأخيرة من تغريد الرباط خارج السرب الفرنسي، وهو المعطى الذي تؤكده الوقائع، خاصة وأن المغرب لم يعد “رهينة” للدعم الفرنسي “البراغماتي” لباريس بخصوص قضية الوحدة الترابية، مشيراً إلى أن فرنسا، وبمناسبة أي اجتماع لمجلس الأمن الدولي بخصوص القضية الوطنية، كانت تلجأ إلى أسلوب الابتزاز والضغط لتمرير مجموعة من الصفقات الاقتصادية والتجارية مقابل موقف ضبابي لم تعد تقبل به الرباط.

تحالف فرنسي جزائري لإضعاف المغرب

وبالنسبة للعلاقات الفرنسية الجزائرية، أوضح الصنايبي بأنها علاقة خاصة يحكمها ما هو تاريخي أو ما هو إستراتيجي و سياسي وحتى ما هو انتخابي، مؤكداً بأن الجزائر لم يكن لها تواجد مادي وسياسي قبل 1962، وكانت تعتبر جزءا من فرنسا باعتراف الرئيس الراحل “عبد العزيز بوتفليقة” وبشهادة السفير السابق لفرنسا في الجزائر “Xavier Driencourt””، وأيضا تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكلهم أجمعوا أن العلاقة هي علاقة حب، مشيراً في الآن نفسه إلى أن أكثر من 10% من الهيئة الناخبة في فرنسا لهم ارتباط مباشر أو غير مباشر بالجزائر بالتالي حتى أن مجموعة من السياسيين يعتبرون بأن الجزائر هي جزء من السياسة الداخلية وليس الخارجية لفرنسا.

أما بخصوص التقارب الجزائري التونسي، على حساب المغرب بعد استقبال الرئيس التونسي مؤخرا لزعيم الحركة الانفصالية، أوضح الصنايبي بأن فرنسا تعتبر منطقة شمال افريقيا (تونس والجزائر المغرب وموريتانيا وما يسمى قديما بإفريقيا الفرنسية الشرقية وإفريقيا الفرنسية الغربية) “مجالا محفوظا” ، وبالتالي يجب أن تبقى ضمن النفوذ الحصري لباريس، مؤكداً أن المغرب وباعتراف مجموعة من الساسة الاقتصاديين الفرنسيين يخطو بخطى حثيثة لتثبيت مركزه المتقدم في إفريقيا خاصة بعدما أثبت بأنه شريك إستراتيجي يحترم سيادة الدول الافريقية ويتحرك وفق مقاربة رابح رابح، ما يعني مقاربة اقتصادية وتجارية تخدم بالأساس الإنسان الأفريقي وبأن تكون افريقيا للأفارقة وهو مقتنع بأن الإمكانيات الطاقية والمؤهلات الطبيعية والبشرية لإفريقيا يمكن أن تساعد في تحقيق السيادة على القرار السياسي الإفريقي.

وأكد الصنايبي أن السيادة الافريقية على قرارها السياسي واستقلاليتها عن المستعمر السابق، يخلق مجموعة من الحزازات عند فرنسا التي لازالت مرتبطة بمجموعة من الأسواق الأفريقية، خصوصا استغلالها الحصري لمجموعة من المواد الطاقية خاصة في الجزائر بمقتضى اتفاقية “إيفيان” وأيضا موريتانيا، وأيضاً دول النيجر والتشاد والغابون وبالتالي تتمسك بضرورة استدامة الاستفادة من هذه الموارد في افريقيا.

وخلص الدكتور الصنايبي في هذا الباب، على أن فرنسا تعتبر المغرب منافسا شرسا وقويا على الساحة الافريقية وترغب في إلهائه وضرورة إنهاكه من خلال خلق تحالف فرنسي جزائري مع ضم تونس لهذا التحالف ولما لا حتى باقي الدول خاصة موريتانيا ودول أفريقيا وبالتالي وضع المغرب بين “فكي الكماشة الاستراتيجية”.

تقارب مغربي-أمريكي يرعب فرنسا

وبخصوص التقارب المغربي الأمريكي، أوضح الصنايبي، بأن التقارب المغربي الأمريكي فرضته مجموعة من الأمور، أولها الأمور الذاتية على اعتبار أن المغرب أول دولة تمنح أمريكا الشخصية القانونية الدولية لأن المغرب أول دولة اعترفت بالولايات المتحدة الأمريكية 1777م. أما الاعتبار الثاني فمرتبط بالشراكة المغرب الأمريكية والتي ارتقت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وثالثا يسترسل الصنايبي، أن تغير البيئة الاستراتيجية في أفريقيا وتحولها إلى بيئة قلقة و وهشة أمنيا، حيث ترى الولايات المتحدة الامريكية في المغرب قاعدة متقدمة لمواجهة التهديدات العسكرية التي تشكلها إيران والتهديدات الأمنية التي تشكلها التنظيمات الإرهابية.

وخلص الصنايبي حول هذا الموضوع أنه وفي إطار مجموعة من التوافقات وفي إطار حتى الاتفاق الثلاثي والشراكة الاستراتيجية وتنزيل مقتضيات الاتفاق العسكري الذي دخل عامه العاشر، فإن الولايات المتحدة الأمريكية اقتنعت بأن المغرب حليف استراتيجي موثوق به يمكن أن تعول عليه.

واسترسل الصنايبي أنه، ولكل هذه الاعتبارات جاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والذي يمكن اعتباره رصاصة الرحمة في رأس الأطروحة الانفصالية الوهمية على اعتبار أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يعني استحالة تمرير الاعتراف بكيان وهمي من داخل أروقة الأمم المتحدة.

وحول هذه النقطة، يفصل الدكتور الصنايبي بأن المسطرة معقدة لقبول عضو جديد داخل منظومة الأمم المتحدة ويستوجب ذلك موافقة تسعة أعضاء من المجلس الأمني الدولي المكون من خمسة عشر ومن هذه تسعة أعضاء لا يجب أن يكون لديهم أي تحفظ من أحد الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

وأكد الصنايبي، على أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أغلق (قانونيا)، وأي حلم لإقامة كيان وهمي في الأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية. مشيراً على أن هذا الإكراه الديبلوماسي والسياسي كانت تستغله فرنسا للضغط وابتزاز المغرب. ويضيف الخبير الصنايبي، بأن فرنسا ترى بموجب هذا الاعتراف الأمريكي أن المغرب يستطيع التحرك بعيدا عن المظلة الفرنسية.

إمكانية عودة الدفئ للعلاقات بين البلدين

وبخصوص إمكانية عودة الدفء للعلاقات بين المغرب وفرنسا، لم يستبعد الدكتور الصنايبي ذلك، مؤكداً بأن منطق العلاقات الدولية وخاصة المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية تبنى على شيئين أساسيين، أولا المصلحة الوطنية، و ثانيا نظرية التوازن، موضحا أن المصلحة الوطنية تعني أن أي دولة تتحرك بمنطق المصالح الوطنية معتقداً بأن المغرب لا يطلب أي شيء من فرنسا عدا أن تكون علاقات متوازنة مبنية أولًا على المصالح الاستراتيجية واحترام وحدته الترابية واحترام قراره السياسي واحترام سيادته على جميع أراضيه، مشدداً في ذات السياق أن المغرب أصبح ينظر إلى علاقاته الخارجية من خلال منظار الصحراء المغربية. وإذا كان المغرب في ما مضى يقبل ما يمكن أن يطلق عليه بمنطقة الرمادية، فإن الوضع يختلف اليوم.

واسترسل الصنايبي موضحاً بأن الملك محمد السادس قال بأن قضية الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر منها إلى العلاقات وحتى إلى الصداقات، مؤكداً أن الأخيرة يجب أن ترسم أو تنطلق من خلال مواقف مبدئية لهذه الدول ولهؤلاء الاصدقاء من القضية الوطنية الاولى وهي الصحراء المغربية.

وذكر الصنايبي، بأن حزب ماكرون “الجمهورية إلى الامام” قد سبق وأن أعلن عن نيته تأسيس فرع لحزبه في الداخلة جوهرة الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية وهذا الاعلان سبق وأن نشرته سفارة فرنسا في الرباط، وبالتالي فإن فرنسا، بالاضافة الى اسبانيا، على علم بحقيقة وحيثيات هذا الملف وبحقيقة الأطروحة الوهمية وبحقيقة الأطماع الجزائرية في المنطقة

وزاد الصنايبي، مفصلاً أنه يستوجب على فرنسا الإعلان عن موقف صريح يتماشى مع الشرعية الدولية ويتماشى مع طبيعة العلاقات التاريخية مع فرنسا التي تعود إلى قرون وتتماشى مع حقيقة البيئة الاستراتيجية القلقة حاليا والاكراهات الأمنية في منطقة وبالتالي يعتقد ضيفنا بأن فرنسا عليها أن تقطع مع التفكير الإمبريالي وتفكير الهيمنة ومع نظرية الانتشار واستمرار وضع اليد على خيرات إفريقيا وعلى استمرار تبعية مجموعة من الدول لصانع القرار الفرنسي وأن تعلم بأن في أفريقيا دولة قوية ذات سيادة كانت إلى وقت قريب يطلق عليها لقب الإمبراطورية الشريفة.

وختم الصنايبي حديثه، معتقداً أن اقتناع فرنسا بضرورة التعاون مع المغرب بوزنه الجيوستراتيجي الحالي فإن الأمور والعلاقات يمكن أن تعود الى سابق عهدها أو إلى أحسن وننتظر قرار إيجابي من فرنسا بخصوص قضية الصحراء المغربية.

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. الم تقرأ صحافتنا عن معاهدة إكسليبان ؟؟؟!!! المعاهدة المشؤومة ، معاهدة قدمت للمستعمر على طبق من ذهب ؛ خذ كل الثروات ودع لنا الكراسي .
    الواقع المر

  2. الماء و الشطابة ،! و نطالب بفرض التاشيرة. على الفرنسيين كيفما كانت رتبهم و مسؤولياتهم

  3. فعلا، فرنسا هي أكثر الدول علما بتاريخ المغرب و عمقه الإفريقي و امتداده الجغرافي إلى حدود نهر النيجر كما تظهر ذلك العديد من الخرائط و الوثائق التاريخية المحفوظة في أشهر المتاحف و المكتبات العالمية و لم تكن تسمية الإمبراطورية الشريفة فقط شكرا من غير معنى بل لها مدلولها السياسي و السيادي و القانوني و لا زالت هذه التسمية حاضرة في العديد من الوثائق المكتوبة و أيضا المسموعة في الإعلام الرسمي الفرنسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى