الحرب المبيدة: روسيا والأطلسي على خط التماس

لم يسبق للقوتين العالميتين العظمتين أن وقفتا وجها لوجه بشكل مباشر ودون وكلاء عنهما في تاريخ مواجهاتهما، الجيش الروسي بترسانته المرعبة من جهة، ودول النيتو بزعامة أمريكا وخلفها دول أوروبا من جهة ثانية، وساحة المعركة هي الأراضي الأوكرانية.

روسيا ترفض الزحف الامريكي الاوروبي نحو حدودها، وتجد أعداءها في المذهب على مشارف موسكو، فانضمام اوكرانيا لحلف النيتو يعني رصد وعَدُّ أنفاس الروس بواسطة آلات الرصد العسكرية الغربية المتطورة، بالمقابل فإن أوكرانيا ترى أن قرار انضمامها للأطلسي يدخل ضمن ممارستها لسيادتها ، ولا يعنيها جوارها لروسيا، أما النيتو فوجد في الطلب الأوكراني حلا نزل من السماء يقربه أكثر من العدو الروسي.

الأصابع على الزناد، وقلوب العالم تخفق وترتعش، إنها حرب إذا قمت لن تبقي ولن تذر، القصف فيها لا يستهدف فقط البشر، بل يتعداه لترك أثر ينذمل على بعد عقود من الزمن، فالروس يسعون للحشد من اجل حسم معركة وجودهم، باعتبار انضمام اوكرانيا للغرب يكشف سوءتهم ويعري مؤخرتهم ويفضح مستورهم العسكري والاقتصادي والسياسي، أما الغرب فوجد نفسه في مأزق لم يتوقعه أكبر المتوقعين لديه، فهو لا يقوى على حصد خيبة أو هزيمة تجعله أضحوكة الرأي العالمي، ولن يترك الروس يسجلون عليه نقلة حاسمة في لعبة الشطرنج التي يجيدها آل بوتين ولافاروف.

بالنسبة للصين فهي تضع اليد على الخد وتتابع، هل تنضم لروسيا أختها في رضاعة الاشتراكية، فتؤلب عليها الغرب الذي قد يوقف زحفها التجاري وغزوها للأسواق؟ أم تترك الديكة تتعارك ليخرج المنتصر فيها منهكا وتنقض الصين على الريادة؟…
أوروبا كلها مع أوكرانيا، لكن روسيا وحدها عالم، ودعم دول العالم لا يعنيها.

الدول الصغيرة تعد الأيام في هلع وفزع، وتتابع الأخبار عبر وسائل الإعلام، لا مجال لوساطات الصغار حين يتخاصم الكبار، الحرب ستضرب الأمن الاقتصادي، ارتفاع صاروخي في مواد كثيرة كالبترول، وانهيار وشيك للبوروصات، الحرب ستفرز أزمات فوق الأزمات.

بالنسبة للخبراء والمتابعين فالحرب قائمة وعلى أشدها حتى بدون إطلاق نار، المواجهة الاعلامية والكلامية والتراشق بالبيانات والبلاغات والتصريحات بين الغريمين على أشده، والرئيسان الامريكي والروسي اكتفيا بمكالمات هاتفية بينهما زادت الوضع تعقيدا.

والامين العام للأمم المتحدة المسكين كعادته قلق وأسف ويدعو لتغليب حكمة لا يؤمن بها أحد.
الجيش الروسي لن يعود لثكناته مالم يقطع الشك باليقين ويمنع الناتو من وطء الاراضي الاوكرانية، والنيتو وضع نفسه في مأزق لن يخرج منه إلا بإرجاء البت في الانضمام الاوكراني أو التخلي عن أوكرانيا كليا، ففي مثل هكذا تصعيد بكل هذا الزخم والقوة تطفو المصالح على حساب المبادئ، فالفريقان معا يملكان أسلحة نووية وبيولوجية وأخرى أكثر فتكا وسفكا، والفريقان معا يعرفان قوة بعضهما، لكن الكفة تميل نحو إرضاء الروس وترك الوضع غامضا في الملف الاوكراني واكتفاء الغرب بدعم اوكرانيا اقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا محدودا، وفي أقصى ما يمكن تحقيقه لخفض التصعيد هو قبول عضوية صورية لأوكرانيا في النيتو تحت عيون روسيا وبموافقتها في اتفاق قد يظهر قريبا …
فهل سيغلب صوت الحكمة وينتهي فيلم الرعب هذا، رغم أن المتعاركين ليس فيهم حكيم واحد؟…وهل تعلمت الإنسانية من دروس الحروب المدمرة السابقة التي حركتها المطامع، ولم تحن منها غير الخراب والقبور والعاهات، فلازالت رائحة أشلاء الحربين العالميتين تزكم الأنوف في المنطقة؟…ومتى نرى سلالة من السياسيين يحشدون قواهم لحل قضايا العالم العالقة بالسلم، ولمحاربة المجاعة والفقر والظلم والقهر، الذي تعيشه البشرية في مناطق شتى من هذا العالم المظلم الذي بات من يصنع فيه السلاح سيدا له…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى