رقمنة الاستهلاك.. ثورة في عالم التسوق تهدد التجارة التقليدية

تتغير أنماط وسلوكيات الناس منذ ظهور الويب 2 وما بعده، وارتفاع عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين تجاوز عددهم عالميا 5 ملايير مستخدم في يناير 2024 حيث عرفت هذه المنصات زيادة بنسبة 8 في المئة.

ومحليا تجاوز العدد في المغرب 21 مليون مستخدم في 2023، من أصل أزيد من 33 مليون مستخدم للأنترنت، وهي مؤشرات على أن سوق التجارة والخدمات عموما عبر الانترنت سوق واعد.

في خضمّ هذه التطورات التكنولوجية المتسارعة، يشهد عالم التسوق ثورةً هائلة يمكن أن نسميها ’’ رقمنة الاستهلاك”. هذه الثورة تُعيد تشكيل سلوكيات المستخدمين وطرق التسوق، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الشركات والمؤسسات.

ففي السابق، كان الاستهلاك يُمارس بطريقة تقليدية، حيث كان المستهلك يبحث عن المنتجات في المتاجر والأسواق الأسبوعية وأسواق الأحياء داخل المدن ويقارن الأسعار يدويًا.

أما اليوم، فقد أصبح المتصفح/ المستهلك “زبونًا مفترضًا” lead تُلاحقه عروض وخدمات مُخصصة بناءً على تحليل سلوكه واهتماماته عبر الإنترنت.

وتُعدّ التجارة الإلكترونية أحد أهم تجليات رقمنة الاستهلاك. فقد ازدهرت هذه التجارة بشكلٍ كبير، حيث أصبح بإمكان الشركات عرض منتجاتها وبيعها عبر الإنترنت دون الحاجة إلى متاجر تقليدية. كما ظهر اقتصاد البيع بالعمولة، الذي يُعدّ نموذجًا رائجًا في التجارة الإلكترونية، حيث يحصل الأفراد على عمولة مقابل الترويج لمنتجات أو خدمات معينة.

ولم تتوقف رقمنة الاستهلاك بالمغرب عند التجارة الإلكترونية، بل امتدت لتشمل ظهور محركات البحث الذكية الخاصة بالاستهلاك، مثل محرك كاطا الذكي، الذي يوفر على المستهلك المال من خلال عرض كاطالوغات رقمية قبل التوجه للسوق إضافة إلى مواقع أخرى مثل ثمانو وهوتا وغيرها.

هذه المحركات تُساعد المستهلكين في العثور على المنتجات التي يبحثون عنها بأفضل الأسعار، كما تُقدم لهم معلومات مُفصّلة عن المنتجات ومراجعات من قبل مستخدمين آخرين.

وتُعدّ البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي من أهم العوامل التي تُدفع عجلة رقمنة الاستهلاك حيث تُستخدم هذه التقنيات لتحليل سلوكيات المستهلكين وفهم احتياجاتهم بشكلٍ أفضل، مما يُساعد الشركات والمؤسسات على تحسين عروضها وخدماتها بشكلٍ دقيق.

هذه التطورات يمكن أن تشكل تهديدا للأسواق التقليدية التي لا تصل إليها محركات البحث، إذ تبقى الاسواق الممتازة المنظمة والتي تعيش انتقالا رقميا، هي المستفيد الأكبر من هذه التطبيقات والمحركات الذكية وثورة الذكاء الاصطناعي.

فالبائع في السوق الأسبوعي أو البقال الذي لم يرقمن خدماته وأسعار منتجاته لن تصل إليه عناكب محركات البحث، ولن يصل إليه الذكاء الاصطناعي الذي يحول مجرد تصفح عابر إلى رغبة في الشراء من المحل التجاري أو عبر الانترنت من خلال استخدام البطاقة البنكية، او الدفع عند الاستلام وهي من الطرق الشائعة في التجارة عبر الانترنت.

ومن أهم فوائد رقمنة الاستهلاك، توفير خيارات واسعة من المنتجات والخدمات للمستهلكين، وتسهيل عملية البحث عن المنتجات ومقارنة الأسعار، وتقديم عروض وخدمات مُخصصة للمستهلكين بناءً على احتياجاتهم واهتماماتهم، إضافة إلى زيادة أرباح الشركات والمؤسسات التي لديها حضور رقمي.

ومع استمرار التطورات التكنولوجية، يتوقع أن تستمر رقمنة الاستهلاك في التطور خلال السنوات القادمة.

وستؤدي هذه الثورة إلى المزيد من التغييرات في سلوكيات المستهلكين وطرق التسوق، مما سيُؤثّر بشكلٍ كبير على الاقتصاد العالمي.

ولذلك، فإنّ فهم هذه الثورة والتكيف معها يُعدّ أمرا ضروريا وحتميا للشركات والتجار الذين يرغبون في ضمان البقاء داخل عالم يتغير بشكل سريع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى