عِقّاب الصناديق… هنا تتجلى الديمقراطية

محمد منفلوطي_ هبة بريس

لاحديث اليوم داخل أوساط الساسة وممتهني لغة الانتخابات، إلا عن منطق الصّناديق وما ستفرزه من نتائج خلال الانتخابات المقبلة..حيث لا يفوح مجلس ولا اجتماع مُكولس، إلا برائحة التوقعات في زمن التشبت بالمقاعد والحنين لدفئها، ورغبة البعض في معانقتها لأول مرة كحليب أمه لتحقيق أغراضه وذويه دون غيرهم.

لا يخلو مجلس ولا خلوة لسياسيين من كوابيس التوقعات التي توقظ مضجعه وتذهب النوم عن جفنتيه…كل من زاويته يقرأ فنحان حظه، فيما الآخر الباحث عن العطف والرضى من صاحبه تقربا، تجده يطبطب على خاطر ولي نعمته ويدعو له بالنجاح والفلاح…وهو بداخله تراوده هواجس وخاوف تختزل عبارة ” الله يدوز هذه الحريرة بخير”.

إنها لعنة التعلق بالكراسي وحب السلطة والجاه، ممن باتوا يحلمون بالتحكم في رقاب العباد ومعيشتهم تقشفا، إذ بسياساتهم اللاسياسية خلقوا لأنفسهم أعداء وخصوما سياسيين، نسوا وتناسوا دورهم وبرامجهم الانتخابية التي جاءت بهم عبر صناديق الاقتراع ديمقراطيا.

لا حديث اليوم، إلا عن سيناريوهات التحالفات بمنطق أن لاعداوة دائمة ولاصداقة كذلك، فبعد أن انتهت على مايبدو حمى منح التزكيات وتوزيعها بأساليب مختلفة، وبعد أن ضمن كل واحد منهم موطئ قدمه تحت لواء الحزب الذي اعتزم الترشح باسمه لحمل لواء برنامجه الانتخابي…بات حديث الساعة يستمد نشوته من نتائج انتخابات الغرف المهنية المعلن عنها مؤخرا، وهي التي على ما يبدو رسمت خارطة طريق جديدة، وفتحت شهية المتسابقين نحو مجلس الشعب لتمثيله دستوريا…

برأي كثيرين، هي نتائج قلبت كل الموازين وأعادت خلط الأوراق، ومنحت للسباق طعما خاصا بنكهة الانتصار لدى البعض، وتحسس الرؤوس لدى البعض الآخر خوفا من معاقبة الصناديق لها.

إنها لعبة السياسة ياسادة، إنه عِقاب الصناديق…فاعتبروا يا أولي الألباب…

لاشك، أن عقاب الصناديق هذا، ما هو إلا بداية لمفاجآت كبيرة قد تكون الانتخابات التشريعية المقبلة حبلى بها، قد تتمخض عنها تشكيلات جديدة بوجوه قديمة جديدة، لكن في المقابل قد تكون ببرامج انتخابية ورؤى مغايرة، سيعمل أصحابها على خلق نوع من التغيير الذي سينصب على ملامسة الوضعية الاجتماعية والاقتصادية وتحسين خدمات الصحة والتعليم…حتى يحس المواطن بنوع من التغيير تبدأ معه الثقة تتشكل من جديد.

فلا يختلف اثنان عن كون مسلسل الانتخابات الذي بدأ منذ الاعلان عن نتائج اللجان المتساوية الأعضاء، مرورا بنتائج الغرف المهنية، هو بمثابة رسالة واضحة تعطي انطباعا ضمنيا حول توجهات الحاضنة الانتخابية خلال الانتخابات التشريعية…والتي على مايبدو اختارت “الصناديق” كلغة لايصال رسالتها إلى كل مسؤول وكل مرشح، مفادها: “أن بينها وبينه تبقى الصناديق هي الفيصل وهي أداة العقاب”.

حتى في الدول الديمقراطية أو حتى التي تحترم اختيارات شعوبها، تجدها تلجأ لعقاب الصناديق لتضع حدا لأي خلل أو فشل سياسي، بروح رياضية وانتقال سلس…بلادنا، لم تخرج عن هذا المعطى، فهي حتى في زمن الربيع العربي زمن الثورات العربية، كانت ( بلادنا)سباقة ورائدة في تدبير شؤون العملية الانتخابية بطريقة ديموقراطية أفرزت نخبا سياسية تقلدت قيادة الحكومة تماشيا ومضامين الدستور.

اختارت بلادنا آنذاك، الاختيار الديمقراطي، لم تركب موجة الصراعات والثورات على تقاسم السلطة، بل منحت الكلمة للشعب لاختيار ممثليه بطرق ديمقراطية حديثة، جنبت البلاد الدخول في نفق مظلم على شاكلة دول عربية واقليمية.

إنها نتائج الصناديق الانتخابية، التي قد تتحول أحيانا إلى أداة عقاب لصاحبها، إنه لم يحسن التصرف معها، ولم يلتزم بأحكامها، ولم يف بتعهداتها اتجاهها، ليجدها أمامه حاملة شعار العقاب في وجهه….لهذا وقبل فواة الأوان…رسالتي للنخب السياسية احذروا عِِقاب الصناديق…فهي مهما طال الزمان ترُّد لصاحبها الصاع صاعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى