في زمن عيدهن…إمرأة عصامية لم تَنَلْ منها سهام القهر والفقر

محمد منفلوطي_ هبة بريس

زمن كورونا وزمن عيدهن، مناسبتان متلازمتان أظهرتا بالدليل القاطع دور المرأة في بناء المجتمع وصناعة الأجيال. والعالم يحتفل بعيدهن الأممي، كان فرصة لتسليط الضوء على نموذج من نماذج شتى لشقائق الرجال في زمن المناصفة، سيدات خلقن الحدث وساهمن بشكل كبير في خلق التوازنات سواء داخل البيوت أو في مقرات العمل أو حتى في القطاعات الغير المهيكلة.

في عيدهن العالمي الذي يوافق الثامن من شهر مارس من كل سنة ميلادية، يحق لنا جميعا أن نقف وقفة احترام وتقدير للدور الريادي والجوهري الذي تلعبه المرأة في بقاع العالم والمغربية على وجه الخصوص وعلى كافة المستويات سياسية اقتصادية اجتماعية رياضية وغيرها، لنُحصي انجازاتها الرائعة ومساهماتها الفعالة في بناء أركان المجتمع والوقوف على المكاسب التي حققتها على امتداد عام كامل، وهي مناسبة للتذكير بتاريخها النضالي الذي انطلق مع أول خروج للآلاف من عاملات النسيج بشوارع نيويورك في 8 مارس 1908، وهن يحملن الخبز اليابس وباقات الورد، في إطار رمزي لحركتهن النسوية التي أخذت بعدا وطنيا ودوليا حينها تحققت مطالبهن.

ليلى، شابة من مدينة سطات، تحولت إلى أم نموذجية عصامية، لم تنل منها سهام الانتقاذات والكلام الفارغ سيوف الفقر والقهر، لم تقف يوما على حائط المبكى تنذب حظها العاثر أسفا والقاء اللوم، بل صبرت وكابدت وظلت تكابد وتصارع مشاق الحياة، ولجت مقاعد الدراسة منذ نعومة أظافرها كباقي زميلاتها، لم يسعفها الحظ لاستكمال دراستها لتجد نفسها أمام محطة تختزل هموم ومشاكل عائلية، اختارت أن تتزوج وتبني بيتا ملؤه الدفء والحياة الطبيعية، اختارت اختيار صحيحا، وأنجبت صغارا أناروا البيت ضياء وبهجة وحبورا، مرت السنوات، ولم يمر منها إلا القليل، حتى وجدت نفسها سيدة مطلقة بأبناء ترعاهم، لم تقف حينها مكتوفة الأيدي، بل اختارت التجارة بربح قليل ومدخول حلال يقيها شر الفقر واليأس اختارته اختيارا كبديل عن شبح البطالة والعطالة وقلة ذات اليد، لم تركب حينها مركب الضلالة والخروج عن قواعد الأسر المحافظة، بل عاهدت نفسها أمام الله أن تجني ثمار الحلال بعرق الجبين، باتت تسافر مدن الشمال لتوسيع نطاق تجارتها النسائية ملابس شتوية وصيفية، لتحمل على أكتافها رزما تعرضها للبيع للعموم بشوارع مدينة سطات رغم حملات السلطات المحلية…

ذات مرة، وقفت ليلى مع نفسها من جديد، لتعيد ترتيب الأوراق، وتشارك الرجل مهنته ولو على علتها، حصلت بمشقة كبيرة هذه المرة على رخصة سياقة مهنية، لتقدم خدمات جليلة لزبنائها بواسطة سيارة أجرة صغيرة تطوف شوارع مدينة سطات المهترئة…

دخلت عالم السياقة والاحترافية، رغم الاكراهات والمشاكل الجمة التي تعترض تأهيل القطاع، قادت سيارتها بثبات حتى طالتها أيادي المقاومة ومقولة “خوك في الحرفة عدوك”.

هنا، وبعزة نفس، تنازلت عن حقها في قيادة سيارتها، لتعود أدراجها إلى عالم التجارة من جديد، اتخذت من محل تجاري بحي السماعلة مكتبة لها لعرض الكتب المدرسية رغم من المدخول الهزيل ونحن في زمن الجائحة…بها قامت بتطوير نشاطها التجاري بمعية أبنائها الذين معهم كونت معهم أسرة من ستة نفر.

في زمن عيدهن، ارتأت ليلى السطاتية أن تقدم نموذجا رائعا للمرأة المغربية الشريفة العفيفة التي استطاعت أن تنقش اسمها بحروف من ذهب في سجل التاريخ، مقدمة من خلاله ذلك نموذجا للمرأة العربية والمغربية على وجه الخصوص التي أبانت عن حبها لوطنها وتعلقها بمسقط رأسها، فبادلته المحبة من خلال عملها بالعديد من القطاعات، لم تركن يوما للذل والهوان والتوسل عند الحاجة، بل استطاعت اثبات ذاتها وتنقذ نفسها وأبناءها رغم العديد من المشاكل العائلية التي صادفت حياتها، وجهت بذلك رسائل قوية للمرأة بمناسبة عيدها العالمي، بأن تكون نموذجا في التضحية والعزة والثبات على الطريق الصحيح، وأن لا تستسلم لليأس و الظلم، بل تجابهه بعنفوانها وأنفتها رافعة رأسها للأعالي في زمن ضاعت فيه القيم وغابت عنه مكارم الأخلاق وتطاولت فيه الرويبدات في البناء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لسم الله الرحمن الرحيم: الف تحية لهذه المرأة ولكل مثيلاتها اللاتي يتبعن العيش الحلال ولا يبعن اجسادهن وشرفهن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى