أسعار ” الناس الغلابة “

في قاموسنا المغربي المتداول ، رغم زخمه المعرفي ودلالته المتنوعة والمتعددة مابين عدة لهجات أمازيغية محترمة ومعبرة وتاريخية ، لم نجد كلمة تُحاكي وضعية مأساوية لشريحة كبيرة ، تعيش فقرا حقييا ،وتهميشا كبيرا ، مثل ما نعبر عنه بالمصطلح المصري (الناس الغلابة )

الناس الغلابة بالمغرب ، تلفعوا بلهيب الاسعار التي لاترحم في كل البضائع ،خاصة المواد الغذائية ، وأي مواد ؟ إنها المواد الغذائية التي يستخرجها المغاربة من بطون ارضهم المباركة ، ومن بحارهم الجميلة ذات الثروة السمكية الهائلة والمتنوعة ، إلا ان قدر الناس الغلابة ، يأبى العدالة الاجتماعية ، ويرفض منطق الوسطية ، بل يرفض حتى الاعتراف بخيرات هذا البلد الآمن في كل شيء ، في غياب تام للدولة بكل مؤسساتها ، التي هي ملزمة بالاضطلاع بمسؤوليتها في هذا المجال بشكل حازم الى ابعد الحدود٠

الأسعار المرتفعة في السوق المغربية ،بشكل فلكي غير مبرر على الإطلاق

يشكل الصدمة/الهول ، والمفارقة الاجتماعية الغريبة غير المبررة في مجتمع قوامه التكافل الاجتماعي ، وفي بلد شعاره العدالة الاجتماعية ، وفي وطن ديدنه الحداثة والديمقراطية ، وفي دولة أُسها صيانة كرامة الانسان وضمان عيشها الكريم ، بعيدا عن الشجع واللامبالاة ، والانتصار للانانية المفرطة ،التي يذكيها اقتصاد الريع ، وتكرسها المنافسة الحرة /أو قل البورجوازية المتوحشة ، تحث ذرائع واهية تتغيا الربح والمضاربة ، وجمع الثروة ، اكثر ما تتغيا البعد الاجتماعي والانساني للشعب المغربي ، الذي تعاني شريحة كبيرة من غلابته ،أي من (الناس الغلابة ) من غياب دخل فردي قار ومحترم ٠

اريخيا ، وعلى امتداد الثورات التي هدمت القلاع والحصون ، وقوضت الانظمة الديكتاتورية ، كانت للاسف بسبب ارتفاع الاسعار الى حد لا يطاق ، لذلك وجب على اصحاب القرار ، مراجعة أسواق المنافسة ، وضبط سوق الرساميل على مستوى المؤسسات الراسمالية ، وفي نفس الوقت الالتفاتة بشكل مباشر الى فرض رقابة صارمة وموحدة على كل الاسواق التجارية ، إذ لايعقل ان يتم استخراج السمك بثمن بخس ويضطر المغاربة الى شرائه بأضعاف مضاعفة ، لاتسمح لجيوب المغاربة بمقاومته٠

قد يبدو النقاش للبعض في مناقشة الاسعار الملتهبة ، أمر عادي ومستهلك ، لكن ليس الامر كذلك بالنسبة لارملة تعيش مع اطفال لا معيل لهم الا الله ، وليس الامر كذلك بالنسبة لاجير لا يملك من دخله إلا الحد الادنى للاجر ، الذي لايغطي حتى واجبات السومة الكرائية ولا تكفيه أجرته الباقية لسد خلًته وابتائه ، وليس الامر كذلك بالنسبة لموظف بسيط يغالب صمته والتزاماته الاسرية ،التي تنقد ماء وجهه بالقروض الربوية المطاردة ، وليس الامر كذلك بالنسبة لاسرة لاتملك من امرها الا كرم المحسنين المغاربة ، لذلك فموضوع ارتفاع الاسعار ، ليس من المواضيع المستهلكة ، بل أضحى إشكالا حقيقيا يمس شريحة كبيرة في مجتمع نحبه ونغار عليه ، ولا نريد أن يصبح مجتمعا الغلابة ياسادة ! لمجرد أن وضعا اجتماعيا لمسؤول او سياسي معين يهيمن على مراكز القرار ، أو أوليغارشية من الرأسماليين ، مريحا، بمنأى عن كل مساءلة او محاسبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى