صلاح الدين الغماري.. الرجل الذي دخل البيوت بدون استئذان

محمد منفلوطي_ هبة بريس

من قلب مدينة مكناس الأبية، اصطفت جموع الحشد لتتابع جنازة ابنها البار صلاح الدين الغماري وهو يغادر داء الفناء إلى دار البقاء في حين غفلة منه قبل أن ينهي رسالته التي كان يأمل كتابتها بحروف من ذهب على صفحات التاريخ…لم لا والرجل قد استطاع دخول البيوت بدون استئذان في زمن كورونا.

من خلال بلاطو الأخبار بالقناة الثانية كل يوم، وحتى في زمن كورونا المرعبة، عودنا الرجل باطلالته البهية وصوته المؤثر على طريقة للتعامل مع هذا الفيروس اللعين، من خلال نصائحه التي كان يغلب عليها طابع البساطة والعفوية والتفاعل الإيجابي، مستضيفا خبراء وأطباء من ذوي الاختصاصات، نازلا إلى الشارع موزعا الكمامات ومحذرا من تداعيات جائحة لاتبقي ولاتذر.

استطاع الرجل اقتحام البيوت، مؤسسا لنفسه لغة عربية فصحى في تقديم النشرات الاخبارية والربورطاجات، أحب مهنته بشغف فبادلته الحب ذاته، فصار عبدا مملوكا لها انضباطا وحضورا مبكرا إلى مقر عمله.

تبكي الأم بكل حرقة أنها تلقت نبأ وفاة ابنها البار وكلها ايمان بربها، ( تلقت ) الخبر بصدمة كبيرة وكأنها أصيبت بطلقة نارية على مستوى فؤادها المجروح، لاسيما وأن صلاح تقول الوالدة، كان قد اتصل بها هاتفيا قبل وفاته، حيث ظلت نبرات صوته تتردد على مسامعها وكأنه لازال يحدثها…تابعت الوالدة المكلومة قولها وكلها ثقة في ربها أن صلاح سيكون مثواه الجنة، لم لا وأن الرجل كان ابنا بارا مؤمنا ربه، فاعلا للخير وساعيا إليه.

قالت الأم وهي لم تستوعب بعد الفاجعة: ” ابني صلاح دخل قلوب الناس دخل قلوب الصغار والكبار خاصة في زمن كورونا، لم استوعب بعد خبر وفاته وكأنه رصاصة أصابت داخلي…له جنة الفردوس والخلد بجانب الأنبياء والشهداء والصالحين…”.

كان لفيروس كورونا النصيب الأوفر في التعريف بالرجل أكثر، إذ تم تسليط الضوء عليه حتى باتت صوره تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، ونصائحه تملأ الدنيا يقتدي بها الصغير والكبير والنساء والشيوخ، غاضبا تارة مسامحا تارة أخرى، وشعاره الخالد….را كورونا باقا معانا خاصنا نبقاو ملتازمين بالتباعد والكمامة …وخا لقينا اللقاح لكن كورونا باقا معانا مازال الخطر قائم…هكذا كان صلاح…وهكذا سيبقى اسمه مقترنا بالحدث.

هبة بريس سارعت بدورها إلى نقل الخبر، بل لم تكتف ذلك، بل انتقلت إلى مدينة مكناس، لتنقل بالصوت والصورة من مختلف الزوايا، راصدة ردود الأفعال، لم تترك صغيرة ولاكبيرة إلا و أحصتها لتقدم الصورة كاملة للمشاهد ولزوارها الأوفياء…عبر ميكروفونها قال خال صلاح الدين الغماري أن الساحة الاعلامية فقدت أبرز رجالاتها الذي كان يخدم مهنته بايمان وحب.

عنه كتب البروفيسور “عز الدين ابراهيمي” قائلا : “حزين جدا على فراقك “السي صلاح” … رحمك الله
يرن الهاتف صباح ذاك اليوم و أجيب على رقم لا أعرف صاحبه… و بعفوية صليقية يقول المتحدث “أنا صلاح الدين الغوماري من 2M و أريد أن نجهز خاصا عن الكورونا و اللقاح…”

أرد متعلثما “مرحبا…” و يكمل صلاح “أريدك أن تكون معي في الأستوديو بالبيضاء على الساعة الرابعة اليوم”… أرد متلعثما و مبررا ” اليوم… راني ف الخدمة ف الرباط و مجبتش الحوايج ديال التلفزيون… و أواصل التلعثم في تبريراتي… يقاطعني بحزمه المعهود “غير أجي أصاحبي … حتى أنا غدي نلبس عادي…يا الله الطونوبيلا غادي دوز تخدك من الكلية دابا” لم أجد ما أقوله سوى “واخا خاي صلاح و أنا أتلعثم….مرة أخرى

و اليوم وبعد رحيلك المفاجئ…. أشكرك أنك هاتفتني و أحمد الله أن وفقني أن أتقاسم معك ذلك اليوم كله بنهاره و مساءه… أشكرك على عدوى ابتسامتك و حماسك…”

تابع المتحدث قائلا: ” الحمد لله أن متعني أن أرى سعادتك و فخرك بما قمنا به … و سيما عندما غير مخرج الحلقة و كثير من أعضاء الطاقم رأيهم حول اللقاح و التلقيح…كم كنت فيه أسعد ما يكون المرء و أنت تحدثني أن قرابة 8 ملايين مغربي شاهد البرنامج … و تواعدنا أن نلقح مباشرة على الهواء أنت و أنا و كل أطقم 2M بمشيئة الله….و يشاء العلي القدير أن يأخذك لجواره قبل ذلك…. نعم حزين جدا أنا لفقدانك…. و لا أجد الكلمات لأخطط ما يخالجني من مشاعر … سوى أني أحبك في الله….حفظنا الله جميعا… أحبتي”. انتهى كلام الابراهيمي هنا.

مات صلاح الدين الغماري، وقبله ووري جثمان زميله في العمل ادريس أوهاب،فغابت عن الوجود صورتيهما اللتين ألفهما الجميع، غادرا إلى دار البقاء بلا رجعة وتركا معا بصمات قوية على الساحة الاعلامية التي افتقدتهما اتباعا، كان الرجلان من طينة الكبار، اخلاقا ومبادئ، وابتسامة عريضة لا تفارق محياهما.

انتقل صلاح الدين إلى دار البقاء مفترشا تراب لحده ملفوفا بكفنه الأبيض الناصع النقي نقاء قلبه، استعدادا لملاقاة ربه، حاملا معه زادا من العلم والعمل الخيري والمواقف النبيلة ومتسلحا برضى الوالدين….كله زاد لعله يكون شفيعا له عند رب العالمين.

انتقل صلاح إلى دار البقاء، تاركا وراءه زوجة وطفلا ورصيدا من العمل الصحفي الذي سيبقى شاهدا على موقف الرجل في زمن الأزمات.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. انا لله وانا اليه راجعون البقاء لله يرحمك الله وستبقى في قلوب جميع المغاربة لن ننساك يا صلاح سنظل نفتخر يا صلاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى