السنة الأمازيغية : اكتشاف إنساني انتصر على التناسي

بقلم محمد الشمسي

اندهشت حقيقة للتقويم الأمازيغي الذي وصل إلى سنة 2974 وهو تقويم ضارب في عمق التاريخ والحضارة معا…
وقد ارتبط كل تقويم تاريخي بحدث تاريخي عظيم، اختارته تلك الأمة ليكون عيدها ومرجعها، وسواء ربط الأمازيغ انطلاق تقويمهم بانتصارهم على مصر الفرعونية واحتلالهم وحكمهم لمصر، بل وتأسيسهم للأسرة الفرعونية رقم 22 كما تشير إلى ذلك بعض النقوش في عدد من المعابد، أو ارتبط التقويم بأحداث أخرى متناثرة بين كتب التاريخ، فإن عودة الدولة المغربية إلى رشدها وإقرارها رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة هو اكتشاف إنساني لأمة استوطنت المغرب بآلاف السنين وقبل الميلاد، وهو مصالحة مع الذات وانتصار غير مسبوق على سنوات الإجحاف والتناسي، وهو اعتراف بتاريخ وحضارة كانا الحجر الأساس لبناء أركان الأمة المغربية.
هي شهادة للتاريخ وأمام كل الإنسانية أنه لم نشهد ظلما بحجم الظلم الذي عرفته القضية الأمازيغية، على مستوى إهمال عمقها وتقديمها في صورة فولكلور راقص، وإشاعة نظرة دونية ونمطية على كل ما يحيل أو يوصل أو ينتمي للأمازيغية، ولعل الصورة التي قدمت بها مقررات التاريخ الأمازيغ للصغار تؤكد حجم الاضطهاد والجور اللذين عانت منهما قضية ظلت مطالبها في المغرب بلدها الأصلي مسالمة آمنة هادئة هدوء طباع أهلها…
نهنئ أنفسنا كمغاربة بهذا الحدث الحضاري، حدث التبني الرسمي للتقويم الأمازيغي ذكرى أو عيدا، وننادي بجعل التقويم الأمازيغي تاريخا وتقويما نضيفه إلى وثائقنا ومقرراتنا وفي مدارسنا إلى جانب التقويمين الفرنسي والعربي، حتى تدب فينا دماء وروح وطيف تلك الحضارة المنسية، وحتى نتصالح مع أنفسنا، لأن الأمازيغي في نهاية المطاف هو إنسان مغربي، شأنه شأن جميع المغاربة، بعيدا عن النعرة الطائفية، وبعيدا عن قنابل الأعراق والسلالات، التي كانت سببا في نشوب حروب مدمرة مبيدة، و نؤكد أن إقرار التقويم الأمازيغي ليس هِبة ولا صدقة يجود بها أحد على هذه الأمة المتجذرة في تربة وماضي المغرب، بل هو تصحيح لجريرة اقترفها جناة عن سابق إصرار وترصد، واهمين ببلاهة وقلة تجربة أنه يمكن طمس هوية أمة فقط بتغييب تاريخها ولغتها وتشتيت شعبها، واستئصالها لغرس تاريخ أمة أخرى مكانها، والحال أن أرض المغرب معطاءة تتسع لكل الأمم التي تنشد السلام والعمل المشترك لبناء الدولة، ولأولئك الذين يمتطون صهوة الدين الإسلامي ليزيفوا التاريخ، نجيبهم من الدين الحنيف نفسه بقوله تعالى: “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين”، فالإسلام جابه العنصرية وقاوم استعلاء قوم على قوم، ومن يظن أن سلالته تبيح له احتكار الإسلام وتوزيعه على الناس هبات وعطايا، فهو خارج مجال الإسلام…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى