لماذا ليس قانونيا قرار تسقيف السن الأقصى في 30 سنة لتوظيف “أطر الأكاديميات” ؟

ينص الفصل 6 من الدستور أن “القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له”. وفي هذا الإطار، يأتي هذا الرأي القانوني حول مدى مشروعية قرار تسقيف سن التوظيف في 30 سنة بالنسبة لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والذي رأيت أن أبسطه في شكل أسئلة وأجوبة حتى تسهل عملية استيعاب مضامينه؛

هل الأكاديميات الجهوية مصالح لا ممركزة للوزارة أم مؤسسات عمومية ذات شخصية قانونية مستقلة عن الوزارة؟

إذا كانت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مصالح خارجية، نكون أمام مجرد بنيات إدارية غير ممركزة، تنشؤها الوزارة في إطار تخفيف أعباء الإدارة المركزية و تقريب خدماتها على المستوى الترابي. فالمصالح اللاممركزة للوزارة لا تتمتع بالشخصية المعنوية، وإنما هي تابعة للوزير، وتعمل تحت اشرافه و تحت سلطته الرئاسية، وصلاحياتها هي مجرد تفويض منه، بحيث يمكنه من الناحية المبدئية سحبها أو تعديلها أو تحديد مجالها ونطاقها الزمني والموضوعي في كل وقت وحين، بل يمكنه الحلول محل ممثليه في اتخاذ بعض القرارات، وفق ما تقتضيه متطلبات طريقة التدبير الخاصة بكل وزير، والتي يجب أن تتلاءم على كل حال مع مضامين مرسوم اللاتمركز الإداري الذي هو قرار حكومي موجه في هذا الصدد. أما إذا كانت هذه الأكاديميات المذكورة مؤسسات عمومية، فإنها تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، بما يعنيه ذلك من هيئات تدبيرية خاصة و ميزانية مستقلة وموارد بشرية ذات نظام أساسي خاص. إنها نوع من اللامركزية الوظيفية التي تعترف لهيئة معينة بشخصية قانونية مستقلة عن القطاع الحكومي الوصي. وبالرجوع إلى القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لاسيما “المادة 1” منه، نجده ينص على أن الأكاديميات هي مؤسسات عمومية، ويسيرها مدير معين بظهير (أصبح يتداول بشأنه في المجلس الحكومي)، وتديرها هيئة تداولية هي المجلس الإداري، و الذي يترأسه وزير التربية الوطنية كما تنص على ذلك “المادة 4 ” من القانون المذكور ، استثناءا عن باقي المجالس الادارية للمؤسسات العمومية التي يترأسها رئيس الحكومة. كما أن المادة 3 من المرسوم بشأن “اختصاصات وتنظيم وزارة التربية الوطنية” كما تم تعديله تنص على أن وزارة التربية الوطنية “تشتمل بالإضافة الى ديوان الوزير على إدارة مركزية وتمارس وصايتها على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين”. إذن الأكاديميات لا تنتمي عضويا لوزارة التربية الوطنية لا من الناحية الإدارية أو المالية، لأنها مؤسسات عمومية مستقلة. ولما كانت كذلك، فإن العلاقة القانونية التي يمكن أن تكون بينها وبين وزير التربية الوطنية هي علاقة الوصاية الإدارية. و هذا ما تشير إليه “المادة 1” من القانون القاضي بإنشاء الأكاديميات السابق الذكر، والتي تحصر مهام الوصاية الإدارية للوزير على الأكاديميات الجهوية في “ضمان احترام الأكاديميات لتطبيق النصوص المتعلقة بمؤسسات التربية والتكوين والنظام المدرسي، وكذا شروط التعيين في مهام الإدارة التربوية”. إنها اذن رقابة إدارية قائمة على المصادقة أو رفض المصادقة على القرارات على ضوء القوانين ذات الصلة، وليس السلطة الرئاسية التي تسمح بتعديل القرارات والحلول محل الأكاديميات في اتخاذها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن صلاحيات وزير التربية الوطنية على مستوى الوصاية الإدارية، تختلف عن صلاحياته كرئيس للمجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين التي هي هيئات تداولية تتخذ قراراتها عن طريق التصويت.

2. هل من حق وزير التربية الوطنية قانونا أن يحدد شروط توظيف “أطر الأكاديميات” الخاصة بمؤسسات عمومية واقعة تحت وصايته الادارية؟
النظام الأساسي لأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين هو قرار إداري تنظيمي من اختصاص المؤسسة العمومية المذكورة، وهو المرجع القانوني الوحيد بالنسبة لتحديد شروط توظيف هذه الفئة باستثناء إذا كان هناك تعديل غير معلن عنه في وضعهم القانوني. و بالرجوع إلى الأنظمة الأساسية الخاصة النافذة حاليا، كما صادقت عليها مجالسها الإدارية و وافق عليها وزير التربية الوطنية و أشر عليها وزير المالية، نلاحظ أن هؤلاء الأطر يعينون بقرار للسيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين وفق الشروط المنصوص عليها في الأنظمة المذكورة، والتي من بينها تحديد سن التوظيف في ما بين 18 سنة و 40 سنة (المادة 4). كما أنهم ينتمون لميزانية الأكاديمية وليس لميزانية وزارة التربية الوطنية، إلى جانب أن المدير هو سلطة التأديب بالنسبة لهم بصريح “المادة 58″ من النظام الأساسي النموذجي المعمم على جميع الأكاديميات. ومنه يظهر أن مسألة توظيف وتدبير شؤون فئة أطر الأكاديميات هي صلاحية قانونية خاصة بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وليس من صلاحيات الوزير. و تجدر الإشارة هنا إلى أن القانون رقم 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات يحمي ممارسة هذه الصلاحية من قبل صاحبها المختص حصرا، والذي هو مدير الأكاديمية والمجلس الإداري. و ذلك من خلال”المادة 5” التي تنص على أن مجلس الأكاديمية “يتمتع بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الاكاديمية”، وكذا “المادة 8” التي تنص على أن مدير الأكاديمية “يتمتع بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لتسيير شؤون الأكاديمية. ويقوم بتنفيذ قرارات مجلس الأكاديمية”. كما تجدر الإشارة إلى أن ما تقدم لا يتناقض مع ما جاء في المرسوم المنظم لاختصاصات وزارة التربية الوطنية (لاسيما في المادة 26 منه) الذي يعطي للوزارة المذكورة صلاحية “اعداد استراتيجيات التوظيف والحياة الإدارية واعداد السياسة العامة وتنفيذ مساطر وقواعد التدبير المرتبطة بها، والسهر على التدبير الإداري المندمج للأطر التعليمية، واعداد السياسة التربوية الوطنية في مجال تكوين الأطر التعليمية والسهر على تنفيذ استراتيجيات التكوين”، بحيث هذه الصلاحيات لا تلزم الأكاديميات بشكل تلقائي، وإنما عبر قرارات يتخذها المجلس الإداري كهيئة تداولية و الذي يترأسه السيد وزير التربية الوطنية كما أشرنا إلى ذلك سابقا. ويعتبر النظام الأساسي لأطر الأكاديميات نموذجا في هذا الإطار، على اعتبار أن وزارة التربية الوطنية هي التي قامت بإعداده وصياغته قبل أن ترسله للأكاديميات التي تداولت بشأنه في مجالسها الإدارية وصادقت عليه حتى يصبح نافذا من الناحية القانونية، طبعا بعد موافقة السيد الوزير في إطار صلاحية الوصاية الإدارية.

3. هل أطر الأكاديميات موظفون عموميون أم أعوان؟ وإذا كانوا أعوانا هل هم أجراء يخضعون لقانون الشغل أم هم أعوان عموميون؟

النظام الأساسي الحالي الخاص بأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، يشير إلى أن أطر الأكاديميات يخضعون لنظام خاص. فهم ليسوا موظفين عموميين بتعبير النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، لاسيما الفصل 2 منه الذي يقول أنه: “يعد موظفا كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة”. إن أطر الأكاديميات ليسوا تابعين للدولة، وإنما لمؤسسة عمومية لها استقلالية إدارية ومالية عن الدولة تسمى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. غير أن هذا لا يتناقض مع استفادتهم من بعض المقتضيات المنصوص عليها في النظام الأساسي العام المذكور باستثناء تلك المقتضيات التي يستثنيها النظام الأساسي الخاص. وذلك انسجاما مع مقتضيات قانون الوظيفة العمومية الذي ينص في فصله 1 على ما يلي : “لكل مغربي الحق في الوصول إلى الى الوظائف العمومية على وجه المساواة ولا فرق بين الجنسين عند تطبيق هذا القانون الأساسي ، ما عدا المقتضيات التي ينص عليها أو التي تنتج عن قوانين أساسية خصوصية”. غير أن عدم خضوع هذه الفئة لقانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 كما وقع تعديله، لا يعني أنهم يخضعون لقانون الشغل، وذلك لأنهم متواجدين في حالة قانونية نظامية مع مؤسسة عمومية وليسوا في وضعية تعاقدية. بل وحتى لو كانوا في وضعية تعاقدية فإنهم يعتبرون أعوان عموميون مؤقتون، لأن الأمر يتعلق بمؤسسة عمومية إدارية وليس تجارية أو صناعية كما استقر على ذلك الفقه والقضاء الإداريين. وباستقراء المقتضيات الحالية للأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات نستنتج أن هذه الأطر هم أعوان عموميون دائمون، يستفيدون من المقتضيات القانونية التي تؤطر علاقة هذا الصنف من العاملين بإدارات ومؤسسات الدولة.
وكخلاصة لهذه الورقة القانونية المختصرة، يمكنني أن أؤكد أن اتخاذ السيد وزير التربية الوطنية لقرار إداري تنظيمي (مكتوب أو شفوي) بتسقيف شرط ولوج مباريات توظيف أطر الأكاديميات مشوب بعيب عدم المشروعية، لأنه مارس اختصاصا ليس من حقه قانونا، وإنما هو من حق الأجهزة التدبيرية (التنفيذية والتداولية) للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. كما أن إعلان مدراء هذه الأخيرة عن مباراة توظيف أطر الأكاديميات وفق شرط عدم تجاوز سن 30 سنة، فيه خرق لمقتضيات المادة 4 من الأنظمة الأساسية الخاصة سارية المفعول التي تجعل السن هو بين 18 سنة و 40 سنة، باستثناء إذا كانت المجالس الإدارية للأكاديميات قد قامت بإلغائها أو تعديلها وفق المسطرة الإدارية السابق ذكرها أعلاه. لقد كان على الأكاديميات تعديل الأنظمة الأساسية الخاصة بأطر الأكاديميات (شرط السن خصوصا) ثم عرضها على المجالس الإدارية للمصادقة، ثم على تأشيرة وزيري التربية والتكوين و المالية قبل الإعلان عن المباراة، حتى يكون قرارها شرعيا من الناحية القانونية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المخول قانونا لإبطال القرارت الإدارية غير المشروعية في النظام القانوني المغربي هي المحاكم الإدارية كقاعدة عامة. ولما كان الأمر كذلك، فيمكن لكل ذي صفة ومصلحة تقديم دعوى طعن بالإلغاء لتجاوز السلطة ضد قرار المباراة الذي يحرم الفئة العمرية التي يتجاوز سنها سن 30 سنة و يقل عن 40 سنة في حقها القانون في المشاركة في اجتياز مباراة التوظيف موضوع هذا الرأي القانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى