حكومة الأحزاب الثلاثة …مرحلة التحول التي أنهت عشرية العدالة و التنمية

قال أستاذ القانون الدستوري بجامعة إبن طفيل بالقنيطرة، د رشيد لزرق، إن فوز حزب التجمع الوطني للأحرار بالرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية و تعيين أمينه العام لرئاسة الحكومة وتشكيله الحكومة رفقة الأصالة و المعاصرة و حزب الاستقلال، أسس لمرحلة جديدة، مرحلة التحول التي أنهت عشرية العدالة و التنمية، و بروز قطب ليبرالي، بإحالة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المعارضة، غير أنها كشفت عن حاجة بلادنا المستعجلة لتشكيل قطب يساري قصد توفير مواجهة القطب اللبيرالي .

وأضاف ذات المتحدث في تصريح لجريدة ”هبة بريس“ الإكترونية، موضحاً أن مشروع الحكومة الحالية ، يأتي في سياق مختلف عن سابقاتها من الناحية التنموية، مضيفاً بالقول ”رئيس الحكومة السيد عزيز اخنوش يتوفر على خارطة طريق لتنزيل النموذج التنموي الجديد، في ظل مناخ جيوستراتجي يفرض على المغرب، تعميق الاصلاحات السياسية والدستورية، ( أفق الملكية البرلمانية ) والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستفيد منه مناخ التغيير ببلادنا، كما أن حصول المثلث الحكومي على اغلبية مريحة بمجلس النواب و الجمعات الترابية، يخول للاغلبية الحكومية بتنفيذ الوعود الانتخابية .

وأكد لزرق على أن حكومة السيد عزيز اخنوش لها صلاحيات كبرى لمحاربة الفساد، ومحاربة اقتصاد الريع، وكل مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية ونهب المال العام و مواجهة الانتظارات الاجتماعية. .

وشدد المحلل السياسي على أن الاتحاد الاشتراكي مدعو لاستكمال رسالته التاريخية بقيادة القطب اليساري لتأمين التوازن السياسي داخل النسق الدستوري، وبهذا الانتظام يدخل المغرب عهد القطبية الثنائية، والتي أكد عليها جلالة الملك محمد السادس في أكثر من محطة، معتبرا هجوم ادريس لشكر على التحالف الثلاثي بدعوى حماية التعددية، دون ان يعي مغزاه ، يظهر قصورا في استيعاب قواعد المرحلة الجديدة التي تقتضي ضرورة العمل والتعبئة والانخراط الجماعي الفعال في التوجه الإصلاحي الهادف لاستكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والاستقرار والازدهار الاجتماعي، من أجل تحصين مكتسبات التجربة الديمقراطية المغربية وتنقيحها من الشوائب.

و لفت استاذ العلوم السياسية إلى أن ذلك لن يتأتى إلا بوحدة القطب اليساري وتماسك بنيتها الاجتماعية وتشبع ثقافتها وسلوكها بالقيم الإنسانية النبيلة، قصد الارتقاء بالعمل السياسي نحو ديمقراطية سليمة ، عبر خلق وتوفير فضاءات حرة ومسؤولة للتبادل والتأطير والالتزام، و السعي لتجميع المواطنين والمواطنات وتدبير الاختلافات والتناقضات وإفراز التصورات والمشاريع السياسية ذات الارتباط القوي بالانتظارات الوطنية الكبرى، فماهية أي حزب سياسي تنطلق من استحالة وجوده إلا كعنصر داخل نسق معين، قائم ومحدد على حد تعبيره.

واعتبر المتحدث توجه إدريس لشكر نحو عقد صفقة مع العدالة و التنمية، مجرد عربون مزايدة و ابتزاز للدولة، ويظل ردة فعل غير واعية و غير مسؤولة، تحمل في طياتها عقد الماضي مادام أن العودة للمعارضة فرضتها الارادة الشعبية، في ظل انتخابات لم يشكك او يطعن فيها احد من داخل حزب الاتحاد الاشتراكي ، فالالتزام السياسي الوطني يظل المعدوم الاكبر في الوعي الجمعي لحزب ادريس لشكر وفق تعبيره .

وبخصوص رسائل انتخابات 8 ستنبر 2021 قال لرزق، إنها حملت رسائل شعبية واضحة و صريحة، شكلت فرصة تاريخية تجسدت في إيجاد فواصل بين الأغلبية والمعارضة، و ترسيخ وضوح سياسي يمكن من اعمال معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة ، التي وجب أن تؤسس لرجة سياسية نتجاوز بها الترهل التنظيمي، و تحكم الفرد في القرار داخل الاتحاد، عبر القيام بنقد ذاتي هدفه ارتقاء نضالي يقوم على أساس الوضوح و المصداقية، مع الذات الاتحادية أولا، ثم مع باقي الفاعلين السياسيين، نقد ذاتي يضيف المحلل السياسي، ينطلق من حاجة مجتمعية يلزم معها تجديد آليات النضال الجماهيري و مواكبة خطاب المعارضة الدستورية بقواعد سليمة ، عبر مواجهة ظاهرة حزب العائلات الريعية، الى الحديث عن المناضلين ، كمنعطف جديد يؤسس للتحول لحزب المؤسسة، و بداية تنطلق من عقلنة المشهد الحزبي و التأسيس للقطبية كسبيل لتفعيل روح الدستور، و تحقيق التداول الحقيقي للسلطة بشكل صريح، بين قطبين سياسيين، قطب لبيرالي و قطب يساري.

وأردف أستاذ القانون العام أن الخروج من الحكومة هو منعطف حقيقي في نضال الحركة الاتحادية، يفرض هذا التحول تجاوز ظاهرة المزايدة، التي تعتمد لغة الخدمات المنبرية على حساب اللغة البناءة، فالحركة الاتحادية تفترض التأسيس لمعارضة اقتراحية بديلة ، مشيرا إلى أن تصويت الاتحاد الايجابي على دستور 2011 هو إعلان عن بداية المرحلة الثالثة، من مسار نضال الحركة الاتحادية،وهو اختيار الوضوح السياسي ، و ما يقتضيه من أسلوب جديد للمعارضة و منهج ديمقراطي، من أجل الوصول إلى السلطة أو التأثير في صناعة القرار من خلال العملية الانتخابية.

وشدد لزرق كذلك على أن هذا التحول يفرض علينا جميعا نوعا من العقلانية والاتزان، من أجل الدفاع عن مبادئنا و تحضير برامجنا الكبرى، من خلال مراقبة الحكومة و سياساتها ، و تكريس فلسفة جديدة لدى الرأي العام تتمثل في طرح البديل الاشتراكي فالمعارضة وجب ان تشكل مدرسة حقيقية لتكوين حزب قادر على تحمل المسؤولية في حكومة 2026. معتبرا أن تأسيس القطب اليساري هو تطوير لاستراتيجية النضال الديمقراطي الدستوري من داخل المؤسسات، و الذي يقتضي تفعيل الاختصاصات الكبرى التي منحها الدستور الجديد للمعارضة.

وردا على نقاش الحصول على الثلث الكافي لتفعيل آليات الرقابة البرلمانية، قال رشدي لزرق ” ولأن الشيء بالشيء يذكر لابد لي من مناقشة مع الزميل الاستاذ بنيونس المزوقي بخصوص عدم حصول المعارضة على ثلث المقاعد اللازمة لتفعيل آليات الرقابة البرلمانية، على اعتبار أن مجموع مقاعد المعارضة في مجلس النواب هو 126 من أصل 395 مقعدا بمجلس النواب، في حين ان النصاب القانون لتفعيل الفصل 66 من الدستور، أو طلب عرض رئيس الحكومة أمام البرلمان للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة الفصل 101. فإن الوصول للثلث الذي هو 131 هو خمسة مقاعد فقط، هو حافز لتنسيق بين المعارضة بغية الحصول عليها في الانتخابات الجزئية، من خلال المقاعد موضوع طعون بالمحكمة الدستورية، مشددا على ان المؤمنين بالديمقراطية يدركون ان بمقدورها اصلاح ذاتها بذاتها ، و الخيار الديمقراطي كمشروع طويل و شاق، يلزمه ديمقراطين حقيقين لكون الازمة عندنا ليست أزمة نصوص بل أزمة نفوس لا تستوعب الزمن الدستوري.

وخلص لزرق إلى أنه “وبالنظر لكل ما تقدم فإننا اليوم مدعوين لبناء قطب يساري كشرط وجوب لإعطاء النص الدستوري، مدلولا يضمن للميثاق الاسمي للأمة المغربية وضوحا قيميا و يضمن للوطن تخطي عشرية الشعبوية، و مواصلة نضالنا في ترسيخ التقاليد و ثقافة الديمقراطية، لتأهيل المجتمع للانخراط الفعلي في تكريس المشروع التقدمي ، و إعادة الاعتبار للفعل الحزبي على أساس إشراك القوى الحية داخل المجتمع ، الامر الذي سيشكل دفعة قوية لإقلاع الفكر السياسي المغربي عن ادمان الخرافة و إعادة الاعتبار لمفهوم المناضل الإنسان المنفتح المتميز بقناعاته و تشبعه بقيم و مبادئ الحداثة و المستعد للتضحية من اجل ولوج مصاف الدول الصاعدة.

ودعا ذات المتحدث إلى تغيير سياسة التحالفات من خلال التركيز على جمع شتات الحركة اليسارية، على أسس جوهرية فكرية و سياسية، هدفها تحقيق قفزة نوعية تتصف وجوبا بتوضيح التحالفات، و تجديد الهوية السياسية للحزب، قصد تشبيب النضال السياسي الديمقراطي الدستوري، و توضيح العلاقات بين العمل السياسي و النقابي بطريقة تضمن وحدة القاعدة العمالية مشيرا إلى أن الاتحاد الاشتراكي كمسار ليس بمفترق الطرق بل المتحكمين في مقر العرعار، من فقدوا بوصلة الحكمة و التبصر، و انفصلوا عن القوات الشعبية ، و انشغلوا بالغنيمة و كيفية اقتسامها و تناسوا ان لكل مرحلة حسابها وعقابها .

وختم أستاذ العلوم السياسية بالقول: “إن السؤال الدي نطرحه اليوم هو كالتالي كيف نجعل القطب اليساري رائدا في ضمان عملية التحول السياسي..؟ فالتحول الاتحادي الحقيقي ينطلق من تطهير الذات الحزبية من قيم الغنيمة، فالجهل والفساد هما الداء.. لهذا علينا التحلي بالشجاعة السياسية و تسمية الامور بمسمياتها..”.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. تحليل في صلب الموضوع،عرى على إشكالية النضال في الاحزاب الذي عوضه نظام المنفعة و الغنيمة كما ذكر في المقال.فالاتحاد الاشتراكي زاغ عن الطريق و فقد بوصلته لانه ابتعد عن ايديولجته التي كانت تشكل عصا التوازن في مقابل التيار الليبرالي.
    فارجو ان تكون نتائج انتخابات ٨ شتنبر محطة للنقد الذاتي و الرجوع الى معسكر اليسار بكل أطيافه

  2. تحليل منطقي يتسم بتشخيص دقيق جدا للحالة “المرضية” التي يعانيها المسار الديموقراطي ببلادنا ، متمنياتنا أن تلتقط الرسالة من طرف أحزاب المعارضة وخاصة حزب الاتحاد الاشتراكي وان يكون قبطان لليسار وذلك قصد التأسيس لتناوب ديمقراطي حقيقي بين حكومة ليبرالية وحكومة يسارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى