ولاعة ”الفوضى الخلاقة” .. في التفاصيل يكمن الشيطان

هبة بريس – ياسين الضميري

سافرت أكثر مما سافر السندباد، وشاهدت أعظم المدن والبحار، قابلت حمقى يتصورون أنهم يوجهون العالم، ودخلت أغنى القصور وأفقر الأكواخ، استمعت إلى منطق الفلاسفة وهذيان العشاق، جالست عديد العلماء و المشاهير في شتى المجالات، جربت النجاح والفشل، عايشت الحب والكراهية ، مررت بفترات الغنى والفقر ، أحسست بالعطاء و الحرمان ، بالنشوة و الغثيان، وعشت حياة مليئة بالتجربة والسفر والقراءة والتأمل، لكنني أعترف بأنني لم أكتشف معنى السعادة إلا خلال تلك اللحظات التى كنا نسجدها بين يدي الرحمان فى بيت الله الحرام فى مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية.

هناك في تلك الأرض السعيدة و المقام العظيم ، قابلت شخصا بالصدفة غير لي عديد المفاهيم و أكد لي بما لا يدع مجالا للشك أن الإعلام أصل الشرور و منهل الفتن إذا ما كانت خلفه توجيهات تحيده عن الوازع الأخلاقي و المهني المفترض تحليه به ، هذا على الأقل ما تعلمناه في قواعد المعاهد الصحفية التي ولجناها ذات يوم محملين بأطنان من الأحلام الوردية.

“عبد العظيم السالمي” ، شخص في الأربعين من العمر ، مغربي الجنسية يقيم في السعودية منذ ما يقارب الأربع سنوات ، أب لطفلين اثنين ، أدم و هاجر ، يشتغل كعامل نظافة بمكة ، بلحيته الكثيفة و ملامحه التي توحي بالوقار يوزع ابتسامته يمنة و شمالا على كل زوار بيت الرحمان ، يترك مكنسته تارة ليساعد عجوزا أرهقته الحرارة المفرطة و مشقة التنقل لأداء عبادة الصلاة ، و ينهمك تارة أخرى في التقاط مخلفات بعض الوافدين على محيط أول بيت وضع للناس و تنظيف المكان المبارك و هدى للعالمين.

هذا الرجل الذي وهب حياته لخدمة الحجيج و زوار البيت الحرام ، كان قبل سنوات يشتغل كمهندس متخصص في قطاع البترول و المحروقات في العاصمة الجزائرية التي أمضى بها ما يقارب عقدا من الزمان ، هناك حيث تعرف على شريكة حياته و بدأ أولى لبنات مؤسسة الأسرة الصغيرة ، قبل أن يغير خبر أذيع بإحدى القنوات الفضائية العربية حياته رأسا على عقب و يتسبب في طلاقه و هجرته من الأرض التي احتضنته لسنوات بكل حب و احترام دون أدنى مشاكل رغم الصراعات السياسية التي تربط بين بلد نشأته و البلد الذي كان يعيش فيه.

يتذكر الحاج عبد العظيم شهر ديسمبر من سنة 2014 بكثير من المرارة و خيبة الأمل ، كيف لا و هو الشهر الذي جعله يدرك أن “الدوام لله وحده” ، حيث و بينما كان منهمكا في تناول وجبة الغداء رفقة بعض المسؤولين بمطعم الشركة التي يشتغل بها بعد انتهاء دوام الفترة الصباحية من العمل ، أذاعت إحدى القنوات الرياضية العربية التي تعتبر نفسها رقم “1” بالعالم العربي خبرا “كاذبا” يتعلق باتهام جماهير فريق كروي جزائري للجماهير المغربية ب”البلطجية” و “اللصوص” عقب مباراة أقيمت بالعاصمة الرباط.

الخبر و طريقة معالجته من طرف القناة السالفة الذكر و التي تحتكر غالبية المنافسات الرياضية بالوطن العربي ، جعلت “عبد العظيم” يصب جام غضبه على مسؤولي القناة متهما إياها بعدم المهنية و التحيز لزرع نار الفتنة بين شعبين أخوين ، صحيح فرقتهما السياسة و الخلافات العسكرية ، غير أن روابط عديدة تجمعهما و توحد بينهما بغض النظر عن الدين و العروبة و الجغرافيا و من بينها عشق كرة القدم.

انفعال المغربي “عبد العظيم” من الخبر المذاع لم يرق لبعض من زملائه الجزائريين المتعصبين الذين كانوا يشاركونه مائدة الغذاء ، مما جعل حدة النقاش تعلو و يزيغ عن طابعه الراقي ليصل حد تبادل الاتهامات ثم الاشتباك بالأيدي و العنف المتبادل الذي نتج عنه إصابة أحدهم بجروح غائرة تطلبت نقله على وجه السرعة للمستعجلات ، و هو الأمر الذي بسببه أمضى عبد العظيم فترة قصيرة بالسجن كانت كافية لتغير حياته رأسا على عقب بعدما طرده مشغله من العمل مما تسبب له في مشاكل أسرية انتهت بالطلاق و مغادرة البلاد.

قصة الحاج عبد العظيم التي شاطرني تفاصيلها بكثير من الحسرة و المرارة بقلب الحرم المكي ليست الأولى و لا الأخيرة التي تسببت فيها وسائل الإعلام في وطننا العربي ، خاصة في ظل وجود قنوات تستغل الوضع لتصب الزيت على النار و تشعل الفتنة بين دول المنطقة ، ما دامت حياتها رهينة بمدى الخراب الذي قد تحدثه غير أبهة بتأثير ذلك و لا تداعياته على الشعوب رغم أن هناك مثلا سويديا يقول “من يطارد الأخرين لن يعيش أبدا في راحة”.

“جزيرة” الخراب.. إذا تجاوز السر ثلاث آذان انتشر

قبل سنة 1996 ، كانت الشعوب العربية تعيش مرحلة من الهدوء و التأخي في ظل عهد جديد اتسم بإعادة بناء العلاقات بين بعض الدول التي كانت تعيش مشاكل سياسية و حروب مع بعضها البعض ، حيث شهدت الحقبة تحكيم لغة العقل و الرغبة في العمل الجاد و المشترك للنهضة بالوطن العربي بعيدا عن الحسابات الضيقة و النعرات القبلية و العرقية التي جعلت الأمة العربية في السابق تزيد خطوة للأمام و تتراجع اثنين للخلف.

بداية تماسك الأمة العربية مع مطلع التسعينات من القرن الماضي لم يرق عددا من الدول التي تحكم العالم و على رأسهم الأمريكان و الصهاينة ، مما استنفر قادتها لعقد اجتماعات طارئة لبحث سبل وقف هذا التقارب العربي الذي قد يشكل خطرا محدقا عليهم إن استمر لسنوات خاصة في ظل تمتع المنطقة بمؤهلات طبيعية و اقتصادية غنية قد تقلب موازين القوى لصالحها إن استثمرت بالشكل الأصح.

قبل عقود ، طرح سؤال على ديفيد بن غوريون، الذي يعتبر مؤسس الدولة العبرية، والذي رفض حمل الهوية الزرقاء حتى مماته بسبب وجود اللغة العربية بين طيّاتها، مفاده: “ماذا نفعل بالعرب حتى نفرق بينهم؟”، فرد ديفيد بعبارة: “امنحوهم قليلا من الديمقراطية لكي ينشغلوا بعضهم ببعض ويتركوننا في شأننا”، و هو الأمر الذي عمل به قادة قوى العالم في حينه لتشريد لحمة العرب قبل أن يثبت الزمن أن الوصفة لم تعد ناجعة بشكل كبير فيما بعد.

وفي أواخر القرن الماضي، حين كان مناحيم بيغن، المتطرف الذي صنع السلام مع بعض دول المنطقة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، رئيسا لحزب الليكود ثم رئيسا لوزراء إسرائيل، هذا الرجل الذي فاز بجائزة نوبل للسلام و كان لا يقل ذهاءا وخبثا وكرها للعرب عن بن غوريون، قال للمسؤولين الجدد في حكومته أنذاك: “علينا أن نمنح العرب فرصة اقتحام مجال الإعلام حتى ينشغلوا بالتفاهات و الحروب فيما بينهم”.

و يبدو أن وصية بيغن لوزراء حكومته وصلت سريعا لبعض الحكومات العربية التي قررت ضخ رساميل عملاقة في قطاع الإعلام و اسثتمارها في قنوات تخصصت فيما بعد في زرع الفتنة بين شعوب و دول المنطقة عبر تزييف الحقائق و نشر الأكاذيب و إثارة الخلافات و المغالاة في التغطيات و توجيه الرأي العام و التكالب على بعض الدول التي لا تساير ممولي و داعمي تلك القنوات في نفس الركب و النهج و المصالح.

العالم العربي اليوم أصبح في بؤرة الصراع الجيواستراتيجي العالمي، وبالتالي فإن وجود المنطقة العربية في قلب هذا الصراع فرض نوعا من التكالب من قوى عالمية تستهدف المنطقة، وخصوصا منذ دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق، ليتحول بعد ذلك الأمر إلى صراع أكبر بتدخل روسيا والصين، ونتيجة لهذا التركيز العالمي على المنطقة العربية، بات الإعلام يمثل جزءا أساسيا من الصراع والحرب.

يكفي أن نقوم بعملية إغراق إعلامي للطرف الآخر ونقوم بخلخلة الوضع الداخلي لديه وتفجيره وتصبح حينها الأهداف محققة، خصوصا مع تكالب القوى العالمية وقوة الإعلام الموجه، مثلا الصين افتتحت قنوات إعلامية بالعربية للتعامل مع المواطن العربي، وروسيا أيضا، وإيران وتركيا وأغلب الدول الأوربية لديها قنوات موجهة إلى العرب، وهو ما يجعل المواطن في تناقض بين المعطيات المقدمة إليه.

لدينا اليوم قوة عالمية ترغب في إشاعة الفوضى بالمنطقة في إطار خطة ما يسمى بـ”الفوضى الخلاقة”، وهذه القوة تحتاج إلى أدوات مساعدة ومن ضمن هذه الوسائل دول ترغب في إشاعة الفوضى و متهمة بدعم الإرهاب، نجد مثلاً قطر وتركيا، وهما من بين الدول المتهمة بأن لديها رغبة حقيقية في فرض أجندة إرهابية على المنطقة لأسباب متعددة ترتكز أساسا على خدمة المصالح الضيقة.

في هذا الاتجاه، هناك قناة إعلامية تنتسب لهما و التي تبنت خطا تحريريا واضحا هو الضغط على الدول العربية وإشاعة الفوضى داخل العقل العربي، وضرب فكرة القومية العربية، وضرب الاقتصاد الوطني، حيث أن تغذية الإرهاب والتطرف يكمن من خلال بث مواد إعلامية تعمق الإحساس بالغضب لدى المواطن العربي، وتهدف إلى تفجير وتأجيج الصراعات الإثنية والدينية والمذهبية ودعم الحركات الانفصالية حيث يتم تقديم هذه الوصفات الإعلامية وتغليفها في قالب الدفاع عن حقوق الإنسان ولكن بأقنعة خادعة، والخلاصة هي أنه عندما يقع كل هذا الارتداد والتخلخل في العقل العربي تكون النتيجة الطبيعية هي نمو الجماعات المتطرفة والإرهابية.

ولاعة إسمها الإعلام.. لا تشعل نارا لا تستطيع إطفاءها

هنا سنحاول التركيز على حدثين أساسيين متزامنين، لكنهما متباينين متناقضين في طريقة تعاطيهما من طرف لسان حماة “صغيرة المنطقة” و التي حاولت تصدير الأزمة الداخلية خارج حدودها عبر محاولة صب الزيت على النار و إثارة النعرات و خلق البلبلة و الشوشرة و إحداث التفرقة بين شعوب تتكلم لغة واحدة و تنتهج الدين ذاته و تستنشق الهواء نفسه و ترتبط فيما بينها بأواصر عدة و تاريخ مشترك سبقته جغرافيا موحدة.

الحدثان أولهما ذاك المتعلق بمقتل الصحفي خاشقجي في تركيا و الثاني التقرير الكارثي و الأسود الذي صدر بخصوص الدولة التي نالت شرف تنظيم كأس العالم الأولى في تاريخ العرب بعد دعم غير مشروط من الدول العربية و الخليجية التي رجحت كفتها للظفر بتنظيم هذا المحفل، هذا التقرير الذي اتهمها بصريح العبارة باستعباد عمال البناء الذي يبذلون قصارى الجهوذ لإنهاء تشييد ملاعب المونديال خاصة بعد وفاة بعض منهم نظرا لظروف العمل غير الإنسانية و القاهرة.

الحدثان لا يختلفان تقريبا من حيث هول معطياتهما، غير أن الأخطبوط الإعلامي السالف الذكر و الموجه ب”الريموت كنترول” آثر أيضا هاته المرة هدر موعده مع المهنية و ضيع فرصة تاريخية لكسب قليل من المصداقية ، حيث وجه بوصلته و مدفعيته و جهز جيشا من الصحافيين و أسطولا من الكاميرات لتغطية حدث مقتل الصحافي خاشقجي و خصص برامج مباشرة و حوارية و نشرات إخبارية على مدار ساعات اليوم و مراسلين من عين المكان و محللين انتقاهم بعناية بالغة ، ليس لسواد عيون الحق و لا لإعادة الاعتبار للضحية و عائلته و لا لتأدية المهمة الإعلامية النبيلة، و إنما لغرض واضح لا يستعصي على ذوي العقول الراجحة فهمه و استنباط ماهيته مادام الأمر مغلفا بطابع الانتقام و الحقد الدفين و الضغينة السياسية ، و كل هذا بحجة حقوق الإنسان و الديمقراطية وحرية التعبير.

و الغريب في هاته المفارقة العجيبة ، أنه في الوقت الذي صرف هذا الصرح الإعلامي أموالا طائلة لتزييف بعض الحقائق و المغالاة في أخرى و إخفاء بعضها الآخر فيما يتعلق بتداعيات مقتل خاشقجي، لم تفرد هاته المؤسسة التي تدعي الحياد و لو نسبة 0,01 في المئة لحدث استغلال “ولي نعمتها” لألاف العمال المقهورين البسطاء القادمين من دول شرق آسيا و الذين يشتغلون في ظروف مهينة و غير إنسانية، بل إن تقارير مؤسسات مشهود لها بالمصداقية أثبتت أن هناك وفيات حدثت نتيجة هاته الظروف الكارثية ، فهل هنا لا يتعلق الأمر بحقوق الإنسان و ما جاورها من العبارات التي تتفنن المعنية بالأمر في التحجج بها في باقي الملفات الخارجية التي تصر على تغطيتها.

و إذا ظهر السبب بطل العجب أو كما يقول المثل المغربي الدارج “إيلا بان المعنى لا فايدة في التكرار” ، غير أن الأبواق التي كانت تعول عليها “جزيرة الوقواق” في مسعاها لتشتيت شمل المتلاحمين في أرض أبية طاهرة انقلب عكس الطموحات و المنى و فضح الخبث الذي تدبر به الأمور و نفر الكثيرين ممن كانوا يتوهمون في ذات المحتوى بصيص الأمل في إعلام حر و نزيه و محايد.

الجميل في كل ما سبق ذكره، أنه و في الوقت الذي تم تبذير أموال طائلة لمهاجمة نظام و أشخاص معينين في هرم السلطة بالمملكة الأبية من طرف لوبي إعلامي يشتغل في الكواليس بكل الأساليب حتى غير المشروعة منها، اختار إعلام الدولة المتهمة تجاهل الرد الصبياني وآثر تنزيه محتواه من “لعب دراري صغار” و ركز على الخبر اليقين عوض الإشاعة المغرضة دون النيل من أي جهة كانت مادامت التحقيقات سارية المفعول رغم أنه كان يمتلك الأسلحة المناسبة و الأدوات المادية و اللوجيستيكية و المعنوية و حتى الخبرية لرد الصاع صاعين و بأسلوب أرقى و أنجع بكثير.

و يبدو أن الإعلام “العنابي” الفاقع الصفرة قد حاول من خلال تحامله على بعض الشخصيات و الأنظمة في قضية الراحل خاشقجي إخفاء الشمس بالغربال فيما يتعلق بانتهاكات جسيمة فى حق العمالة الأجنبية الذين يأتى معظمهم من دول جنوب شرق آسيا وقارة إفريقيا، لحد “العبودية” و”السخرة” بالإضافة إلى حرمان شركات ومؤسسات هؤلاء العمال من مستحقاتهم المالية وهو ما أكده تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن انتهاكات تلك الدولة لحقوق عمال كأس العالم.
و كانت منابر إعلامية دولية قد أشارت بناءا على تقارير دقيقة أن “ملاعب الموت” فى الدولة التى يطمح قادتها لاستضافة كأس العالم تبنى على جثث البسطاء من عمال العالم، حيث ترسل مع صباح كل يوم جديد تابوتا إلى أم ثكلى فى بنجلاديش أو الهند أو باكستان وغيرها من دول العالم، مع رسالة أخرى للضمير العالمي، بأن أطماع “بعضهم” فى بناء مجد زائف لن تتوقف حتى جثة آخر عامل أجنبي.
“الحل في هافانا”، كان أفضل رد و أكثره قساوة و تأثيرا و حكمة و بلاغة و كان بمثابة “ضربة معلم” بعدما قزم الألسن الطويلة زيادة عن اللزوم و أخرس الأفواه التي تشتغل بمبدأ “الاتجاه المعاكس” و لا يروقها شيء في وطننا العربي مهما كان إيجابيا و جعل القائمين على الأخطبوط الكهل يدركون مكانتهم الطبيعية و حجمهم البديهي و أن لا الاحتكار ينفع و لا صرف الأموال الطائلة يفي بالغرض و لا التحكم في بعض مراكز القرار يغني من جوع و لا زرع الحقد و محاولات التفرقة بين الشعوب قد تنطلي على ألباب العرب في العقد الثاني من هذا القرن “لي فاقو و عاقو” كما يقول سكان شمال القارة السمراء، عملا بمبدأ مفاده “لا يصح إلا الصحيح و ما يدوم غير المعقول”.

ملحوظة لا بد منها قبل الختم:

يكفينا كل تلك الحروب، يكفينا كل ذاك الدمار و الخراب، تكفينا كل تلك الدموع التي انهمرت كالوديان، و ذاك الحزن الذي سكن القلوب، يكفينا ذاك الكم الهائل من الأرامل و الأيتام، يكفينا منظر البؤس و نظرات الاحتقار التي بات الغرب يسمنا بها، يكفينا كل التناحر و التنابز و الشتات الذي حولنا لشحنات سالبة و أخرى موجبة نتنافر فيما بيننا حتى داخل البيت الواحد، يكفينا ذاك التشرذم الديني و التفرقة الطائفية التي باعدت بيننا و بين قيم الدين السمحة، يكفينا التقاتل و الصراعات و القبلية و التعصب و المغالات و التشدد و إلصاق “إتيكيت” الإرهاب بنا، يكفينا أننا أصبحنا أضحوكة للعالم، يكفينا أننا كنا الأسياد و تحولنا لمجرد كومبارس في معادلة مختلة القوى، يكفينا أننا كنا نحكم فأصبح متحكما فينا، يكفينا أننا انشغلنا عن الأساسيات و همنا في ملذات التفاهة و انغمسنا في الشهوات، يكفينا أننا كنا مشتلا خصبا للعلماء فأضحينا فئران تجارب، يكفينا أن الدمعة سكنت الخد و الهم تغلغل الأفئدة و حب المال و الجاه و الحياة الدنيا استوطنوا الضمائر و حولوها لمجرد أوهام سطحية، يكفينا أننا أصبحنا مجرد أرقام في ندوات علية الأقوام و مجالسهم نصارع أنفسنا بقفازات ملاكم من وزن الريشة في حلبة بحجم الحياة…

أرجوكم، يكفينا و يكفينا ثم يكفينا، ألم تنطفئ نيران الولاعة بعد، دعونا نعيش بسلام، و نرقد بسلام، و نموت في سلام و عليكم كل السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى