فقط في المغرب.. جاب 0,3 بالنتيجة و كيتحكم في 400 مليار كل عام
هبة بريس ـ ياسين الضميري
“فقط في المغرب”، سلسلة مقالات أسبوعية على موقعكم هبة بريس، نطرح من خلالها قضايا مختلفة للنقاش، ظواهر سياسية، اجتماعية و اقتصادية مثيرة للجدل، زاوية نميط من خلالها اللثام عن أحداث و وقائع تقع حصرا لربما في بلد إسمه المغرب.
و حلقة هذا الأسبوع سنتحدث من خلالها عن شخصية سياسية أرقامها تطرح أكثر من علامة استفهام، و تدعونا للاستغراب قبل كل شيء، و لربما تجعلنا نتيقن أن نمط الاقتراع و القوانين التنظيمية للانتخابات و خاصة التي تم العمل بها خلال الاستحقاقات الجماعية الأخيرة بالمغرب لم تعد صالحة في هذا الزمان.
ضيف حلقة اليوم سنترك لكم أنتم قراء الموقع الفرصة لمعرفة من يكون بناءا على المعطيات التي سنتطرق لها بالأرقام، و أكيد ستتعرفون على إسمه بسهولة، كيف لا و هو شخص يمكن أن نسجله ضمن قوائم غينيس القياسية بعدما استطاع أن يدبر شؤون مدينة تحصل فقط على 0,3 في المئة من أصواتها ليصبح بين عشية و ضحاها مسؤولا عن ميزانية تتجاوز 400 مليار سنتيم سنويا.
البداية ستكون بقراءة في أرقام الانتخابات الجماعية لسنة 2015 و بالضبط في الرابع من شتنبر، بجهة الدار البيضاء سطات، الجهة التي تنافس المرشحون السياسيون على 3852 مقعدا بها، كان نصيب مقاطعة عين السبع الحي المحمدي نصيب 75 من مجموعها، و كان للدائرة الانتخابية رقم 6 التابعة للحي المحمدي 25 مقعدا منها بالضبط.
25 مقعدا بهاته الدائرة الانتخابية قسمتها أصوات الناخبين بالحي المحمدي على 6 أحزاب، نال منها العدالة و التنمية 10 مقاعد و الحركة الشعبية 5 و الاتحاد الدستوري 5 و التقدم و الاشتراكية 3 و الأصالة و المعاصرة مقعد واحد و مثله للاتحاد الاشتراكي.
في هاته الدائرة صوت سكان الحي المحمدي على البيجيدي ب 7121 صوتا، منحت مرشح لائحة المصباح الريادة في منطقته، هذا المرشح الذي سيصبح فيما بعد عمدة لمدينة الدار البيضاء، حيث تفوق في منطقته على كل من عبد العزيز ناصر وكيل لائحة الحصان و عبد الجليل أبزيد وكيل لائحة السنبلة و عبد الإله شيكر وكيل لائحة الكتاب و سليمان زعواط وكيل لائحة الجرار و كذلك مروان راشدي وكيل لائحة الوردة و آخرون.
بلغة الأرقام، المرشح الذي نال أكبر عدد من مقاعد منطقة الحي المحمدي لم يتحصل سوى على 7121 صوتا في انتخابات شهدت عزوفا كبيرا بهاته المنطقة حيث لم تتعدى نسبة التصويت محليا رقم 26,41 في المئة علما أن النسبة الوطنية كانت قد بلغت 53,67 في المئة.
و بحسبة بسيطة، فالمرشح الذي ينتمي للبيجيدي لم يتمكن من حصد أكثر من 0,3 في المئة من الأصوات المعبر عنها بالدار البيضاء و رغم ذلك أصبح فيما بعد عمدة لأكبر حواضر المملكة، المدينة التي وفق آخر إحصاء للسكان في 2014 يبلغ عددهم 3,36 مليون نسمة تقريبا و هذا العدد أكيد ارتفع في السنوات الأخيرة و لربما تضاعف، وفقط 7121 منهم من صوتوا على المرشح الذي أصبح فيما بعد ممثلا لهم جميعا بمجلس المدينة.
الغريب في الأمر، أن هذا السياسي الذي زكته و بكل تأكيد صناديق الاقتراع و نمطه المعمول به كعمدة لمدينة الدار البيضاء ، يدبر شؤون مدينة ميزانيتها السنوية تقارب 400 مليار سنتيم سنويا، و يسهر على تدبير أمور حوالي 15 ألف موظف توجد تحت إمرته بسلطة القانون.
هذا المعطي يجعلنا نتساءل عن منطقية القانون الذي أطر الانتخابات الجماعية السالفة، إذ كيف يعقل لمرشح حزب سياسي لم يتحصل سوى على 7121 صوت و يتحكم في حوالي 15 ألف موظف بشكل مباشر و حوالي 8000 آخرين كموظفين في شركات التدبير المفوض و يسير ميزانيات تتجاوز 400 مليار سنويا و يرهن المدينة بقروض طويلة الأمد سيتم استخلاصها حتى و لو انتهت ولايته و تم تغييره مستقبلا بشخصية أخرى.
هذا الأمر ربما يحدث فقط في المغرب، مغرب الاستثناءات و المفارقات، مغرب الغرائب و العجائب، المغرب الذي كل شيء فيه ممكنا، المغرب الذي تجعل فيه التحالفات السياسية الهجينة مرشحا تحصل على 7121 صوتا فقط يسير أمور قرابة الأربعة ملايين نسمة، فهل عرفتم من يكون ضيف حلقة اليوم؟