close button

من ابن بطوطة إلى ماركيز دي ساد.. السادية تزحف نحو طنجة

منصف الادريسي الخمليشي

بينما كنت أتصفح حسابي على موقع “فيسبوك”، شدّني إعلان غريب لتظاهرة ثقافية يُفترض أن تُقام بمدينة طنجة. في البداية، ظننت أن الأمر يتعلق بمهرجان فني أو نشاط أدبي كما تعودنا من هذه المدينة العريقة.

لكن سرعان ما اتضح أن المحتوى يحمل في طياته ما هو أبعد من ذلك، بل وما هو صادم ومخالف لكل ما تربينا عليه كمغاربة، وكمجتمع يعتز بثوابته الدينية والحضارية.

فالإعلان لا يتحدث فقط عن نشاط ثقافي، بل يوحي – بشكل مباشر أو غير مباشر – بترويج أنماط من الممارسات الشاذة والخطيرة، تحمل بصمة فكر كان قد أثار جدلاً كبيرًا في التاريخ الأوروبي، ويتعلق الأمر بالفكر السادي، نسبة إلى ماركيز دي ساد، الكاتب الفرنسي الذي اشتهر بأعماله التي مزجت بين العنف، والانحراف، واللذة الجسدية المنفلتة، وهو نفسه الذي ظل اسمه مرتبطًا بـ”السادية” كنمط مرضي يجمع بين التلذذ بإلحاق الأذى والانحراف الجنسي.

اليوم، وبعد قرون من النقد والرفض لهذا التيار حتى داخل المجتمعات الغربية، نجد من يُحاول إعادة إحيائه في المغرب تحت غطاء “الحرية الثقافية”، وفي مدينة طنجة تحديدًا، المدينة التي أنجبت الرحالة ابن بطوطة، وكانت عبر التاريخ بوابة الانفتاح الراقي والحوار الحضاري.

فهل يعقل أن تُستبدل رمزية الرحلة والبحث والمعرفة، برمزية الانحراف والتلذذ بالعنف الجسدي والمعنوي؟

إن ما يُروّج له لا يمثل حرية شخصية، بقدر ما هو مسّ واضح بمقومات الأسرة المغربية، وبالقيم الإسلامية التي نص عليها الدستور المغربي كمرجعية أساسية. بل هو – في حال تأكيده – انزلاق خطير نحو تطبيع السلوكيات الشاذة وتمييع الهوية الجماعية للمجتمع المغربي، وكل ذلك في ظل صمت مريب من الجهات المعنية، سواء في جماعة طنجة أو في الولاية، أو حتى من طرف من يُفترض أنهم حماة النظام العام والقيم المشتركة.

لقد أصبحنا نلاحظ في السنوات الأخيرة تصاعد خطاب “التطبيع مع الانحلال” تحت مسميات مختلفة: حرية، تحرر، تقدم… لكن أي تقدم يُبنى على تفكيك الأسرة؟ وأي حرية تلك التي تُمارس على حساب كرامة الإنسان وهويته؟

ما يدعو إلى الحيرة أكثر، هو غياب التوضيح الرسمي من السلطات المحلية حول مثل هذه الإعلانات التي تروج لها بعض الجهات، ما يفتح المجال أمام الإشاعات، ويزرع الشك في نفوس المواطنين.

فهل الأمر فعلاً منظم؟ ومن هي الجهات التي تسمح به؟ وما الهدف من تمرير مثل هذه الأنشطة في هذا التوقيت بالضبط، الذي يشهد فيه المغرب تحركات دولية واستعدادات كبرى لاحتضان تظاهرات عالمية مثل كأس العالم 2030؟

مقالات ذات صلة

‫68 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى