الجماعات الترابية بالمغرب: بعد الإصلاحات الدستورية و القانونية الأخيرة
في ظل المبادئ الجديدة التي جاء بها الدستور المغربي لسنة 2011، التي تهم الجماعات الترابية، أنيطت بهذه الأخيرة اختصاصات في حجم التحولات التي حددها الباب التاسع من هذه الوثيقة الدستورية و الإنتقال من مفهوم الوصاية إلى مفهوم المواكبة تأسيسا على مبدأ التدبير الحر الذي تم التنصيص عليه في الفصل 136، خصوصا بعدما طرحت عيوب الوصاية (المتمثلة في صعوبة الممارسة القانونية لها و كذا في طرقها) صعوبات في ممارسة سلطة المصادقة أو البطلان، و التعرض على المداولات و على تنفيذها أو سلطة تعديل بعض المقررات بعد رفضها.
غير أنه و انطلاقا من بعض المبادئ و المفاهيم التي أطرت علاقات الوصاية بالجماعات الترابية خلال السنين الأخيرة عبر ما اصطلح عليه ” بالتعايش و التمازج”، لوحظ قبل اعتماد القوانين التنظيمية للجماعات الترابية أن الوصاية أصبحت أكثر مرونة، و تسعى إلى تزويد الجماعات الترابية بالخبرة القانونية اللازمة و حث النخب المحلية على احترام القانون و الأنظمة، لتفادي تعطيل تدبير الشأن العام المحلي تنزيلا لمبدأ استقلال الجماعات الترابية : إذ كان الهدف من رقابة السلطة المركزية على الجماعات الترابية هو ضمان حسن إدارة المرافق العمومية المحلية، و أيضا بهدف جعل الوصاية أداة للمراقبة و التتبع، في تجلياتها التي تهم العزل و التوقيف.
إلا أنه كان من الضروري تحديد الاختصاصات بشكل دقيق سواء الخاصة بالدولة أو الجماعات الترابية، كما أصبح لازما توضيح دور القضاء الإداري و المالي في ضمان استقلال الجماعات الترابية و في الفصل بين الدولة و الجماعات في حالات الخلاف.
و عليه حاول دستور 2011 من خلال اعتماد مبدأ التدبير الحر و مبدأ التفريع أن يوجه النصوص التنظيمية الجديدة المتعلقة بالجهات و الجماعات الترابية الآخرى نحو التخفيف من أعمال الوصاية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة و تأمين ارتباطها بالسلطة المركزية حفاظا على انسجام الدولة و وحدتها.
من هنا برز تطور في مفهوم الوصاية، بالقطع مع الوصاية التقليدية و ظهور مفاهيم جديدة كالتعاقد و التشارك و حرية التدبير و حرية التسيير المالي، و الرقابة البعدية و المواكبة و المساعدة … إلخ… جريا على بعض النماذج المقارنة التي كرست مفهوم الرقابة البعدية عوض الرقابة المسبقة من خلال تقليص الإجراءات و التخفيف منها، و الانتقال إلى مفهوم الرقابة الإدارية.
لكن هذا النوع من الرقابة يتطلب تنزيل إصلاحات إدارية و مالية تواكب النصوص التنظيمية الجديدة المنظمة للجماعات الترابية لدعم استقلاليتها ، و جعل النخب المحلية أكثر شعورا بالمسؤولية و لتحملاتها. و أن تفعيل النموذج الحديث في الرقابة يقتضي التقيد بمبدأ المشروعية كدعامة لدولة القانون، استحضارا للنموذج الفرنسي الذي تدرجت فيه الرقابة على مرحلتين : مرحلة التعاون التعاقدي و مرحلة التعاون التشاوري، بعد الإلغاء التدريجي للوصاية التقليدية، والاعتماد بين المرحلتين على مبدأ حرية التسيير الإداري و مبدأ حرية التسيير المالي كمبادئ أساسية لضمان التدبير الحر للجماعات الترابية.
إلا أن الرقابة البعدية هي التي تحصن هذه المبادئ كما أوصت بذلك اللجنة الاستشارية للجهوية، التي أكدت على أن تنحصر الوصاية على القرارات و الأعمال على جدول الأعمال و الميزانيات في حدود ما تنص عليه القوانين و الأنظمة، مع تعزيز الرقابة القضائية التي تعطي الاختصاص للمحاكم الإدارية من أجل البث في شرعية القرارات و الأعمال، تحصينا لمبدأ التدبير الحر، خصوصا و أن دستور 2011 قد حدد في الفصل 145 للولاة و العمال أدوارا رقابية إدارية على الجماعات الترابية، لكن في ظل مستجدات الديمقراطية المحلية، يجب أن تنصب الرقابة على احترام الشرعية من طرف الكيانات المحلية في ممارستها لاختصاصاتها، خصوصا بعد تنصيص الدستور الجديد للمملكة على حذف الازدواج الوظيفي للولاة و العمال فيما يخص تنفيذ مقررات مجالس الجهات و العمالات و الأقاليم، و ذلك بهدف توطيد الارتقاء بتمثيليتهم للحكومة : كممثل للسلطة المركزية على الصعيد المحلي، في أفق تنزيل الجهوية المتقدمة كأساس للنظام الإداري اللامركزي بالمغرب، إلا أن هذا التطور لابد أن يكون في ظل تطور اللاتمركز الإداري كلازمة لتطوير الديمقراطية المحلية، حتى يمكن للمكونات اللامركزية المحلية أن تجد في عدم التمركز سندا و عضدا لها، يضمن تسريع اتخاذ القرار المحلي و تنفيذه، لمواكبة التنمية المحلية الشاملة، في إطار أقطاب جهوية إدارية و تقنية تحفز الدينامية الترابية، و هو ما أكد عليه جلالة الملك أيده الله بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة بالدعوة إلى ” إخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري الذي طالما دعونا إلى اعتماده و تحديد برنامج زمني دقيق لتطبيقه “.