ترجلت أيها الوفا يوم ترجلت عن الوزارة

بقلم: ذ/المصطفى العبلاوي*

شاءت الأقدار أن يخطف الموت من بين ظهرانينا أحد رجالات هذا الوطن وهو وزير التربية الوطنية السابق السيد محمد الوفا ، هذا الرجل الذي خَبِره عن قرب رجال ونساء التعليم  فأحبوه وقتها لما لمسوا فيه من إرادة منقطعة النظير لإصلاح المنظومة التعليمية وانتشالها من براثن الفساد والريع .

إن الوفاة الرمزية للسيد محمد الوفا ترجع لسنة 2013 حينما تمت الإطاحة بالرجل من تسيير وزارة التربية الوطنية على عهد حكومة بنكيران الأولى ، وهو ما كان يعني إيقاف العديد من أوراش الإصلاح الكبرى التي عمل الوفا بكل حزم على مباشرتها، وقد شكلت هذه الإقالة صدمة عميقة في صفوف الشغيلة التعليمية التي كانت تعلم يقينا أنها قد فقدت وزيرا استثنائيا استطاع بفضل حنكته أن يحرك مياها راكدة لم يجرؤ أحد على الاقتراب منها، فتمكن من إحداث ثورة غير مسبوقة في قطاع التعليم ضد معاقل الفساد و المحسوبية  وعمل على مجابهة ملفات حساسة بكل جرأة ومسؤولية.

لقد تمكن هذا الرجل خلال الفترة القصيرة التي أشرف فيها على وزارة التربية الوطنية والتي لم تراوح السنتين من اتخاذ جملة من القرارات التي ستبقى عالقة في أذهان الشغيلة التعليمية وعموم المواطنين المغاربة ونخص بالذكر أنه :

كان حاسما في التعامل بكل تجرد وموضوعية مع المخطط الاستعجالي للتربية والتكوين ، فعكف على النبش في ملفاته إلى أن كشف المستور وأقر بما شاب هذا المخطط من اختلالات وخروقات خطيرة، فتم تشكيل لجنة للتقصي في ميزانيته الضخمة ومشاريعه التي لم تنجز قبل أن يتم طمس حقائق هذه اللجنة بعد إقالة الوفا.

كان سباقا إلى تمثل نبض الشارع التربوي حينما عمل على الإيقاف الفوري لما كان يسمى حينها ببيداغوجيا الإدماج التي لقيت رفضا عارما في صفوف الأساتذة وكان يُراد لها أن تُنزَّل بقوة الحديد والنار إلى أن أتى الوفا فانبرى لها بحزم.

أخَذَ زمام المبادرة في وزارته وأعلن عن لائحة الموظفين الأشباح بدهاليز الوزارة ومؤسساتها في سابقة من نوعها ، واستطاع أيضا  الإفراج عن لوائح اسمية لمختلف الموظفين والمتقاعدين المحتلين للسكنيات الوظيفية دون سند قانوني.

تمكن من إصدار مذكرة تمنع على موظفيه المزواجة في الآن نفسه بين العمل بالمدارس العمومية والخصوصية في خطوة تهدف إلى الحد من بعض الممارسات اللاأخلاقية الناجمة عن هذا النوع من الازدواجية في العمل التربوي.

كان الوزير الوحيد في تاريخ الوزارة الذي احتُرمت في عهده مواعيد إصدار الحركات الانتقالية ومواعيد الامتحانات المهنية ، وكان من الوزراء القلائل الذين يحضرون بصفة شخصية لاجتماعات المجالس الإدارية للأكاديميات عبر ربوع المملكة ويرفض فكرة أن ينيب عنه أشخاص في هذه المسؤولية.
الآن وقد ترجل الفارس وغادرنا إلى مثواه الأخير؛لا نملك إلا أن نقول في نعيه ووفاءً لذكراه أنه كان من رجالات هذا الوطن الصادقين، الذين ثبتوا على مواقفهم واستماتوا في سبيل الدفاع عن مبادئهم وأبانوا عن نية صادقة في محاربة الفساد والتغيير ، فقد كان رحمه الله أيقونة إصلاح بارزة بَصَمَتْ منظومة التربية والتكوين ببلادنا ، وعمل بكل حرقة وحزم على المساهمة في الإرتقاء بمستوى التعليم وتحسين أوضاع شغيلته ، لكن ما عسانا أن نقول في فقدك أيها الوفي سوى أن الله قد اختارك إلى جواره، فلتهنأ روحك طيبة أبية بما أخلصته من عمل، وستظل سيرتك العطرة محفوظة في قلوبنا مبتهلين إليه سبحانه أن يتقبلك مع الصالحين والأبرار.

*أستاذ بالمديرية الاقليمية للتعليم بخريبكة

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. صدقت أخي. و الله ان في النفس شيئا لفقدان هذا الرجل العظيم. رحم الله الفقيد و اسكنه فسيح جناته. و انا لله وانا اليه راجعون.

  2. الوفا رحمه الله كان انسانا قبل أي شيئ اخر ؛رجل التضحية والجرأة و الشجاعة و نكران الذات؛ رجل يحب المصلحة العامة و يخدم الصالح العام

  3. لو تركوا الرجل يعمل كان سيحقق الكثير للتعليم في المغرب ، ولكن لوبيات الفساد كانت أكبر منه رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى