بلخير حموتي … هناك من يسكنون المغرب وهناك من يسكنهم المغرب

تقول الحكمة الزنيبية ” لا تكن ثرثرة في كل ناد تخطب ” ويكاتفها البيت الشعري المحمود …
وخير الكلام قليل الحروف – كثير القطوف بليغ الأثر .
ولهذا لن أقول عن ضيف هاته المقالة إلا ما انتهى إليه الإجماع ،،، إنه ببساطة الأب الروحي للبحث العلمي في المغرب ، هذا الإجماع بلغ ذروته عندما صادق عليه مولانا الإمام دام له العز والتمكين، وهو يوسم البروفيسور بلخير حموتي بوسام من درجة فارس … نعم هو كذلك فارس بكل توابل الفروسية ومناقبها ،،، فارس يكر ولايفر ، ولايعرف للهزيمة والاستسلام سبيلا … فارس وضع مستقبله وراءه وتفرغ لمستقبل الوطن ، حتى يقتل القلق الذ اغتصب صدور المغاربة ، وجعلهم أسرى في يد اليأس والركون إلى كتيبة السلبية ، فأعظم ماتقدمه لغيرك أن تكون أنت الفكرة الآمنة في رأسه القلق…بلخير حموتي يقول لكم ،،، مازالت هناك ضحكات لم نضحكها، وسعادات في جيب الأيام لم نعشها، وأشخاص لم نقابلهم، وأحلام لم نحققها، وخبايا في العمر جميلة تنتظرنا ،،،، فصبرا جميلا يإخوة الوطن … هكذا يكون الإنسان عميقا دون أن ينتبه ،،،، فعجبا ممن يصنعون تماثيل من الثلج ويخشون ذوبانها !!! وفي هذا الباب نقول ،،،، لسنا ملزمين بفلسفة التأويل مادمنا عارفين بسر مهنة الصانع وأهدافه… فراقبونا من بعيد جيدا وخدوا نفسا عميقا ، واحترقوا بهدوء … لن نترككم تنصبون المشانق للأمل ونحن نتفرج ،،، فقد قرأنا في دفاتر التاريخ أجمل ماقيل في الاستقلالية ” إنه عقلنا نحن ، فلاتبحثون فيه عن أفكاركم التي أنهكها الكرب ” …. عالمنا هذا يمقت الجدل فهو ينشد ربض الجنة ،،،، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مامعنى الحديث ،،، أن هناك نوع من الناس لهم مكان في ربض الجنة أي وسط الجنة ،،، وقيل له من هم يارسول الله قال لهم ، قوم يتركون الجدال ولو كانوا على حق … واني والله أحسب سيدي بلخير حموتي من هؤلاء ، فليس له وقت حتى يتفرغ لسفاسيف الأمور… المفكر المغربي محمد عابد الجابري ،،،، في تحيينه ” لنظرية المثقف العضوي ” للفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي يقول ” على المثقف العضوي أن يطلق برجه العاجي ، ويحشر أنفه في كل مايخص المجتمع ” لذلك كان سيدي بلخير عالما ويتجول في الأسواق… أما مايحيرني إلى حد الآن، هو تفوق زمنه العلمي ، على زمنه العمري بسنوات ضوئية، فعندما تقرأ انجازاته تظنه رجلا طاعنا في السن ، لكنه لازال قسيم الوجه، انيقا رشيقا بروح جد مرحة ….

تقول الحكمة، قبل أن تشرع في افتراس الوليمة ، فلابد من استقبال الضيوف ،،،، فالخباز الشاطر يطبطب على عجينته برومانسية ليدخلها للفرن وهي واثقة من سلامتها … لقد جاء الرجل من زمن سحيق ، ليوقظ المغاربة من نوم العوافي ، فهو لايؤمن بنظرية الفيلسوف نتشه ” تسقيف الحرية ” فسقف الحرية عنده هي السماء ، هكذا يمارس عشقه لوطنه بدون فرامل اليأس، الذي إذا تنكب لك وتمكن منك قتل كل ماهو جميل في ذاتك ،،،،، لذلك اختار الرجل أن يتغافل عن كل السلبيات ، لكي يجري دم الأمل في عروقه بأناقة ، فهو يريد أن يكون حقيقيا، “فالبحث عن الحقيقة أشرف المهن، والمعرفة هي عبادة للخالق، والعلم في الغربة وطن والجهل في الوطن غربة ” صحيح لكل عصر جاهليته، وجاهلية عصرنا الكفر بالوطن وتعظيم الآخر، لكنها علة استحيت أن تدخل قلب سيدي بلخير الذهبي ، فهو ممنع ضد من يزعزع يقينه بأن ” المغرب أجمل وطن في البسيطة ” نعم يؤمن بهذا إلى حدا الثمالة ، ويعمل من أجل هذا ليؤكد أن حلمه ليس فنطازية شاعر ، بل خلاصة علامة مؤمن بالله ووطنه وبعظمة ولي أمره ، وبفخامة هذا الشعب الذي يجب أن يترك فتنة الارتماء في وهم اللاوطن، وأن يعتنق خصلة الإيمان ببلد له من الامكانيات لكي يناطح بها من يظنون أن السيادة لهم في تسيير الكون ، عبر امتشاق قلمهم الأحمر لتعقب زلاتنا ،،،، لكن من المسؤول ؟؟؟ نحن من يتحمل المسؤولية ، بعدما أصيبنا بداء الكسل الفكري ، في ظل طغيان بيع ناصية عقلنا للآخر ، فأصبحنا نفوض الاخرين التفكير عنا ، ونأخذوا ماقالوا دون مناقشة ، فالمهم عندنا من قال ، وليس ماذا قال !!!

لن أنسى عندما قال لي سيدي بلخير ” لدينا مليون طالب اذا قمنا باستثمارهم بعقلانية سنكتسح بهم العالم لامحالة ” أحسست حينها انني بصدد الاستماع لولي صالح ، يثق في ربه ويتوكل ، ليزرع في الناس كل مفردات الفضيلة .

نعم كلما امتلأ الإناء قل ضجيجه… لذلك تجده يتمتع بثقافة انصات رهيبة ، وبتواضع سريالي يجعلك تحس بالدونية أمام عظمته ، ويجعل ذاكرتك تنتعش كأنك تعرفه منذ زمن بعيد ،،،، قسمات وجهه ليست غريبة علي ، وتقاليده في إحياء أيامه تقول ” والله اننا في زحام من النعم ولكننا أدمنا الشكوى” فمجرد التفاتة بسيطة في كتب التاريخ ، تجعلك تتيقن أن الرجل نسخة كربونية من الفرابي وابن سينا والكندي وابن رشد وما شئتم من المخلدة أسمائهم من الأولياء والصالحين … فهنيئا أن يتواجد بين أضلعنا فلتة تسللت إلينا من فلتات المجد حيث كنا نقود البشرية…فكل يوم من أيامه يحفل بملاحم العظماء ، فهو لايشتكي ولايتنهد ولايرخي سحنته للحزن ، الابتسامة أدمنت اكتساح محياه الملائكي، حتى ظن الجميع إنه خلق بها ،،،، فعلا لن يترك هاته الدنيا حتى يملؤها بتعظيم الوطن وتقديس الذات وتقزيم شيء اسمه المستحيل ….فالله الله أيها الولي الصالح فقلبي الصغير لايتحمل كل هذا !!!

إن التربية كما قال سقراط هي إيقاد فتيل لاحشو إناء ،،، ولهذا فإن سر النجاح عند الرب والعبد ، الأخلاق أولا ووسطا وأخيرا ،،، أسألك بالله والرحم أيها الولي الصالح ، ألا يدب العياء في ذهنك وجسدك ، وانت تخدم الناس بدون أف ولاتبرم ،،، الحلم والعلم وسلامة الصدر ، والنظر إلى النصف الممتلأ من الكأس دون نصفه الفارغ …

قالت عائشة أم المؤمنين لوالدها أبا بكر الصديق رضي الله عنهما ” لماذا تطيل النظر في وجه علي ، قال لها إن النظر في وجه علي عبادة ” وعلى رسل أسلافنا الصالحين أقول بدون تردد ، إن النظر في وجه سيدي بلخير وفي سيرته واستشرافه للمستقبل ، إيمان ويقين أن مملكتنا الشريفة تتجه نحوى شيء عظيم يليق بتاريخها وبعراقة شعبها وعظمة ملوكها … يقولون إن الذي ينام على الأرض لايسقط ، لذلك لازالت أقدام الرجل راسخة في الأرض، فهو لايخطط ولايشتغل إلا على أرض صلبة ، بدون غلو ولاغرور ،،،، يطرق الأبواب مهما كان سمكها حتى نعزف جماعيا ملحمة نجاح الوطن بدون نشاز … فاليد الواحدة لاتصفق، والزهرة الواحدة لاتصنع ربيعا … فما على رجالات هذا البلد ومؤسساته إلا إنقاذ البحث العلمي من السكتة القلبية ، فتوسيم عالم من طينة سيدي بلخير من طرف صاحب الجلالة ، إلا رسالة جلية لايهال عليها التراب ، بأن لاحياة لأمة بدون رفعة علمها وعلمائها، فالبحث العلمي هو من يجعل وجه المغرب وسيما أمام العالم ، وهو الرقم السري لخزانة دولة متماسكة اقتصاديا …

سيدي بلخير لاينهننه المشيب ، لأنه زاهد ابن زاهد ، ولن ينفذ منسوب الغرينتا الخرافية التي يمتلكها، فلن تنال منه لعاعة من لعاعات الدنيا، كالمناصب والألقاب، فهو اقسم ألا يستريح حتى يرى راية البحث العلمي في المغرب ترفرف بشموخ … ولن تنال منه أراجيف المتهافتين، فمن تصدر لخدمة العامة ، لابد أن يتصدق بعرضه على الناس ، لأنه لامحالة مشتوم، حتى وان واصل الليل بالنهار ،،، كما قال ابن حزم الأندلسي…. فلا العقبات تكسر العظماء ، ولا الطعن من الخلف يطفىء شعلة الوطن في صدورهم ، فهم في مرابطتهم وصمودهم الأبدي يرددون قول الشاعر :

بلادي وإن هانت علي عزيزة – وأهلي وان ظنوا بي كرام

إنه موسوعة تتحرك بين طلاب العلم ، فكل دروب المعرفة نهس منها نهسا ، لذلك تحصن بايمانه القوي ، ولم يترك للشيطان فروجا يتسلل منها ، ولسان حاله يقول ” اعتنوا بالحيوان الأليف الذي بداخلكم ، حتى لايفترس الإنسان” ،،،، فكيف يتم إقناع الغصن المكسور أن الريح قد اعتذر !!!

ان مقاومة التفاهة فضيلة الوقت ، والاعتكاف على إصلاح ورش النفس ضرورة إيمانية، فقد قيل لابن الهيتم : ما نراك تعيب أحدا؟ فقال : لست عن نفسي راضيا حتى اتفرغ لدم الناس … سيدي بلخير ليس مثل خوارج هذا الزمان الذين يثيرون التنذر والتفكه ، فكلما قرؤوا كتابا شككوا في وجود ربهم، أما عالمنا الرباني ولي صالح مؤمن زاهد يعرف ربه ويقوم بواجباته…

لهذا كله وأكثر يستحق عالمنا الجليل هاته المقولة ” هناك من يسكن المغرب ،،، لكن هناك من يسكنه المغرب … سيدي بلخير نموذجا ” ولقد أطلقها من قبل عبد الرحمن المجذوب مدوية ” الناس زارت محمد وانا ساكن في قلبي ”

السيرة العلمية للعلامة بلخير حموتي :

البروفيسور بلخير حموتي وخلال مسيرته العلمية، حصل على الوسام الملكي من درجة فارس في عيد العرش السعيد سنة 2015 وقبلها على عدة جوائز وتصنيفات بينها جائزة “سكوبوس” سنة 2006 تمنحها شركة مقرها لاهاي الهولندية بناء على قاعدة بيانات أنشأتها بغرض جرد أهم الأبحاث العلمية في عدد من التخصصات بين سنة 2000 و2005، ثم الجائزة العربية للكمياء سنة 2013 برأس الخيمة بالإمارات.
كما صنّفته جامعة ستانفورد أمريكية ضمن أفضل 2% من الباحثين في العالم وكذلك المؤسسة العالمية كلاريفيت التي تشرف على قاعدة البيانات ويب اوف ساينس على جائزة مؤسس المجلة المغربية للكيمياء. أسس كذلك مجموعة من المجلات العلمية منذ سنة 2010 في ميدان المواد والبيئة والتكنولوجيا… يقترب من 700 مقال على موقع سكوبيس

إليك أيها الولي الصالح ولكل من يزرع فينا الأمل ، هاته المقولة الهازمة للذات للمجاهد سيدي محند ابن عبد الكريم الخطابي ” ليس هناك نجاح أو فشل ، انتصار أو هزيمة ، بل شيء اسمه الواجب ، وانت قمت به قدر استطاعتك ”

سعيد سونا – باحث في الفكر المعاصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى