في تأجيل الانتقال الديمقراطي

الكاتبة : سناء زهيد 
شهدت قبة البرلمان البارحة تمرينا تشريعيا جديدا، اختلطت فيه قواعد الديمقراطية بالمصالح الضيقة للأحزاب وتصارع فيه منطق الغنيمة مع منطق البناء الديمقراطي فكان الغائب الأكبر في كل هذا هو مصلحة الوطن وهموم المواطن البسيط.
فمنذ أن انطلقت مشاورات وزارة الداخلية مع الأحزاب حول القوانين التنظيمية للانتخابات القادمة احتدم النقاش خاصة حول لائحة الشباب والنساء وتحول الى شبه صراع وجودي كسر الأغلبية ودفع بحزب العدالة والتنمية الجمعة الماضي، الى تجييش نوابها داخل القبة وخرق قواعد التباعد فقط لمنع تمرير قانون القاسم الانتخابي. في الوقت الذي كان من المفروض ان يصير فيه السؤال الوحيد الناظم لكل هذا الصراع والنقاش هو “ما هو مستوى المؤسسات المنتخبة التي يستحقها المغاربة بعد ازيد من عقدين من الانتقال الديمقراطي”؟ وبعد عشر سنوات على الحراك وعلى خطاب التاسع من مارس الذي عزز ايماننا آنذاك بالاستثناء المغربي في مشهد إقليمي متوتر.
انه لمن المؤسف ان نلاحظ ان جوهر التنافس الحاصل بين الأحزاب اليوم وبعد أكثر من عشرين سنة عما سمي انتقالا ديمقراطيا، ما يزال رهينا بمنطق توزيع الترشيحات وليس بنوعيتها ولا اهليتها للدفع بهذا الانتقال الى الوصول أخيرا. اذ ان النقاش الذي شهدناه الجمعة الماضي بالبرلمان، حول احتساب القاسم الانتخابي لم يكن نقاشا يستهدف الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات، ولا نقاشا يأخذ بعين الاعتبار مبدأ التعددية والتداول ولا حتى نقاشا يؤطره مفهوم الديمقراطية الذي انفضح اختلافنا الكبير في استيعابه وممارسة الاليات الكفيلة بتحقيق صيغته الأقرب الى الموضوعية، بقدر ما كان صراعا مفضوحا حول الكراسي وامتيازاتها.
حتى على مستوى لائحة الشباب التي اثار الغاؤها ردود فعل متباينة وسط الشبيبات الحزبية، لم يدر النقاش حول الكفاءة او الفاعلية او حتى الحصيلة، كان فقط مناداة بالإبقاء عليها دون اقتراح اليات او صيغ تكبح منسوب الريع اللصيق بها، اللهم ما كان قد طرحه امين عام حزب الاصالة والمعاصرة في بداية المشاورات بجعلها لائحة للكفاءات تروم إيصال الاطر الوطنية التي ليست لها قدرات انتخابية الى قبة البرلمان للرفع من مستوى النقاش التشريعي داخل المجلس. الا ان رفض هذه الصيغة من طرف معظم الأحزاب دون محاولة التفكير فيها لتكييفها قانونيا او تطويرها يطرح التساؤل حول اهتمام احزابنا بنوعية الترشيحات التي ستقدمها او بمستواها الفكري.
ان فراغ قبة البرلمان اثناء بعض المناقشات التي تمس المعيش اليومي للمواطن المغربي، والتصويت على بعض القوانين التي ترهن مستقبله الاقتصادي والاجتماعي بأقلية من البرلمانيين أحيانا في مقابل التجييش والانزال الذين شهدناهما الجمعة الماضي من اجل قانون لا يمس غير مقاعد الاحزاب ليعد مع الأسف سببا كافيا، لدفع المواطنين نحو عزوف اكبر عن الانتخابات وتعميق ازمة الثقة في الأحزاب السياسية. فالتمرين الديمقراطي الهجين الذي شهده البرلمان البارحة من تجييش نواب الحزب الاغلبي وتصويت باقي مكونات الأغلبية الحكومية مع المعارضة ضده، يدفعنا كمواطنين للتساؤل حول الأولويات الحقيقية لبعض الأحزاب وأسباب تحالفاتها ومدى مصداقيتها في الدفاع عن مصلحة الوطن والمواطنين قبل كل شيء. خصوصا بعد سنة وبائية استثنائية يستلزم الخروج من تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية الكثير من الوطنية ونكران الذات والصدق في إيجاد الحلول الكفيلة بالخروج بالبلاد من الازمة وتجنيبها شبح الاحتقان الاجتماعي. فهل كان هذا الهاجس حاضرا اثناء اشغال اللجنة وفي استعراض العضلات الذي شهدناه البارحة؟
على الأحزاب اليوم ان تعي ان الانتقال الديمقراطي قد طال بما لا يتناسب والآمال التي ارتبطت بدستور 2011، وأنها مجبرة على إعادة النظر في علاقتها مع المغاربة، بعيدا عن منطق الغنيمة. وان الاجدر بها ان تنصب في النقاش حول كيفية تجويد العملية الانتخابية على جميع المستويات بعيدا عن الحسابات العددية الضيقة التي تحكمها الى حدود الساعة، وأنها كذلك مطالبة بإعادة النظر في أهلية مرشحيها وكفاءتهم وبراءة ذممهم لتحمل امانة تسيير الشأن العام. فهو السبيل الوحيد الذي قد يعيد الى المغاربة الرغبة في المشاركة المكثفة في الانتخابات بعد العزوف الذي عرفته الاستحقاقات الأخيرة. اما وقد غاب هذا النقاش فيما شهدناه مؤخرا بقبة البرلمان، فانها مطالبة أخلاقيا على الأقل، بالسهر على تقديم مرشحين يتحملون امانة تسيير الشأن العام بالحد الأدنى من الانخراط الجاد والمسؤولية الوطنية تجاه الدولة والمغاربة، من خلال تعديل قوانينها الداخلية او تفعيل المراقبة والمحاسبة داخل أجهزتها لأداء المنتخبين ومدى حضورهم وفاعليتهم في المؤسسات التي انتخبوا فيها. اذ ان اهم أسباب العزوف تكمن في القطيعة التنظيمية التي تحصل عامة ولدى الكثير من الأحزاب مع منتخبيها وبالتالي الانفصال عن المواطنين وعن قضاياهم وحتى عن تنزيل برامجها الانتخابية والتزاماتها امام المغاربة، فلا يجد المواطن بعد الانتخابات اي مخاطب يتفاعل مع تساؤلاته واقتراحاته وشكاياته. ويحق لنا ان نتساءل هل هناك من حزب في مغرب الدستور الجديد يحاسب منتخبيه عن أدائهم او يبادر الى تنبيههم في حال الغيابات المتكررة او حتى يتفاعل مع شكايات المواطنين في دائرة من الدوائر او يواكب رؤساء الجماعات المنتمين اليه في تدبيرهم للشأن المحلي للمغاربة؟ ام على خلاف ذلك ينتصر مبدأ “لن نسلمكم اخانا” عوض انتصار المبدئ الدستوري الذي يقرن المسؤولية بالمحاسبة؟.
ان التطلع الى مغرب ديمقراطي جديد والى تحقيق تنمية شاملة لا يمكنه ان يتأسس الا على أرضية نقاش يكون الصالح العام فيها ومصلحة المواطنين أولى من المنطق العددي للانتخابات القادمة. وعلى الأحزاب ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في هذه المحطة حتى لا تعمق الإحساس العام باليأس من العملية الانتخابية ومن السياسة لدى الكثير من المواطنين وخصوصا الشباب. واذا كان رئيس الدولة قد اقترح سابقا تشكيل حكومة كفاءات لتجاوز ازمة التدبير الحكومي لبعض القطاعات فانه حري بالأحزاب اليوم ونحن على أبواب الاستحقاقات ان توقع ميثاق شرف تتعهد فيه باحترام المبادئ العامة للديمقراطية وباحترام منطق واضح لتحالفاتها يفرز اغلبية متجانسة ومعارضة موضوعية، وبالقطع مع الريع والمحسوبية في ترشيحاتها وبتقديم نخبة سياسية كفأة ثم بمواكبتها تنظيميا ومحاسبتها من خلال فتح قنوات التواصل بينها وبين المواطنين على مدار المدة الانتدابية. غير هذا لن تعدو الاستحقاقات القادمة الا ان تكون حلقة أخرى تباعد بيننا وبين الدولة الحديثة والديمقراطية التي ننشدها منذ بداية العهد الجديد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى