زمن كورونا حسابات وجب مراجعتها

بقلم عادل برادة

لقد شق المغرب طريقه في وقت الجائحة العصيب، و خطى خطوة مهمة نحو تنمية سوسيو-اقتصادية، مرتكزا فقط على الإمكانيات المتوفرة لديه، ومعتمدا على طاقاته المتجددة، فهل هذه منة من منن زمن كورونا؟
محنة جعلت المغرب يعد مثالا في الصمود، و رمزا في التضحية:” التضحية بما هو اقتصادي في سبيل ما هو اجتماعي و صحي”، اتضح ذلك جليا في هذه المرحلة العصيبة التي عانى و لا زال يعاني فيها العالم بأكمله، من انتشار فيروس كوفيد 19 المعروف بكورونا. لقد انتشر هذا الفيروس انتشار النار في الهشيم – نارا لا تبقي و لا تذر- ليواجهه المغرب بخطة محكمة، مكنته من تجنب الويلات، نظرا لضعف بنياته التحتية و خصوصا في مجال الصحة و التطبيب، هشاشة كانت دافعا ، لاتخاذه إجراءات على وجه السرعة، و استطاع بها من أن يسيطر على الوضع بشكل مرن، بحيث اتبع سياسة صناعية غذائية و صحية، من أجل الإكتفاء الذاتي بتوفيره للمواد الغذائية الضرورية لكل المواطنين، و مواد طبية و شبه طبية ضرورية و مستعجلة للوقاية من هذا الفيروس، تسد حاجيات المستشفيات الوطنية و ما تتطلبه من تجهيزات و أدوية، فهل يمكن اعتبار هذه الإجراءات بمثابة زراعة معيشية في ظروف عصيبة؟ ظروفا كانت دافعا من أجل اتخاذ قرارات حاسمة و مصيرية، ربما لإقلاع سوسيو- اقتصادي حقيقي يمكن أن يقوم عليه النموذج التنموي الجديد الذي نتطلع إليه، و يمكن أن يعود على المغرب و على المغاربة بمستقبل زاهر.
فقد قامت الحكومة بتشجيع ابتكارات مغربية خالصة، ووضعت الثقة -كانت شبه منعدمة من قبل- في شباب مغربي مبدع و مبتكر، في جعبته الكثير من العطاء، نافعا للبلاد و للعباد، و قد عملت الحكومة كذلك على تمويل وزيادة إنتاج مواد طبية و شبه طبية، وسهرت -في زمن قياسي- على إعادة فتح وحدة صناعية كانت قد أغلقت أبوابها في زمن مضى، و التي كان تخصصها هو إنتاج مواد معقمة: فلا مستحيل أمام الحاجة، و زيادة الطلب.
و من منح هذه المحنة كذلك انخفاض الفاتورة الطاقية للمغرب بشكل لافت، لعل ذلك راجع إلى الشلل المؤقت الذي لحق مختلف الوحدات الصناعية نتيجة الحجر الصحي، مما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار البترول العالمية، و تراجع الطلب عليه في العالم، فاقدا القيمة التي كان يحتلها في أرجاء المعمور. أليست هذه مفارقة عجيبة؟ إنها معادلة رياضية أم صدفة، فكيفما كانت فإنه ينبغي استغلالها أحسن استغلال، ليس في زيادة المخزون الطاقي فحسب ، بل في أخذ العبر و الدروس: “دوام الحال من المحال”، و خاصة الدول المرتكز اقتصادها على إنتاج البترول.
فما أحوجنا لإعادة الثقة في اقتصادنا و تقويته لمواجهة مثل هذه الصدمات و كل تداعياتها، فقد أبانت الاستراتيجية السوسيو-اقتصادية عن نجاعتها و لو مؤقتا، خاصة في ظل هذا الظرف العصيب، و التي أضحى من الواجب تنزيلها و جعلها أساس النموذج الإقتصادي الجديد، ومن المرتكزات التي ينبغي أن يقوم عليها.
فهل كان سبب إغلاق وحدات صناعية تعتبر ضمن قطاعات حيوية في الماضي القريب، هو غياب الثقة في صناعتنا المحلية؟ و في المقابل نهج سياسات تدعم كل ما هو مستورد على حساب الإقتصاد الوطني؟ أم ذلك راجع في نهاية الأمر إلى نهج سياسة التفكير فقط في الربح المادي، ولو على حساب الجانب الإجتماعي؟
فإغلاق منجم الفحم الحجري بجرادة، ربما كان بسبب ارتفاع تكلفة استخراج الفحم به، نتيجة سوء التدبير، و الذي أدى لا محالة إلى اهتراء معدات المنجم و عدم وجود الصيانة، فتم اللجوء بعد إغلاق هذه الوحدة الإنتاجية إلى استيراد الفحم الحجري من جنوب إفريقيا بتكلفة أقل من تكلفة استخراجه بالمنطقة الشرقية. فقد دمر هذا القرار، مستقبل أعداد كبيرة من المواطنين و أسرهم، الذين كانوا يقتاتون من نشاط هذا المنجم المغربي، و يعتبرونه مصدر عيشهم الوحيد، إنه تفكير فيما هو ربح آني و مادي محض، لم يراعي التداعيات الإجتماعية التي خلفها هذا القرار، وانعكاساته على حياة عمال المنجم وإن كان قد تم تعويضهم بمبالغ مالية، و أحدث تداعيات اقتصادية على كل سكان المنطقة الشرقية كذلك، و الذين تغير مجرى حياتهم ، فقد أدى هذا القرار إلى مآسي ومعاناة صحية ونفسية لساكنة جرادة، الذين قاوموا شلل آليات هذا المنجم بعنادهم، واعتمدوا على سواعدهم، في استخراج الفحم الحجري بطرق تقليدية، في ظروف عمل تفتقر إلى أدنى شروط السلامة، و تفتقر كذلك لشروط الوقاية الصحية، فتفقد الأسر جراء هذه الظروف اللاصحية، فردا أو أكثر تحت الردم، و إصابة غالبية الساكنة بأمراض تنفسية مزمنة، في سبيل البحث عن لقمة العيش بالعمل بحفر استخراج الفحم غير آمنة، ناهيك عن العاهات الجسدية التي طالت العديد من هؤلاء العمال السريين.
فهل سيأتي الدور على هذا المنجم المغربي ليفتح أبوابه؟ شانه شأن الوحدات الصناعية الأخرى التي عانى عمالها من ويلات هكذا قرارات؟ الحاجة الملحة في زمن كورونا للمعقمات الكحولية، كانت وراء مراجعة السلطات حساباتها، فعملت على إعادة وحدة التعقيم الصناعية بمدينة القنيطرة إلى حضيرة الإنتاج. نأمل في أن تراجع الحكومة حساباتها كذلك، و تعمل على فتح أبواب هذا المنجم المغربي من جديد في المنطقة الشرقية، و أن تجدد ما بلي، وينتظم العمال و يتم تأطيرهم و حمايتهم من أخطار الشغل، وبالتالي يتحقق حلمهم في كسب لقمة عيش كريم، و في نفس الوقت يتم تزويد المغرب بحاجياته من الفحم الحجري محليا، و يتم توفير فاتورة طاقية أخرى كانت تدفع إلى الخارج، ليعود قطار التنمية إلى سكته المهجورة بهذه المنطقة العزيزة علينا، ولم لا العمل على تطعيم اقتصادها بمشاريع كبرى أخرى، في إطار التنمية المستدامة، فتعود بالنفع على الساكنة و على البيئة على حد سواء.
ينبغي أن تحتل التنمية الإجتماعية المستدامة، مرتبة قصوى في النموذج التنموي الجديد، و تكون لها أولوية في مغربنا الحبيب، في ظل العهد الجديد، لتقدم مصلحة المواطن الإنسان وتراعى ظروفه الاجتماعية، في محاربة الهشاشة و التهميش و الإقصاء و الفقر، فما أحوج المغرب لسواعد أبنائه، و ما أحوج الإقتصاد الوطني إلى تشجيع للإنتاج المحلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى