فاجعة دمنات : ما مصير الاستراتيجية الوطنية لتقليص ضحايا الطرق؟؟

 

لازال أهالي ضحايا حادث دمنات الذي خلف 24 قتيل، وهي الفاجعة التي إهتز على هولها كل الشعب المغربي، وتناولت تفاصيلها الصحف الوطنية أو منابر إعلامية دولية.

لكن تستمر الحياة، وتمر الفواجع ، ويتناسى المسؤولون ككل مرة، كيفية الاشتغال ب ” جدية” والحد من النزيف الذي بات الشبح الأول الذي يتعقب المغاربة في الطرقات لقبض ارواحهم ، او جعلهم يعيشون بقية حياتهم في عاهة مستديمة.

الشاب إبراهيم وهو من أبناء سوس، التقته جريدة ” هبة بريس” يتذكر بأسى كبير حادث السير الذي تعرض، مؤخرا، حين باغتته سيارة كانت تسير بسرعة جنونية، واصطدمت بدراجته النارية، وتركته مضرجاً بدمائه في حالة فقدان الوعي، في حين فرّ السائق. هو نفس الوضع لحادث وقع بمدخل منطقة الكردان ضواحي تارودانت، شاحنة ” رموك ” تدهس شاب ويلوذ سائقها بالفرار ، ورغم وجود كاميرات على الطريق لم يتم توقيف السائق الهارب ، وغيرها من الحوادث المشابهة والتي يفر مقترفيها دون ان يتم توقيفهم ، وهو ما يدخل الضحايا في حالة تيه عن الإجراءات التي يجب أن يقوم بها هؤلاء بعدما يجدون أنفسهم شبه مقعدين من الإصابة الخطرة التي تعرضوا لها”. بعضهم يقول : ” انه لا يرغب في أخذ تعويض مادي عن الحادث، بل معاقبة سائق السيارة وإيداعه السجن، فما حدث معه بسبب السرعة والتهور في القيادة، قد يتكرر مع طفل بريء أو سيدة عجوز”.
تتسبب حوادث السير بحوالي 3500 وفاة و12 ألف إصابة خطرة سنوياً في المغرب، بمعدل 10 قتلى و33 إصابة خطرة يومياً. وتناهز كلفة أضرارها نسبة 1.7 في المائة من الناتج المحلي، بحسب ما كشف وزير النقل واللوجيستيك، محمد عبد الجليل في تقرير سابق قدمه إلى مجلس الوزراء في مناسبة اليوم الوطني لسلامة الطرقات الذي صادف في 18 فبراير من السنة 2023.

ورغم الجهود المبذولة لتقليل عدد حوادث الطرقات، لا يزال الوضع مقلقاً. خلال شهر واحد أواخر السنة الماضية ، سجلت المملكة 10028 حادثة سير في أنحاء البلاد، بزيادة نسبتها 18.6 في المائة عن الشهر ذاته في عام 2020، و13.8 في المائة مقارنة لشتنبر سنة 2019، بحسب بيانات “الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية” .

ولم تنجح الإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات المغربية في السنوات الماضية، وأبرزها تطبيق قانون مدونة السير بدءاً من مطلع أكتوبر 2010، وإنشاء لجنة وزارية مشتركة لسلامة الطرقات، في الحدّ من “حرب الطرقات” التي تعيشها شوارع المملكة يومياً أو تقليصها، ما جعل حوادث السير السبب الثاني للوفيات في البلاد.

باحثين في مجال حوادث السير، يرون أنه رغم انخفاض حوادث السير خلال عام 2020، بسبب الإجراءات التي اتخذت لتقييد حركة التنقل بين المدن إثر تفشي فيروس كورونا، لكن لم يتم الحفاظ على هذا الوضع بعد رفع الإجراءات الاحترازية. و بعد التدقيق في الوضع الذي ساد عام 2020 حين انخفض معدل الوفيات بسبب جائحة كورونا، تظهر المقارنة مع أي سنة عادية مثل عام 2019 زيادة في كل مؤشرات الحوادث ونتائجها”.
ويوضح أن “السلطات هدفت العام الماضي إلى خفض عدد الوفيات إلى أقل من 2800 وفاة و8000 إصابة بسبب حوادث الطرق، لكن بعدها سجلت 115506 من الحوادث، أي بزيادة مقدارها 12.4 في المائة مقارنة بعام 2019، و3436 حالة وفاة بزيادة نسبتها 1.5 في المائة، و155146 إصابة بزيادة 11.4 في المائة.

وفي ظل الأرقام المقلقة لعدد الوفيات والإصابات الخطرة في حوادث السير التي لا تزال طرقات المملكة مسرحاً لها، يقول مختصون أن “الدراسات التي أجريت على المستويين الوطني والدولي أظهرت أن العامل البشري يظل السبب الأول في أكثر من 90 في المائة من الحوادث”.

وتحدد المديرية العامة للأمن الوطني التي تتعامل يومياً مع حوادث السير، الأسباب الرئيسة لحصولها بعدم انتباه السائقين بالدرجة الأولى، ثم بعدم احترام حق الأسبقية، وعدم انتباه المارة المشاة، والسرعة المفرطة. وبين الأسباب الأخرى أيضاً، عدم ترك مسافة للأمان خلال القيادة، وتغيير الاتجاه من دون إعطاء إشارة، وافتقاد التحكم الجيد بالسيارة، وعدم احترام إشارة الوقوف المفروض، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، والقيادة في حال السكر، وعدم التقيّد بالوقوف المفروض عند إظهار ضوء الإشارة الأحمر، والسير على يسار الطريق وفي الاتجاه الممنوع، والتجاوز المعيب، وغير اللائق.

– ما العمل لوقف النزيف
ومن أجل، وقف نزيف حوادث السير، تتوالى المبادرات الحكومية التي تهدف إلى مواجهة آفة “حرب الطرقات”، وأبرزها الاستراتيجية الوطنية المحددة للفترة الزمنية بين عامي 2017 و2026 التي يسعى المغرب من خلالها إلى تقليص عدد الوفيات على الطرق بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2026، ما يشكل تحدياً تراهن على تحقيقه كل الهيئات التي تعمل في ملف سلامة الطرقات على المستوى الوطني.

من أجل تحقيق هذا الهدف، حشدت الوكالة موارد بشرية ومالية عدة لضمان نجاح إجراءات السلامة على الطرقات من خلال استهداف تحسين سلوك مستخدميها، والنظام المروري والبيئي فيها”، والأمر يتعلق بأنشطة رفع مستوى التواصل مع النظام وتدابير السلامة المتخذة، والإحساس بالمسؤولية الفردية وتجاه الغير. وهي مبادرات عملت الوكالة على إيصالها بكل السبل المتاحة عبر وسائل التواصل في الإعلام والإنترنت، وأيضاً من خلال الوجود الميداني”.

في السياق نفسه ، وضعت “الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية” المخطط الوطني للمراقبة المحددة فترته الزمنية بين عامي 2022 و2024، الذي يستند منهجه إلى تحليل حوادث السير وأسبابها الرئيسية، وتعزيز آليات المراقبة في محاور الطرقات التي تشهد أكبر عدد من حوادث السير، إضافة إلى تقييم العمليات. كما أطلقت الوكالة أخيراً عملية المعاينة والمراقبة الآلية لمخالفات قانون السير، ووضعت أكثر من 550 راداراً من الجيل الجديد في مختلف مناطق المملكة، بعدما كانت تجهيزاتها تقتصر على 140 راداراً.

– دعوات لتعزيز السلامة الطرقية

في عام تتجدد الدعوات من هيئات مختصة بالسلامة الطرقية او برلمان، لمطالبة الحكومة على مواصلة برامج تحسين البنية التحتية ، من طرق سيارة وطرق سريعة وطرق معبدة، لأن حالة الطرق تساهم كذلك في بعض حوادث السير”، كما جاء على لسان عدد من أهالي ضحايا حادث ” دمنات” بعد تاكيدهم أن هناك مقاطع طرقية صعبة وغير معبدة ساهمت في الحادث المآساوي، الذي خلف 24 قتيل.

كذلك هناك مطالب باستمرار العمل من خلال رقمنة المخالفات، لأنها ستساهم بشكل كبير في الحد من محاولات الرشوة”.

الاستمرار المكثف في برامج توعية الأجيال المقبلة بمدى خطورة الحوادث على مصير الأسرة”.

كما على السلطات المغربية، تعزيز مراقبة الأسطول الوطني من دراجات وسيارات وشاحنات وحافلات، لأن الحالة الميكانيكية للمركبات تساهم بشكل كبير في العديد من الحوادث”.
يجب على الحكومة أيضا مواصلة العمل على تحديث النقل العمومي الحضري وبين المدن، لأن هذا من شأنه أن يخفف الضغط على طرقات المملكة”.

إن أعداد القتلى المغاربة جراء حوادث السير أكثر من ذلك المسجل في حروب تقع الان في العالم ، وهو ما يؤكد ضرورة التحرك لأجل خفض عدد ضحايا ما بات يعرف بـ”حرب الطرق”.

وجب وضع خطة شاملة لمعالجة هذه الإشكالية التي، إلى جانب ضررها البشري، تكلف الاقتصاد المغربي حوالي 1.69 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى