كُـورونا والحرمان من أبسط النعم.. فاعتبروا يا أولي الأبصار

محمد منفلوطي_هبة بريس

قالوا ناس زمان وفي كلامهم ألف معنى: “النعمة حتى تفقدها عاد تعرف قيمتها”، كلام موزون لأصحاب العقول والتاريخ الحافل بالمواقف الذين لم يتركوا لنا نحن جيل العلم والتكنولوجيا والواتساب مجالا للتفكير في ابداع الأمثال…فمع انتشار هذا الوباء الفتاك مفرق الجماعات، دخل العالم بأسره في متاهة البحث عن النجاة من الهلاك، فلم يبق أمام البشرية جمعاء سوى أن تتخذ قرارا قسريا للدخول “سوق جواها”، وتغلق على نفسها بابا يعلم الله وحده متى سيفتح.

مع أولى أيام الحجر المنزلي الالزامي، رويدا رويدا بات الناس يعيشون على أعصابهم، ومنهم من بات يبحث عن فرصة مواتية لسرقة ولو جولة بالشارع العام خلسة، ومنهم من بات يحن ولو للحظة خاطفة لارتشاف كأس قهوته المفضلة واضعا رجلا على رجل وسيجارته بفيه يداعبها وتداعبه، ومن الناس من بات يحن ل” تكسيلة سخونة بحمام شعبي تضع عنه وزره وأثقاله وأوساخه”، ومن القريب من أضحى متشوقا لمعانقة أقرب الأقربين له، حتى صار العزاء عبر الفضاء الأزرق يفي بالغرض وينوب عن المواساة بشكل حضوري، فتفرقت الجماعات واختفت مظاهر الجلوس على الموائد الطعام والزرود لحظة التأبين..فحرمنا حتى من أبسط النعم…فهل تعلمنا الدرس؟

حتى الوقت صار متحكم فيه إلى درجة أنك قد تعتبر مخالفا للقانون إن أنت اخترقت التدابير الاحترازية وسافرت بدون رخصة أو أطلت الجلوس خارج الأوقات المخصصة، ومع تشديد الخناق بدأت تلك النعم التي كنا جميعا لا نعيرها اهتماما، تختفي رويدا رويدا وسط سحابة مظلمة لفيروس أربك العالم وأعاد صياغة العلاقات بين دوله بعد أن كانت مبنية على المصالح.

كورونا الخفي الذي استطاع أن يحرمنا جميعا من أبسط حقوقنا، فهل التقطت البشرية جمعاء الإشارة؟ أم أن الإنسان بطبيعته خلق ضعيفا هلوعا يغلب عليه طابع النسيان؟ استطاع هذا العدو الخفي التسلل بيننا مستغلا تقاربنا وطبيعة علاقتنا، لينشر سمومه ويشرع في اختطاف الواحد تلو الآخر ، حتى رجال ونساء الصفوف الأمامية من علماء وأطباء وجامعيين وأساتذة وأمنيين وووو لم يسلموا من مكره وغدره، فصرنا نعيش على ايقاع دفن موتانا اتباعا دون توديعهم ولا تأبينهم ولا البكاء على رؤوسهم..فهل اعتبر المعتبرون؟

كورونا الذي أبان عن ضعف البشرية وهوانها، وجشعها وحب الذات استطاع في الوقت ذاته أن يميط اللثام عن واقع العلاقات المبنية على المصالح الضيقة، ويطمس آثارالتافهين ويخلص العباد من قفشاتهم المُضحكة على مواقع التواصل الاجتماعي.

فيروس غير مرئي استطاع الكشف عن أنانية البعض في الحصول على طعامه وشرابه والاقبال على اقتنائه بلهفة دون أن يعي بأن هناك أناس في حاجة ماسة لقطعة رغيف قد تسد رمقهم، وكأن المؤونة هي سبب العيش…ألم يعلم المرء بأن جشعه هذا منح الفرصة للمضاربين والمحتكرين للتدخل والتحكم في الأسواق وخلق نوع من الاحتكار الذي قد يؤدي إلى الكارثة عفانا الله وإياكم من شرها.

معركة ولله الحمد، وعلى الرغم من خسائرها وأهوالها، إلا أنها كانت فرصة لترتيب الأولويات ومعرفة قيمة الرجال والنساء والتمييز بينهم من خلال مواقفهم وبطولاتهم، مكنتنا جميعا من معرفة قيمة العلم والعلماء ومن سار على دربهم، وفضحت أصحاب العقول الصغيرة من صناع الفرجة والتفاهة على حساب مشاعر الناس وأحاسيسهم.

معركة كسبنا منها جميعا ربحا لم يقدر بثمن، عرفنا قيمة الطبيب والباحث والأستاذ ورجل الأمن والوقاية المدنية ورجل النظافة، عرفنا قيمة النساء حاضنات البيوت الساهرات على رعايتنا وتوفير الأنس والطمأنينة في زمن صرنا نعيش جميعا حالة رعب..عرفنا قيمتهم وفضلهم علي وعليك وعلينا جميعا، وفي ذات الوقت أكدت المعركة على أن تشجيع التفاهات وتفريخ الطفيليات ممن صنعوا لأنفسهم مكانة في المجتمع ما هو إلا مجسمات من ورق لا تقم لهم قائمة في زمن الشدائد.

ربنا الكريم غافر الذنب وقابل التوبة، رحيم العباد، لامحالة سيرفع عنا الوباء وينطلق معه صبح قريب تنقشع عنه تلك السحابة التي خيمت على حياتنا اليومية وحرمتنا حتى من أبسط النعم..مع الكريم يبقى الأمل قائما، لكن دورنا هناك يجب أن يقتصر على أخذ العبر مادمنا على الحياة سائرون..فاعتبروا يا أولي الأبصار.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى