صبري: واقعية مجلس الأمن في حل نزاع الصحراء ومن أطرافه؟ مفاوضات حول الممكن وترك المستحيل؟

كانت مقتضيات مجلس الأمن  في قراره في رقم 2414 في ابريل الماضي واضحة المعنى والدلالة، وفي بعده وخلفيته بحيث يرمي الى توفير شروط مفاوضات منتجة في سبيل الوصول الى حل سياسي واقعي وعملي لنزاع الصحراء.

ولادراك هذه الغاية، فان الحاجة ذات اولوية  ازالة كل العقبات التي تعترض تفعيل الفعل وسلوك الأطراف. ولهذا كان أمر قرار مجلس الأمن 2351لسنة 2017 واضحا ودقيقا في تحديد ووصف مهمة، والسبل التي يجب أن يتقيد بها المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، الذي هو بعد تعيينه في نونبر من السنة الماضية الألماني هو هورست كوهلر:

إذ أن مجلس الأمن يفرض على عاتق المبعوث الشخصي الجديد التزام التحلي بالوضوح في علاقته بالأطراف، وذهب أكثر من ذلك بوصف هذه السبل وصفا مانعا للجهالة بنهجه واتباعه “مسار شفات وواضحا”.

وقد عززه مجلس الأمن في قراره الأخير 2414 وبالتفصيل معالم الوضوح المطلوب من خلاله توجيهه أمرا فوريا وصارما للبوليساريو بالانسحاب من منطقة الكركارات، كما أمرها بعدم القيام بفعل البناء والتغيير لمعالم في بئر لحلو وتيفارتي، أي عدم تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة الى حين الوصول الى صيغة الحل.

وفي نفس الوقت نقل مجلس الأمن الضغط على الأطراف بتقليص مدة التمديد لمهمة المينورسو لمدة ستة أسهر ووضع عتبتين في السنة بدلا من أجل دوري واحد في ابريل من كل سنة، لأن الأمم المتحدة تريد جاهزية الملف والتحقيق فيه  بسرعة باعتماد للوصول الى الحل بعجالة عن طريق اسلوب تكثيف اللقاءات والجلسات والاحاطات والزيارات والدراسات، وتجد الاحاطة الأخيرة اطارا لها في هذا الاتجاه.

وقد كان مجلس الأمن واا أكثر عندما دعا الأطراف الى التحلي بالواقعية والعملية كسلوك وكهدف. غير أن الواقعية ليست دعوة موجهة الى الأطراف المباشرين لوحدهما، بل انه الزم نفسه التحلي بها أيضا فيما سبق الاقرار به باستعداده لاتخاذ قرارات صعبة امتثالا لتوصية الأمين العام في تقريره لسنة 2017 ونفس الدعوة والتوصيات كانت موجهة الى بقية الاطراف في الجزائر وموريتانيا بان طلب منهما تقديم اسهامات وانخراط اكبر .

ومن أجل تجسيد هذه المبادئ والنظريات  كانت الزيارة الأولى الأخيرة التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام السيد هورست كوهلر للأطراف ثم للمنطقة والأطراف، ومن ذي قبل مشاورات برلين ولشبونة. وتفعيل ووضع أسلوب الواقعية قيد التنفيد فانه التقى اطراف غير رسمية، لكنها ذات صفة محددة بين التمثيلية والمدنية ووجهاء واعيان في الصحراء، كما عاين بنفسه مواقع ومشاريع وتجول في أماكن وكل ذلك له ذو بعد وخلفية وبرقيات في مواجهة الأطراف المباشرة، بحيث انه يتخذ من ذلك وسائل تساعده في تحقيق الملف.

غير أن السؤال يكمن فيماهية الرسائل والأفكار التي كانت موضوع احاطة هورست كوهلر لمجلس الأمن. ولا شك أن كل طرف أكد له مواقفه المعتادة، فالمغرب حدد منطلق ومدى المفاوضات، وهو بذلك يجدد عرض مبادرته وتصوره لشكل الحل بين الحكم الذاتي وبقاء الاقليم تحت سيادته.

كما أن المغرب حدد لمجلس الأمن الطريق الصحيح من أجل الوصول الى الحل مساهمة منه في تفكيك وتدقيق عناصر الواقعية المطلوبة في الحل، من خلال تأكيده ان الجزائر طرف أساسي في اطار صناعة المشكلة ودورها الأساسي في الحل، فهي من  من القوى الاقليمية التي تعرقل الحل ، والمعنية في توصيات وخلاصات تقرير الأمين العام 249 وقرار مجلس الأمن 1675، وتأكيده على ضرورة توفير شروط المفاوضات بتمام تنفيذ البوليساريو لقرار مجلس الأمن الأخير.

أما الرسالة الأخرى التي نقلها المبعوث الشخصي الى مجلس الأمن فتتجلى في تمسك البوليساريو بخطة التسوية واستعدادها باستئناف المفاوضات، ورفضها تنفيذ قرار مجلس الأمن في جزئه المتعلق بمنطقتي بئر لحلو وتيفاريتي،  وزعمها انها مناطق لا تدخل في مجال المنطقة العازلة وادعاء أنها “أراضي محررة”، وجديد دفوعاتها هو تذكيرها للمبعوث الشخصي بقرارات وأحكام  القضاء  والمحكمة الأوروبية.

أما عن موقف الجزائر فان هورست كوهلر نقل الى مجلس الأمن قرارها المعتاد بكونها تدعم البوليساريو اطلاقا من مبادئ ثورتها في مؤازرة قوى التحرر العالمية واعتبارها للبوليساريو كذلك ، وأن القضية تتعلق بحق تقرير المصير وضرورة الاسراع في الحل، كما اكدت له انها ليست طرفا اساسيا في النزاع خلافا للموقف المغربي، وبخلاف ذلك فان موريتانيا جددت موقفها بالتزام الحياد الايجابي وتدعم العملية السياسية التي تقوم بها الأمم المتحدة.

غير أن الأهم في احاطة المبعوث الشخصي للأمين العام ليس في نقل المواقف التقليدية للاطراف وحرصها على الصمود عليها، بل يتجلى في خلاصاته واستنتاجاته الشخصية ونظرته للمسار الواجب اتباعه.

فالجديد يتمثل في انه نقل لمجلس الأمن وجود طرف آخر من داخل الصحراء يرفض وصاية ونيابة واحتكار البوليساريو لصفة تمثيله ضدا على رغباته، ويرفض تغييب الأمم المتحدة واجهزتها لصوته ونفي ارادته في تحديد مستقبله، ولهذا استقبل في لشبونة والتقى في العيون والداخلة بممثلي الساكنة النيابيين والمجتمع المدني ووجهاء واعيان.

كما أنه نقل استنتاجه بخصوص مسألتي حقوق الانسان والمواد الطبيعية على اثر معاينته الميدانية واتصاله الحر مع الأشخاص والجهات التي رغب في ذلك، ونقل تعاون المغرب وعدم وضع قيود في تنقلاته ، كما عاين مستوى تنمية وتجهيزات الاقليم واستمع الى اقرار واعتراف الساكنة باستفادتها وان ما يتم انما في صالحها.

ان التحدي الذي تحاول الأمم المتحدة النجاح فيه حاليا يحكمه أولوية عدم تشويش اطراف ثالثة على عملها وعلى عنليتها السياسية، سواء الاتحاد الأفريقي وآلياته، أو الاتحاد الأوروبي وآلياتها.

والتحدي الثاني في الأولوية في ارجاع اللقاءات المباشرة بين الأطراف التي توقفت منذ 2012، وفي ذلك اقرار اممي بالكارثة التي تسبب فيها المبعوث الشخصي السابق كريستوفر روس. غير أن هذا الطموح لا يجب ان يكون غاية في نفسه وذاته، بل في استرجاع ثقة الأطراف في عدم الاضرار بمراكزها وحقوقها لمجرد انخراطها او دخولها في المفاوضات، وتفسير القبول بتلك الوسيلة اقرار او تنازل او اذعان للقبول بشيء خارج معادلة الحل السياسي التوافقي والاتفاقي الواقعي والعملي.

ولهذا فان مجلس الأمن يؤكد في توجيهاته وتذكيراته بأولوية السياسة،  قبل القانون، أي الممكن قبل المستحيل( الاتفاق على شكل الحل السياسي وعلى شكل تقرير المصير في اتفاق واحد)، بمعنى البحث في الممكن قبل المستحيل، وهو جوهر الاختلاف والتقابل بين الأطراف، ففي الوقت الذي يعرض المغرب حلا سياسيا، فان البوليساريو تتشبت بالقانون وآلياته رغم رسوب وعجز الأمم المتحدة في تطبيقه.

وفي اهتداء مجلس الأمن وبتشارك( اسلوب حديد في التدبير) مع موظفي الأمم المتحدة في الأمانة العامة في تفكيك تلك المعادلة، واقناع الأطراف بها  للمضي والتقدم لاحراز الحل الممكن والعملي، هو البداية الصحيحة لنجاح مسار الواقعية في السلوك والحل .

محام بمكناس،
خبير في القانون الدولي_ الهجرة ونزاع الصحراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى