هل العزوف عن السياسة تواطؤ غير متعمد مع الفساد الانتخابي؟

ع اللطيف بركة : هبة بريس

من ضمن أهم الملفات الشائكة التي واجهها المغاربة ومعهم النخب السياسية في تحديد مستقبل البلد هو ” ظاهرة” العزوف عن المشاركة السياسية، التي تستمر من إستحقاق لأخر، دون ايجاد أجوبة لها من كل المهتمين او الدارسين والباحثين للشأن السياسي في البلد.

جريدة ” هبة بريس” ستحاول البحث في جدور الظاهرة وطرح أسئلة واقعية عن استمرارها وما هي انعكاساتها المستقبلية على الشان السياسي للبلد، وماهي الاساليب الجديدة التي يمكن ان تخفف من إستمرارها؟؟

هل عزوفنا عن التصويت في الانتخابات، ستكون من خلاله ضمائرنا مرتاحة لأننا لم نشارك فعلا في تزكية من لا يستحقون الفوز بالمقاعد المخصصة للمرشحين في المجالس والجماعات والجهات، وأننا لم نساهم في نجاح المفسدين الذين جعلوا الفعل الانتخابي غنيمة لانتزاع المنافع لهم، لكن بماذا نفسر صعود هؤلاء المرشحين غير الأكفاء لتسيير جماعاتنا، وتمثيلنا في المجالس المنتخبة على الرغم من مقاطعتنا ؟

هل صحيح أننا إذا خاصمنا صناديق الاقتراع، ونبذناها خلف ظهورنا، سنحول دول بلوغ الفاسدين المناصب التي لا يستحقونها؟؟

– المشاركة السياسية حق يكفله دستور المملكة

تعتبر المشاركة في الانتخابات من الحقوق التي يكفلها دستور المملكة، وهي مناسبة مهمة للمواطنين من أجل تعبيرهم عن أصواتهم واختيارهم لمن يمثلوهم في المؤسسات، كما أنها من المؤشرات القوية على مناخ الديموقراطية.

ومن خلال كل المحطات التي قطعها المغرب مند استقلاله، بات يظهر جليا بزوغ ظاهرة العزوف عن المشاركة بالرغم من انه حق مكفول، وبالرغم من كل المحهودات التي بدلتها الدولة من تقديم ضمانات قانونية لتعزيز النزاهة والشفافية والحياد الإيجابي، لازال الوضع يبعث عن القلق مع كل استحقاق وطني.

– من المسؤول عن العزوف ؟؟

الظاهرة تدفعنا لطرح سؤال كبير، من المسؤول عن استمرار ” العزوف والاساءة للديموقراطية؟.

بالرغم من أن الدارسين للظاهرة، لم يتوصلوا لاجوبة مقنعة، قد تجد مسببات محددة لتنامي الظاهرة، بل هناك تراكمات للمارسة، منها ما هو ذاتي وموضوعي، لا يتوقف على مسؤولية الدولة لوحدها بل يمتد الى الفاعلين في المجال السياسي، وكذلك مساهمة المواطن بنفسه في استمرار الظاهرة. وان هذا السلوك الانتخابي للمواطنين بشتى أنماطه، يقتضي إجراء دراسة علمية من مختصين في علم الاجتماع بالخصوص.

لاشك أن المتابع للمشهد الحزبي المغربي، وفي أي موعد رسمي للانتخابات التشريعية، سيكتشف حالة الغليان الكبيرة التي تعم معظم مقرات الأحزاب، وما يعقبها من استقالات فردية وجماعية من الأحزاب، والالتحاق الفوري بأحزاب أخرى، وفي بعض الأحيان يهاجر الأعضاء المرشحون من أحزابهم الرسمية التي مكثوا بها سنين طويلة، إلى أحزاب نقيضة، بل إن منهم من اختار بعد مغادرته مكرها لحزبه المعروف، نحو حزب الخصوم السياسيين، إن هناك من غادر حزبا ينتمي للأغلبية الحكومية، واتجه صوب الحزب الذي يوجد في المعارضة، والعكس صحيح…

وحين نتأمل دواعي ما يطلق عليه بالترحال السياسي من الأحزاب وإليها، نكتشف مباشرة أن السبب عائد للكيفية التي تمت بها صياغة اللوائح الانتخابية، وبالضبط هو الرتب التي منحت للمرشحين الغاضبين في اللوائح، فكلما وجد المرشح نفسه بعيدا عن المراتب الأولى، أو لم يجد اسمه وكيل في اللائحة الانتخابية، إلا وثارت ثائرته ، وقرر على الفور، مغادرة سفينة الحزب، والتوجه مباشرة إلى حيث يمنح المرتبة التي ظل يبحث عنها، بل إن هناك من غير أكثر من حزب في غضون أيام قليلة .

هذه السلوكات الغريبة، أضرت كثيرا بصورة الأحزاب السياسية، وهي صورة في الأصل، هشة ومشوهة لدى الكتلة الناخبة.

إن نزيف الاستقالات، والهزات الارتدادية التي أصابت أحزاب سياسية كبيرة بمناسبة الانتخابات الجماعية، مؤشر آخر يعزز تمثلات المواطنين عن الأحزاب السياسية ببلادنا، التي يعتبرها كثير من المتابعين بمثابة كائنات انتخابية تزدهر أيام المناسبات الانتخابية فقط.

وحين نحلل أسباب الانشقاقات التي زلزلت بعض الأحزاب، نجد أن المتضررين، يصرحون أن المراتب الأولى في اللوائح الانتخابية التي أعدتها بعض الأحزاب داخل بعض الجهات، قد منحت لغير مستحقيها من المناضلين، ومنهم من صرح جهارا، أن بعض الأحزاب السياسية، قد منحت التزكيات لمرشحين على رأس قوائمها، لذوي السوابق؛ من الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية، أو من يطلق عليهم هنا بأصحاب “الشكارة”؛ أي للذين لهم أموال طائلة .

كما أن بعض الأحزاب السياسية وضعت في مقدمة القوائم الانتخابية أسماء عائلية لزعماء حزبيين، حيث إن هناك من رشح ابنه أو أبنته، كما أن هناك من رشح زوجته أو صهره في مقدمة القوائم الانتخابية، مما جعل الغاضبين يحتجون وينددون بتفويت الأحزاب السياسية إلى الأسر، ضدا على معايير التزكية المنصوص عليها في القوانين الداخلية لتلك الأحزاب .

هذه صورة مقتطفة من واقع السلوكات الحزبية إبان انطلاقة كل حملة إنتخابية، وهي ولاشك تشي بدلالات منفرة بالنسبة للناخبين، من سلوك الفاعلين السياسيين الحزبيين…فأي ثقة سيمنحها الناخبون والناخبات لمرشحي نظير هذه المؤسسات، وهم يسمعون أنباء التصدعات الكبرى التي ضربت الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات؟.

إن التمثلات السلبية مع الأسف الشديد، التي يمتلكها المواطنون، عن الممارسة السياسية داخل المؤسسة الحزبية بمناسبة الانتخابات الجماعية، أو البرلمانية، أو انتخابات الغرف المهنية، تعتبر من أقوى العوامل المحفزة على العزوف عن التصويت .

إن هذه الوقائع المخجلة تدفعنا لمساءلة دواعي الانتماء للأحزاب السياسية؟؟

كما أنها تغري بالبحث في أسباب تأسيس الحزب السياسي، ومدى قدرته على المساهمة في التنمية جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة.

و من أكبر المؤشرات على غياب الديموقراطية الداخلية، ومعايير الشفافية والمحاسبة هي تلك التصرفات والسلوكات السلبية من شأنها ترسيخ العزوف عن الانتخابات بالنسبة للهيئة الناخبة، لأنها تشكك في مدى نزاهة الفاعل الحزبي، والذي برهن على فشله في انتقاء الكفاءات القادرة على الإسهام في الدفع بعجلة التنمية، وبناء عليه، فالعاجز عن تدبير شؤونه الداخلية، هو أكثر عجزا عن تدبير الشأن العام .

إن تصحيح التصور بشأن فعالية المكون الحزبي بالنسبة للمواطن العادي، رهين بمدى مراجعة المؤسسات الحزبية لجدوى الوجود، مراجعة يجب أن تنطلق من حوافز الانتماء للمؤسسة الحزبية، فقد ساد تمثل مشوه وغريب لدى شرائح واسعة، مفاده أن مقرات الأحزاب السياسية تؤهل منتسبيها الظافرين بتزكياتها خلال الانتخابات، للحصول على المنافع المادية، وهذا مخالف للمقاصد الكبرى التي حددها القانون للانتداب .

المشاركة في تدبير الشأن العام عبر آلية الانتخابات البرلمانية والجماعية، لا يجب أن تصبح بالنسبة للأحزاب السياسية غاية في حد ذاتها، بل إن الانتخابات وسيلة لتمكين الأحزاب السياسية من الإسهام في تدبير شؤون المواطنين، وتنفيذ السياسات العمومية الكبرى لتحقيق التنمية والتقدم .

إن الأحزاب السياسية مطالبة بتأطير الجماهير بما يرفع من شأن البلاد، ويسمو بمعدلات التنمية، ولا يمكن لأحزابنا أن تضطلع بهذه الوظائف السامية، إذا لم يكن أعضاؤها قادرين على تجسيد هذه المبادئ على أرض الممارسة.

– عواقب ظاهرة العزوف عن التصويت خلال الانتخابات ؟

إن استمرار تنامي العازفين في كل عملية انتخابية، من شأنه تشجيع عملية إفساد الانتخابات، والمساس بمصداقيتها، ونتائجها، اعتبارا ان المواطن يعتقد ان عدم مشاركته هو تسجيل راحة لضميره وأن عدم مساهمته في نجاح المفسدين الذين جعلوا الفعل الانتخابي غنيمة لانتزاع المنافع لهم، نجد مقابل هذا صعود بعض ” المفسدين “وتمثيلنا في المجالس المنتخبة على الرغم من مقاطعتنا.

هناك حقيقة أجمع عليها كل من إستقت الجريدة رأيهم في الموضوع ، أن تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة ومتابعة كل ناهبي المال العام وتقديمهم للعدالة ، إرغام الاحزاب على فتح مقراتها وتأطير مناضليها وجعله رهين بالدعم الذي تقدمه الدولة بهذا الخصوص ، منع من ترشحوا لازيد من عقد من الزمن وضع اسماءهم في اللوائح من اجل فتح المجال لمشاركة الشباب، وجوب تعديل مدونة الانتخابات بخصوص شروط المترشح بحسب الكفاءة العلمية و سيرته النضالية داخل حزبه، تعديل ترشيح عمداء المدن ورؤساء الجهة، بحسب الكفاءة العلمية والخبرة التدبيرية وبرنامج كل مرشح.

إرجاع دور الاحزاب في التعبير عن انشغالات المواطنين والدفاع عنها في المؤسسات التشريعية.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لقد أعطيت بعض الأسباب الظاهرة ونسيت توضيح الأسباب المهمة، هذه الأحزاب وضعها المخزن على شكل دكاكين فقط من أجل الإنتفاع من أموال ضرائب الشعب لارأي لها ولا تستطيع القيام بأي تغيير والكل يعرف هذا، فمن صار بالمغرب إلى هذه الحالة فالكل يعرفه، كما وقع مع حزب الأتحاد الاشتراكي لما جاء في 1996 وكيف اصبح الآن؟ ونلاحظ دلك مع كل الأحزاب بعدما شوهوا حزب العدالة، فليحكم الملك والمخزن ولا داعية للأحزاب، ففي كل مدينة عامل وقائد وشيخ وقدم، فلماذا هذه الإنتخابات؟ تحسين الصورة في الغرب وضياع الملايير من أموال الشعب، يا أسفاه

  2. “مغربي غيور على بلده”
    لقد قلت مايجول في خاطري اجزت و اقنعت.وساضيف إذا ارادة الدولة محاربة العزوف فهي تعرف جيدآ ماذا ستفعل:
    1.مراجعة الدستور و اعطاء سلطات اكثر للبرلمان و الحكومة.
    2.تغير قانون الانتخابات حيث يمكن لاي حزب الحصول على الاغلبية الساحقة وتجنب تحالفات مع الدكاكين السياسية و التي تضع العصى في العجلة.
    3.تشكيل هيأة مستقلة لمراقبة و تنظيم الانتخابات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى