عندما نجح الفيلسوف وليام جيمس في توقيف الزمن !!! – الجزء الثاني

سعيد سونا – باحث في الفكر المعاصر

يقول الإمام علي كرم الله وجهه ” الإنسان إما أخ لك في الإسلام أو نظير لك في الإنسانية ” … لذلك أسس الإسلام بحزمة من النصوص الشرعية ، وعبر قطعياته لمنظومة من المبادىء في التعامل مع الآخر ، تحفظ له خصوصيته الشخصية والدينية وتضمن له كامل حقوقه اذا كان في بلاد الإسلام ، أما مع حلول النكبة أو ماسمي بمرحلة الانكسار التاريخي ،،،، حيث تم تهشيم مفهوم الأمة وتغول القطرية … ظهر في بلاد الإسلام مايسمى بالدولة المدنية العلمانية ، التي تعطي الشرعية لمفهوم المواطنة وتلتف على الدين وتجعله حرية فرضية لامصدرا للحكم والتشريع ،،، وأصبح الدستور والقوانين التنظيمية هي الفيصل في بسط أركان الدولة المدنية … فإذا قال نيتشه ” الجحيم هو الآخر ” ،،،، فالاسلام يعتبر الآخر مشروع مسلم وإن لم يكن كذلك ،،، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عندما مرت عليه جنازة يهودي ، سقط مغشيا عليه على ركبتيه ، وقيل له لماذا تبكي على يهودي ،،،، قال عليه صلوات ربي وسلامه ،،، كنت أتمناه أن يموت مسلما حتى أعتقه من النار ،،، فداك نفسي وكل ما أملك ياحبيبي أيها النبي والمفكر ، ورئيس الدولة الأمة ، والمشرع ، والقائد العسكري ، والقاضي الأمين ،،، فهذا الرسول بعثه الله للكون كله ، حتى يجعله واحة سعادة ، تبدأ من الدنيا ، وتمر على القبر ، وتنتهي بجنة أبدية…

هذا الإستهلال كان ضروريا ، حتى يهنأ أهل الجنابة ، ممن تؤزهم الشياطين أزا ،،، مصداقا لقوله تعالى ” أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِين عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزًّا ” أن الإقبال على انتاجات الآخر ينطلق مما أشرنا إليه من أرض صلبة ، في كل أبحاثنا السابقة واللاحقة … فمقولتي المقدسة في تمنيع الذات من أي قراءة اندماجية هي كالتالي ” ..

”لا تَتكِل على إيمَانكَ …
ولا تَركن إلى يَقِينكَ …

‏ تَبرأ مِن حَولِكَ وقُوَّتِكَ …
واستَعِن بربّكَ ليعصِمكَ …
وخَاصَةً في أزمِنَة الفِتَن …

فَأنتَ بِدونِ عَون الله وتَوفِيقه هَالِك!
اللهم انا بك ومنكم واليك ولك ابدنا بك وردنا إليك …

نعم اخترنا أن نمضي إلى الآخر، في مطارحة الموسوعة الفلسفية التي تمشي على الأرض ،،،، وليام هنري جيمس ،،، وخصوصا في شطحة خيال جميلة قام بها بلا قعر … فلا بأس من الخيال اذا كان يشعرنا بالسعادة !!!

وليام جيمس هذا نادى في الكون ، وأراد أن يتحدث مع الزمن لأنه تقدم به السن ولايريد أن يموت … فحضر الزمن في صفة رجل طويل القامة رأسه في عنان السماء ،،، بعصا طويلة غليظة يدب بها في الأرض … والبشرية كلها تنظر إليه !!!

وقال بصوت جهوري : أحدكم طلبني ؟
رد وليام جيمس : أنا
قال : ماذا تريد ؟
قال : لماذا تمشي أيها الزمن أريدك أن تتوقف ،،، لا أريد أن أموت ؟؟؟
قال : نعم سأتوقف لن تموت ،،، ولكن اعلموا أن الرجل الذي يشرب الدواء لن يشفى ، لأنه سيبقى يتألم ، وانت لن تضعي مولودك ستبقين حاملة … وهذا الطفل لن يكبر سيبقى هكذا …
وأضاف قائلا : أنا لست مسؤولا عنكم إذا تجمدتم

وحينذاك تسمر وليام جيمس في مكانه وقال للزمن :

لماذا لاتعود إلى الوراء نريد شبابنا الذي ضاع ؟؟؟

قال : سأعود للوراء ولكن ؟؟
فدب الرعب في قلب وليام جيمس وقال : ولكن ماذا أجيبني؟!

قال الزمن : انت سترجع شابا ثم طفلا ثم رضيعا ثم تعود لبطن أمك … وأنت الذي زوجك ميت ووعدتيه ألا تتزوجي بعده ،،، سينهض من قبره ويجدك متزوجة !!! وأنت أيها الشاب سينهض والدك من قبره ، ليسألك عن ثروته التي ضيعتها يمينا وشمالا ….

وفجأة استسلم وليام جيمس للزمن قائلا :

حدثنا أيها الزمن : هل أنت مظهر أم جوهر … أم ماذا ؟؟؟

قال الزمن : اعلموا جيدا ،،،، أن الحياة تتجدد ولا تتجمد ،،، الحياة تتخلد في النوع وليس في الأفراد ، النوع يبقى والأفراد يموتون، أوراق الشجر تسقط ، ثم تخلفها أوراق أخرى ، الآباء يموتون ثم يأتي الأبناء … وهكذا

فعلا إنها ثنائية الحياة والموت ، ويالها من شطحة خيال ، تشعرنا بالاطمئنان ، لكن ماهي أهم محطات فكر وليام هنري جيمس ؟؟؟

كان الفيلسوف ويليام جيمس أول معلم يقدم دورة عن علم النفس في الولايات المتحدة ، واستطاع عن جدارة أن يحصل على لقب ” والد علم النفس الأمريكي …
كان هذا العبقري مفكرا في العديد من التخصصات مثل علم وظائف الأعضاء ، وعلم النفس ، والفلسفة ، كما أنه صاحب مبادئ علم النفس  1890 ، الذي أعطى مزيج غني بدون شك في مجال علم النفس وأثر على أجيال من المفكرين في أوروبا وأمريكا ، وكانت كتاباته منذ البداية فلسفية بقدر ما كانت علمية …

من هو الفيلسوف وليام جيمس ؟؟؟

كان فيلسوفًا وعالمًا في علم النفس وأحد كبار المفكرين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وبعد انتهاءه من الدراسة في كلية الطب ، ركز جيمس على النفس البشرية ، وكتب تحفة فنية حول هذا الموضوع وهي مبادئ علم النفس ، واشتهر بالعديد من المقالات في الفلسفة الشعبية …

– حياة الفيلسوف وليام جيمس المبكرة :

وُلد وليام جيمس في مدينة نيويورك في 11 يناير 1842 ، وكانت عائلته عائلة فكرية ، وكان هو أكبر أبناؤهم الخمسة ، وتعلم على يد مدرسين في مدينة نيويورك وأوروبا ، وفي وقت مبكر تطلع جيمس أن يكون إما فنان أو عالم  ، وبالفعل درس الرسم مع وليام موريس هانت لأكثر من عام ، وبعد ذلك ترك حلمه في أن يصبح فنانًا ، والتحق بجامعة هارفارد لدراسة الكيمياء وعلم وظائف الأعضاء ، وذهب بعدها للدراسة في كلية الطب بجامعة هارفارد في عام 1864 ، وفي عام 1865 أخذ جيمس استراحة من التعليم وأراد الانضمام إلى بعثة لويس أغاسيز التي كانت ذاهبة إلى حوض الأمازون ، ثم ذهب إلى ألمانيا في عام 1867 للعلاج حيث أنه عانى من بعض المشاكل الصحية ، بما في ذلك آلام الظهر ومشاكل البصر والاكتئاب …

حياة وليام جيمس المهنية

قضى الفيلسوف معظم حياته الأكاديمية في هارفارد فبعد أن أنهي دراسته تم تعيينه مدرسًا في علم وظائف الأعضاء و علم التشريح عام  1873 ، وأستاذًا مساعدًا في علم النفس في عام 1876 ، وأستاذا مساعدًا للفلسفة في عام 1881 ، وأصبح أستاذًا رسميًا في عام 1885 ، ثم تدرج في السلم الوظيفي حتى أصبح أستاذًا فخريًا للفلسفة في عام 1907 …
وبالرغم من أن جيمس درس الطب وعلم وظائف الأعضاء و علم الأحياء ، إلا أنه استمد كل هذه الدراسات العلمية من العقل البشري نفسه ، وبدأ يتشكل علم النفس كعلم منفصل بذاته ، وعمل مع شخصيات معروفة مثل هيرمان هيلمهولتز في ألمانيا وبيبر جانييت في فرنسا ، وقدم دورات في علم النفس العلمي في جامعة هارفارد …

الفيلسوف وليام جيمس ونظرية المعرفة

كان جيمس صاحب النظرية الواقعية حيث كانت مزج بين نظرية المراسلات الحقيقية ونظرية التماسك من الحقيقة ، فقد أثبت أنه يمكن التحقق من الحقيقة إلى الحد الذي تتوافق فيه الأفكار والعبارات مع الأشياء الفعلية ، وكذلك تحقق من مدى تماسكها، حيث قد توافقت قطع اللغز معًا ، وتم التحقق منها بدورها من خلال النتائج المرصودة لتطبيق الفكرة على الممارسة الفعلية …

نظريات أخرى لوليام جيمس

هناك العديد من مساهمات جيمس في علم النفس حيث كان له العديد من النظريات ومنها :

– النظرية البراغماتية :

وكتب عنها جيمس بشكل كبير حيث عرف مفهوم البراغماتية ، ووفقًا للواقعية قال إنه لا يمكن إثبات حقيقة الفكرة أبدًا ، واقترح أن نركز بدلاً من ذلك على القيمة النقدية أو الفائدة لفكرة ما …

– النظرية الوظيفية :

عارض فيها وبشدة التركيز المبني على التأمل ، وتفتيت الأحداث العقلية إلى أصغر العناصر ، وبدلاً من ذلك ركز على مدى فعالية الحدث ، مع الأخذ في الاعتبار تأثير البيئة على السلوك …

– نظرية جيمس-لانج العاطفية :

وهذه النظرية توضح أنه أذا حدث ما يؤدي إلى رد فعل فسيولوجي والذي نترجمه بعد ذلك وفقًا لهذه النظرية ، تحدث العواطف بسبب تفسيراتنا لهذه التفاعلات الفسيولوجية …

– وليام جيمس والإرادة الحرة :

في بحثه عن الحقيقة والمبادئ المتنوعة لعلم النفس ، طور نموذجه على مرحلتين للإرادة الحرة فقد كان يحاول أن يوضح كيف أن الناس يتوصلون إلى اتخاذ قرار ، وما هي العوامل التي ينطوي عليها هذا القرار ، وكان يريد أن يحدد أولا القدرات الأساسية على اختيار الإرادة الحرة ، ثم حدد عاملين لدى كل شخص وهما الفرصة والاختيار …

– حياة وليام جيمس الشخصية :

تزوج جيمس من أليس هاو غيبنز في عام 1878 وأنجبوا خمسة أطفال ، وتعرض للاكتئاب الشديد تحديدًا عندما فقد هو وزوجته ابنهم هيرمان بسبب مضاعفات السعال الديكي في سن الثانية …

– حياة وليام جيمس اللاحقة :

خلال الفترة المتبقية من حياته ، ركز بكل طاقته على تطوير فلسفته الخاصة ، و كتابة المقالات ، والمحاضرات التي تم جمعها لاحقًا ونشرها في أربعة كتب ، واستقال من جامعة هارفارد عام 1907 ، فقد شعر بالقلق من أن يموت سريعًا قبل أن يستكمل فلسفته ، وكان وليام جيمس يعاني من العديد من الأمراض كالذبحة الصدرية وضيق في التنفس ، وكثيرا ما تعرض للاعتداء الفكري من قبل الفلاسفة السائدة بسبب معاملته البراغماتية للحقيقة ، والتي دافع عنها في مجموعة من المقالات المنشورة له حيث كان يتحدث عن معني الحقيقة …

وفاة وليام جيمس … فمن الواريث ؟؟؟

وفي عام 1910 أصيب بمشكلة في القلب وتعب تعبا شديدا ، ولم يتمكن من عمل أي أنشطة عادية ، وحاول جاهدا أن يستكمل كتابه حول مشكلات الفلسفة ، ولكنه توفي في 26 أغسطس  1910 ، وفي عام 1911 تم نشر كتابه الذي كان يعمل على كتابته حيث قام أبنه هنري بنشر ذكرياته ودراساته بعد وفاته ، وقام بعدها بتجميع كل المقالات والاستعراضات وخطابات  وليام جيمس وتم تحريرهم في مجلدين ، ولقد لاقت كتاباته الكثير من الإعجاب حيث كان يتميز بالأسلوب النابض بالحياة والمفعم بالحيوية ، فقد مارس وليام جيمس التفكير التلقائي ونضارة التعبير ….

يتبع ….

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى