هل يعاني الساسة المغاربة من “إعاقة” في التواصل والحوار؟

يبدو أن عددا من المسؤولين الحكوميين والساسة وممثلي الأحزاب المغربية في حاجة ماسة إلى دورات تكوينية مستمرة في التواصل والحوار، للتعليق بالشكل الصحيح عن الأحداث والقضايا التي تشغل بال الشعب وتهز الرأي العام.

مناسبة هذا الحديث، خروج بعض المسؤولين المغاربة بتصريحات وتعليقات “دون المستوى” ولا ترقى الى مناصبهم وإلى الجهات التي يمثلونها، والتي تساهم في إثارة الفوضى وإشعال الفتنة بدل إخمادها.

أولى هفوات مسؤولينا الكرام، تمثلت في خروج الأمناء العامين للأحزاب المغربية الممثلين للأغلبية الحكومية قبل أشهر ببلاغ موحد، عمدوا من خلاله إلى تخوين حراك الريف، واتهام نشطاءه بالانفصال.

الأغلبية الحكومية، اعتبرت في بلاغها المذكور، أن نشطاء الريف يعمدون إلى توظيف المطالب الاجتماعية من أجل المس بالمؤسسات الدستورية للبلاد، وتلقي تمويلات خارجية والعمل وفق مشاريع انفصالية، مشددين على رفضهم التسامح مع المس بالثوابت والمقدسات الوطنية من خلال الركوب على مطالب اجتماعية بشكل يمس بالوحدة الترابية ويروج لأفكار هدامة تخلق الفتنة في المنطقة.

بلاغ الأغلبية الحكومية، تسبب أنذاك في ضجة غير مسبوقة، بعدما صب النار على الزيت، وأدى الى غضب حقوقين وسياسيين وحزبيين ونشطاء الريف الذي رفضوا بشكل واضح وصريح اتهامهم بالتخوين والانفصال والتشكيك في وطنيتهم وإخلاصهم لبلدهم وملكهم .

رئيس الحكومة حاول تدارك فضيحة “بلاغ الأغلبية”، حيث قدم اعتذاره لساكنة الريف، وأكد في لقاء تلفزي أعقب الحدث، أن زعماء الأغلبية وقعوا في خطأ جراء اتهامهم للنشطاء ب”الانفصال”.

و يقال أن الانسان يتعلم من أخطائه غير أن مسؤولينا الأعزاء لا يتعلمون إطلاقا من أخطائهم الفادحة، حيث استغل بعضهم حدث حملة “المقاطعة الشعبية” التي يخوضها مغاربة من أبناء الشعب البسطاء، للخروج بتصريحات مرفوضة وسلبية.

بوسعيد، كان أول المسؤولين الحكوميين الذين استهتروا بحملة “مقاطعون”، وطل علينا من داخل قبة البرلمان بتصريح ناري هاجم من خلاله الفئة المقاطعة ووصفهم ب”المداويخ”، دون الاشارة إلى سبب انزعاجه الحقيقي من الحملة.

وزير الاقتصاد والمالية، وبدل البحث عن حلول واقعية ومعقولة لإرضاء أبناء الشعب الذي صوتوا لحزبه للوصول الى الحكومة ولاستوزاره بطرق معروفة، خاطب الحاضرين والمغاربة بالقول:”خصنا نشجعو المقاولة ونشجعو المنتوجات المغربية ماشي بحال لمداويخ اللي تيقولك باغين مقاطعة المقاولة المغربية لي مقاولات مهيكِلة ومهيكٓلة وكتشغل عباد الله وكتخلص الضرائب ديالها”.

الوزير بوسعيد الذي نسي أو تناسى أنه يقف بقبة البرلمان للدفاع عن حقوق الشعب وللتعبير عن احتياجاتهم وللبحث عن حلول لمشاكلهم ووقف معاناتهم، غلّب هذه المرة الحس الحزبي على الحس الحكومي والوطني، وأخذ يتحدث ويهاجم المغاربة الذي قاطعوا شركة زعيمه السياسي دون موجب حق.

تعليق بوسعيد عن حملة “المقاطعة الشعبية” أبانت عن ضعفه الواضح في التواصل السياسي الفعال الذي من الواجب أن يتحلى به المسؤول الحكومي على اعتبار أنه يعد أحد أبجديات العمل السياسي والحكومي.

تعليق بوسعيد، فتح الباب أمام عدد من زملائه بالحزب وعلى أسهم رئيس “الحمامة” عزيز أخنوش، الذي هاجم بدوره المقاطعين، واعتبر أن حملتهم لم تتجاوز “العالم الافتراضي”.

أخنوش، استغل حضوره بالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس، لتوجيه رسالة مشفرة للمغاربة المقاطعين، حيث خاطبهم بالقول:””لي بغا يلعب يمشي لبلاصة أخرى ، لأن المغاربة و الفلاح المغربي لي غيتضرر من هادشي”، قبل أن يشدد قائلا:”الانترنت مغاديش يوقفنا”.

أخنوش وفي رده على المقاطعين تحدث بلسان الوزير والزعيم الحزبي ورجل الأعمال والشخصية السياسية التي زاوجت المال بالسلطة حسب قول بنكيران، وتناست الحديث بلسان المغاربة الذي صوتوا عليه لتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.

أخنوش استهتر بحملة المغاربة ووصفها ب”الافتراضية”، ناسيا أو متناسيا أن هذا العالم الافتراضي انطلقت منه شرارة الربيع العربي وتسبب في إسقاط عدد من الرؤساء والزعماء العرب.

أخنوش الذي أطلق مسار الثقة نسي أن هاته الثقة سيكسبها أولا من تقربه المباشر من المواطنين ومن الاستماع الى معاناتهم والعمل على معالجتها، بدل مهاجتهم والاستهتار بموافقهم.

وكعادته، لم يكبح رئيس الحكومة السابق،عبد الاله بنكيران، لجام لسانه السليط، وأخذ يهاجم الفئة المقاطعة لثلاث شركات مغربية، معتبرا أن الحملة “مشبوهة” وورائها جهات غير معلومة.

بنكيران الذي طرد من الساحة السياسية من بابها الواسع، حاول استغلال القضية للعودة الى الأضواء من النافذة، وأخذ يدافع عن الشركات التي تم مقاطعتها، مشيرا الى أنها لم تقم بأية زيادات في الأسعار.

بنكيران، الذي عهدنا لسانه السليط وتصريحاته “الغريبة”، لم نعهد فيه محاربة الشعب وعدم الدفاع عن حقوقه واحتياجاته، ما دفع بعدد من المتتبعين الى الصاق “الشبهة” بخرجته الاعلامية بدل “الحملة الشعبية”.

بوسعيد وأخنوش وبنكيران وغيره من المسؤولين الذين رفضوا الاصطفاف الى جانب أبناء الشعب المقهورين من غلاء الأسعار وجمود الأجور، أصبحوا اليوم مطالبين بتعلم قواعد التواصل والحوار بدل التفنن في المهاجمة وفي إطلاق رصاصات تصريحاتهم القاتلة التي تصيب المواطنين وتؤلمهم دون رحمة أو شفقة.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. نحتاج نخب ديمقراطية لتسيير البلاد لا نخبا فاسدة تنخر جسد العباد. وهذا المتوفر حاليا

  2. عن اَي ساسة تتكلمون عن اَي تكوين تتحدثون كفانا هراءا وغباءا مع كامل احتراماتي لشعب مسالم لدرجة الهوان والذل ما المنتظر ممن تربى على الفساد والتخوين والتسلط. والله ما خفي اعظم فيقو شويا و كفى من احلام اليقظة

  3. أقسم لكم يمينا لو كنا في دولة ديمقراطية أوروبية وراكم وزيرها في الاقتصاد والمالية من التعاليق ماراكمه وزيرنا لطلب الاستقالة! لكن عندنا الضمائر مستورة وكأن شيئا لم يقع!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى