الجابري ومبدأ توحيد التعليم

على إثر أزمة التعليم التي شهدها المغرب والشذ والجدب بين الشغيلة التعليمية وتعنت الحكومة ، لا بأس أن نعود إلى بداية السبعينات حيث تعرض شخص ذو فكر واسع ومصداقية وهو (الدكتور محمد عابد الجابري) لمنظومة التعليم في كتابه (أضواء على مشكل التعليم بالمغرب) حيث سلط الضوء على كل أعطاب التعليم بالمغرب.
وبتحليله الدقيق كشف ان الداء بدأ منذ الإستقلال، حيث شكل الضغط الشعبي عاملا أساسيا في تحديد المبادئ الأربعة لما كان يتمناه ويطالب به شعب دفع فاتورة غالية من اجل الإستقلال، وقد حددت الدولة أنذاك هده المبادئ في :

1 المغربة – 2 التعميم – 3 التعريب – 4 التوحيد
بعد رفع هده الشعارات والمبادئ يحق لنا حاليا أن نتساءل ونطرح السؤال التالي :
مادا تحقق منها بعد هده السنين وبعد توالي حكومات ووزراء وتنوع المخططات ؟

يشيرمحمد الجابري إلى أن مبدأ المغربة تحقق باستبدال الأطر الفرنسية بالأطر المغربية. أما التعميم فنسبة منه تحققت ولكنه لم يكتمل، والدليل أن هناك مناطق كثيرة في المغرب العميق تفتقد لمدارس بشروط مكتملة، وحيث تعليم الإناث لا زال محدودا.
ولكن تفاقم مشكلات التعليم بدأت حين تنكرت الدولة لمبدأ ( التوحيد) .
فهدا المبدأ الدي يجمع أبناء الشعب حول تعليم واحد موحد تخلت عنه دولة لصالح تعليم نخبوي تتلقى فيه نخبة من ابناء العائلات الميسورة وأبناء المسؤولين في الدولة تعليما عصريا وتعليم عمومي لباقي أبناء الشعب .

هدا النهج ليس وليد اليوم ,بل يؤكد الجابري أنه بدأ منذ عهد الحماية بقوله (جميع أنواع التعليم التي عرفها المغرب على عهد الحماية ما زالت قائمة بنفس الشكل والمضمون بل ربما بانحراف أوسع) ًص 73.
وحتى بعد الإستقلال يصرح الوزير محمد الوفا في برنامج إداعي قائلا :
(هناك اختلالات وتراكمات مباشرة بعد استقلال المغرب في المنظومة التربوية …)
وحتى التعليم الحر الذي كان معربا وملجأ لأبناء الوطنيين وكان أمل المغاربة فقد تحول لمدارس خصوصية تركز في تعليمها على اللغة الفرنسية وهي بذلك تتشبه بمدارس البعثة الفرنسية. وقد تنوعت هده المدارس بين قسمين:

قسم يلتحق به المطرودين من المدارس العمومية وهم فئات فقيرة انتقلوا لهده النوعية من المدارس التي لا تتوفر على أدنى الشروط .
قسم يضم الطبقة المتوسطة والغنية ويدرسون بمدارس مشيدة بكامل الشروط وعصرية وتمثل نسخة لمدارس البعثات أي النموذج الفرنسي.

سؤال أخر يطرح هو :

ماهي دواعي وخلفيات إقرار النموذج الفرنسي ؟
مشروعية هدا السؤال يستدعيها أهداف وحرص المستعمر على الحفاظ على مصالحه وامتياز شركاته ونهبه لثروات مستعمراته.واعتقاده أن مبدأ التوحيد ليس في مصلحته. وهي أهداف لا تتحقق إلا بتكوين وتعليم نخب تسهر مستقبلا على كل مصالحه .
فهده النخب التي تلقت تعليما وفق ما أقرته فرنسا ,وسلمتها منحا لتكمل دراستها بجامعاتها ومعاهدها هم من سيتسلمون المسؤوليات ويصبحون أصحاب القرار عند عودتهم لبلدانهم .
طبيعي إذن أن ترتبط هده النخب بمستعمر تشبعت بثقافته. وكان أول ما فعلوه- في البداية – وهم يتقلدون وزارة التعليم هو تقليص هامش اللغة العربية وبدلك تم ضرب (مبدأ التعريب) واعتماد مناهج تقرها فرنسا وتختار تجريبها في مستعمراتها ومنها المغرب.
بعد سنوات لاحظوا أن أبناء الطبقة الشعبية باتوا يصلون إلى مناصب عليا وينجحون بامتياز في كل الشعب بفضل مجانية التعليم وتوحيده إلى حد ما.

من هنا بدأ التخطيط الإجرامي بالالتفاف على هدا التفوق وعلى المجانية فأعطيت التسهيلات للمستثمرين لبناء مدارس ومعاهد خاصة وبمواصفات مغرية لأبناء الطبقة المتوسطة والغنية فاستعانوا بمدرسين متخصصين وذوو كفاءات لرفع مستوى وقدرات أبنائهم. وكما صرح الوزير محمد الوفا في نفس البرنامج الإداعي قائلا: ( أن التعليم الخصوصي ناجح بفضل اساتذة التعليم العمومي).وهنا اختل التوازن .

أما في المدارس الحكومية أي في التعليم العمومي فتحايلوا بخبث ومكر فعربوا المواد العلمية إلى حدود الباكلوريا (والوزير أنذاك هو عز الدين العراقي الدي درس أبناءه في مدارس البعثة الفرنسية) أما في الجامعات وكليات العلوم فاستمرت الفرنسية وهوما خلق ارتباك وشكل عائق أمام استمرار تعليم الطلاب في الجامعة بعد أن اصطدموا بمواد علمية مفرنسة لم يتعودوا عليها بخلاف أبناء التعليم الخصوصي الدين لم يجدوا أدنى مشكل في متابعة تعليمهم بمواده المفرنسة.
لم يكتفوا بدلك بل حتى في التعليم الجامعي أسسوا جامعات ومعاهد عليا خصوصية تعتمد الأداء وكانت البداية ب (جامعة الأخوين) ولتصل اليوم إلى الكليات الخاصة للطب وطب الأسنان، الصيدلة، علوم الصحة و معاهد للهندسة وشعب العلوم الإقتصادية ../..

مادا نستخلص بعد قراءتنا لكتاب (أضواء على مشكلات التعليم بالمغرب)؟

تنتهي بنا قراءته إلى أن تحليل الدكتور الجابري لمشكلات التعليم – رغم صدوره في بداية السبعينات – تحليل لا زالت له قيمته وراهنيته. وأن ما أشار إليه من تنكر لمبدأ التوحيد هو نهج مستمر, وأن الهوة اتسعت بين تعليم النخبة وتعليم عمومي لباقي الشعب .

ولا عجب أن ينتهي بنا الأمر حاليا وتسوء أحوالنا لنجد رئيس حكومة ( بن كيران ) يصرح في قبة البرلمان دون حياء : (حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية ,مثل الصحة والتعليم)

مالحل إذن ؟

بدون التباس يصرح الدكتور الجابري أن الحل لمشكلات التعليم لن يكون إلا سياسيا بدمقرطته، والديمقراطية في التعليم وجب تحقيقها سياسيا حتى يصبح الشعب مالكا فعليا لكل قراراته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى