مغاربة العالم وخطاب الذكرى 49 للمسيرة الخضراء
الكاتب : ذ- علي زبير رئيس المرصد الأوروبي المغربي للهجرة
منسق حزب الحركة الشعبية لمغاربة العالم
منذ مجيئ جلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى الحكم، تشكل خُطب المسيرة الخضراء حدثا دوليا ومنظورا ملكيا يبرهن من خلالها على أن المملكة المغربية دولة المؤسسات القوية وصاحبة السيادة المستقرة فوق كل شبر من أقاليمها من طنجة إلى لكويرة، وسلطة قانون قائمة باسم الدستور. خُطب تؤكد للعالم جمعاء من خلال المواقف السامية الحكيمة والمتبصرة لجلاللة الملك، على أن المغرب بإرادته القوية وتجنده التام للدفاع عن مغربية الصحراء، قادر على إنهاء كل أسباب النزاعات المفتعلة وساعيا إلى تقوية أواصر الإخاء بالمنطقة، خدمة لمصلحة الشعوب في أُفق تعزيز إتحادها وإستشراف مستقبل أكثر إشراقا.
بنفس الأسلوب والترتيب للأولويات الذي عرضه جلالة الملك نصره الله أمام نواب الشعب في البرلمان خلال الدورة الخريفية 11 أكتوبر 2024، تميز خطاب المسيرة الخضراء في نسخته 49، أولا بوضع جدول أعمال من نقاط عدة تُلخص تحديات البلد وتُشكل مفارقات صارمة، من أجل ترسيخ مواقف على خطى ثابتة؛ ثانيا بترسيخ الروح الوطنية المغربية التي تأسست عليها المملكة المغربية قبل قرون من الزمان، لشحن طاقة المغاربة في السنين القادمة، وإستعادة المبادئ والقيم التي قامت عليها الدولة، وتمكنت عبرها من تحقيق الإنجازات، وتجاوز المحطات الصعبة في تاريخنا المعاصر، حتى غدت الاستثناء الوحيد في منطقة شمال إفريقيا وغرب حوض البحر الابيض المتوسط.
” ترسيخ مبدأ تضافر جهود الجميع”، مبدأ لايقل أهمية عن الأولويات والإجراءات التي تبناها جلالة الملك وخاطب فيها كل مكونات المجتمع المغربي داخل وخارج الوطن خلال خطاب الذكرى 49 للمسيرة الخضراء.، ونحن كمغاربة العالم نرحب بهذا المبدأ المتكامل من الناحية القانونية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ونعتبره بالنسبة لنا كمواطنين مغاربة مقيمين بالخارج فرصة قوية وفريدة من نوعها لإستحضار واجبنا الوطني في تنمية أقاليمنا الجنوبية والتعريف بالقضية الوطنية والدفاع عنها أمام الرأي العام الأوروبي والدولي بجميع مكوناته السياسية والإجتماعية والثقافية، مسلحين بقوة الإيمان والعزيمة، متمسكين بقيم السلم والسلام وإحترام حقوق الإنسان تحت قيادة جلالة الملك نصره الله.
وعليه، فعلا وقولا، سنعمل وبحكم الزخم العلائقي المتمثل في الرصيد المهم من العلاقات الشخصية لدينا كحاملي الجنسية المزدوجة الطامحين إلى المشاركة في التدبير الشان العام بالمملكة خصوصا يوجد منا من يتوفرون على آليات وازنة أو سبق لهم أن كانوا وزراء منتخبين أو رؤساء مجالس أو مدراء منظمات دولية بدول الإقامة التي يمكن أن تفتح آفاقا واعدة للتعاون والشراكة والتوأمة مع المغرب لا سيما بالنسبة للدول التي تعترف بمغربية الصحراء والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي. سنعمل كذلك، وبحكم إمكانية الاستفادة من علاقات التعاون التي ينسجها أفراد الحركة الجمعوية من صفوف مغاربة العالم مع جهات مانحة وخصوصا منها المجالس المحلية والأحزاب والجمعيات بدول الإقامة في نصرة قضيتنا الأولى.
عبارة ” وتعزيزا لإرتباط هذه الفئة بالوطن” تجسدت فيها أروع صور التلاحم بين العرش العلوي والجالية المغربية في تاريخ المغرب الحديث، عبارة تدل على أهمية الأمور والتحديات المستقبلية خطوطها العريضة نخب وكفاءات مغاربة العالم. فالمهمة ليست بالسهولة التي نتوقعها، لكن البداية القوية لا بد منها لمنح الزخم المطلوب للتطلعات المتجددة لمغاربة العالم. جلالة الملك وفي حديثه وفر لمؤسسات الدولة الغطاء الكامل والدعم اللازمين، وأطلق شارة البداية لكّوْم إصلاحي شامل للإدارة وللمؤسسات المتعلقة بمغاربة العالم، حيث وجه رسالة واضحة للحكومة لمراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية والبرلمانية لتأخذ بعين الإعتبار خصوصيات ومتطلبات مغاربة العالم.
جلالة الملك كان دقيقا وصادقا عندما أكد ” قررنا إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج”. الجالية ، معروفة بتوفرها على كفاءات عالمية، في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية وغيرها. وهذا مبعث فخر للمغرب والمغاربة جميعا “؛ جلالة الملك كان صارما في قوله ” لهذا الغرض، وجهنا الحكومة للعمل على هيكلة هذا الإطار المؤسساتي على أساس هيأتين رئيسيتين” مجلس الجالية والمؤسسة المحمدية. والمسألة أن هناك إرتباطا واضحا بين ما يشهده الوطن من إنجازات جبارة عالمية هائلة وبين كفاءات مغاربة العالم من جهة، ومن جهة ثانية مؤسسات صناعة القرار والمؤثرون فيه لا تتوافر فيهم جميعا خدمة الصالح العام، ثمة مجموعات مكبلة بالمصالح الضيقة وأسيرة لثقافة المحسوبية والواسطة، وفريق آخر أضعف من أن يواجه ضغوط ومتطلبات مغاربة العالم.
خطاب المسيرة المظفرة 06 نونبر 2024، خطاب لايتطلب معجزات، بل إرادة قوية، وفريقا قياديا مؤمنا بالدولة ويملك تصورا لما ينبغي فعله خلال المرحلة المقبلة.عندما طغت المصالح الشخصية والحزبية وغاب الوطن وشاعت الخطابات الشعبوية وضاعت مصالح المواطنين المغاربة في الخارج ثم تفاقمت الخيانة والمحسوبية وتضاءلت النزاهة والإخلاص كما قال جلالته ” ونود الإشارة هنا، على وجه الخصوص، بروح الوطنية التي تتحلى بها مغاربة المقيمون بالخارج، وبإلتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته”.
خطاب المسيرة الخضراء 06 نونبر 2024، قرار لابد من الأخذ به بطريقة حاسمة، لضمان تحقيق العدالة الإجتماعية، باعتباره الوجه الأخر لسلطة القانون ولتكريس مبادئ الدولة المدنية، والمُوجه الرئيسي للرأي العام المعني قبل غيره بسيادة القانون. لذا يتعين على مؤسسات الدولة وعلى رئسها الحكومة ترجمة التوجيهات الحكيمة والرشيدة التي تناولها جلالة الملك في الخطاب وترجمتها بشكل ملموس على أرض الواقع وفي مقدمتها التمثيلية السياسية لمغاربة العالم، لا سيما وأن المفاوضات والمشاورات في شأنها لازالت قائمة بين الحكومة و الأحزاب حولها وهي فرصة لاستدراك حقوق مغاربة العالم في هذه العملية الديمقراطية.
ومما لا شك فيه ، ستبقى ذكرى المسيرة الخضراء خالدة، تَعتزُ بها الجالية المغربية وتُقدرها وتَعتبر كل خُطبها التاريخية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله دعما قويا لتحقيق مصالحها ومتطلعاتها، حيث يعتبر خطاب المسيرة الخضراء ليوم 6 نونبر 2005، الانطلاقة القانونية والحقوقية لها في تدبير الشأن العام بالبلد، ولحظة تاريخية أَقَرتهُ المواثيق الأساسية لثوابث البلاد في مبدأ الديمقراطية التشاركية، وهو يوم توافقت عليه وبالإجماع كل القوى السياسية والحقوقية والمدنية الوطنية وصادق عليه كل المغاربة داخل وخارج الوطن في دستور 2011، ووُثِقت له أربعة فصول في القانون الأسمى للبلد (فصول 16-17-18- 163 من الدستور)، ورحب به أكثر من 6 ملايين مواطن مغربي مقيم بالخارج. وسيظل خطاب النسخة 49 للمسيرة الخضراء قرار ملكي سامي وتحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج.
بروكسيل في 07 نونبر 2024